يقول الكاتب ونقيب الصحفيين الأسبق «مكرم محمد أحمد» إن الدستور تم تفصيله لصالح حزب الحرية والعدالة، وأقر بالحبس في قضايا النشر، ووسع شقة الخلاف في المجتمع المصري تحدث مكرم محمد أحمد عن أوضاع الصحف القومية البائسة، وعن الإرهاب الذي يمارس ضد الإعلاميين والحزبيين دون مساءلة وعن اختفاء المسافة بين المتشددين والمعتدلين داخل صفوف التيار الإسلامي، وعن ضرورة وحدة القوي المدنية، وعن مغزي التصويت في الجولة الأولي من الاستفتاء، عن هذه القضايا وغيرها يجيب «مكرم محمد أحمد» عن أسئلة «الأهالي». ما تقييمك للدستور القادم؟ فضلا عن أن هذا الدستور لم يشارك في كتابته كل فئات المجتمع وانسحب منه ربع أعضاء الجمعية التأسيسية الممثلين للقوي المدنية فإنه ملئ بأوجه عوار عديدة سواء فيما يتعلق بسلطات الرئيس غير المحدودة أو فيما يتعلق بحرية الصحافة والكلمة التي وضع لها الدستور عبارات غامضة وفضفاضة يمكن استخدامها كذرائع لمن يريد الاعتداء علي حرية الصحافة مثل عبارة «الالتزام بالمقومات الأساسية بالمجتمع» وعبارة «الالتزام بالأمن القومي». ما رأيك في المواد المتعلقة بحرية الصحافة والصحفيين في الدستور؟ لم يستجب هذا الدستور لمطالب الصحفيين الخاصة برفع عقوبة الحبس في جرائم النشر التي ناضلوا كثيرا من أجلها وحصلوا علي بعض المكاسب المحدودة في فترة الرئيس السابق، ولكن هذه العقوبة مازالت قائمة، كما لم يحصن الدستور حقوق أساسية استلبت من الصحفيين، فالنقابة كانت دائما هي سيدة الموقف وكانت دائما هي سلطة المساءلة والعقاب الوحيد التي يمثل أمامها الصحفي إذا ما أخل بميثاق الشرف الصحفي فوجئنا في قضية جمال عبدالرحيم بأن المجلس الأعلي أو مجلس الشوري يستلب سلطات النقابة ويعاقب صحفي بفصله أو إسقاطه رئاسة التحرير عنه دون أي تحقيق والمفروض أن هذه سلطة النقابة، فما بالك بمن صدر لصالحه حكم قضاء وحكم مؤيد من محكمة الاستئناف ولم يمتثل مجلس الشوري ولم ينفذ القرارات. يري البعض أن هذا الدستور حل بعض المشكلات الصحفية؟ نعم فهو أتاح فرصة لإصدار صحف بالإخطار ودون تراخيص وهذا في حد ذاته خطوة إلي الأمام ولكن هذه الخطوة أيضا مشوبة بمخاطر عديدة، حيث إن هناك صحفا خاصة تحترم حقوق الصحفيين ولكن في الآونة الأخيرة نشأت كثير من الصحف الخاصة التي تعامل الصحفي «كقن» لا توظفه ولا تعطيه أجرا، وتوعده بعضوية النقابة وتتحصل هي علي قرشين النقابة كما تلزمه بدفع تأميناته الاجتماعية لفترات محددة وفي بعض الأحيان تلزمه أن يوقع ورقة علي بياض أو علي استقالته، ولقد أغلقت أكثر من صحيفة وترك الصحفيون علي سلم النقابة بعدما أهدرت حقوقهم فكان ينبغي وضع شرط لهذه المادة «إصدار صحف بالإخطار» هو أن يضمن للصحفيين حقوقهم. الإضافة الأخري هي، إصدار قانون المعلومات الذي يتيح للصحفيين الحصول علي المعلومات من مصادرها الطبيعية، ولكن أوجه العوار الموجودة في هذا الدستور جعلت أغلبية الشعب يعتقد أن هذا الدستور فصل لصالح حزب الحرية والعدالة وإنه لم يفصل علي مقاس مصر. عضوية الحزب هي المعيار! هل لهذا الدستور دور في توسيع الشقاق بين التيار الإسلامي والقوي المدنية؟ نعم فبدلا من أن يكون هذا الدستور عاملا للم الشمل ووحدة الصف زاد من حدة الاستقطاب الشديد الموجود في المجتمع وأدي إلي توتر شديد ما بين هذين القسمين خاصة مع دخول السلفيين ليعتبر أن فسطاط الذين مع الدستور هم فسطاط الحق والإسلام ويعتبر الفسطاط الآخر هو فسطاط الكفر والإلحاد وتصل الجرأة إلي حد أن يقولوا «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار». ما الوضع الأمثل بالنسبة للإعلام القومي والصحف القومية من حيث الملكية والإدارة؟ كان لدينا تصور بعد ثورة 25 يناير والكلام عن دولة المؤسسات أن يكون هناك رؤية جديدة للصحافة القومية تعطي هذه المؤسسات الحق في الاستقلال فوجئنا بأن مجلس الشوري الذي هو منتخب من نسبة من الناخبين لا تتعدي 7% من الجداول الانتخابية والتي هي من تيار الإخوان والسلفيين هو الذي يعين كل رؤساء التحرير بذات الأساليب القديمة وكأنه لا توجد ثورة. هذه إجابة تثير تساؤلات فيما يتعلق بمجلس الشوري؟ بالطبع فكثيرا ما تساءلت ما هي المبررات التي تعطيه هذا الحق في تعيين رؤساء التحرير ومن أنت، فأنت أتيت بنسبة 7% وتعبر عن اتجاه واحد وليس اتجاهات متعددة فلماذا لا تعامل المؤسسات القومية شأن المؤسسات الخاصة علي أن تقوم مجالس الإدارة بتعيين رؤساء التحرير من بين أبنائها بشروط واضحة، إنما تأتي مجموعة لا تعرف شيئا عن الصحافة وليست مفوضة تفويضا حقيقيا من الناس وتعطي لنفسها حق التسلط علي هذه المؤسسات التاريخية وعلي حرية الكلمة بهذا الشكل فهذا وضع صعب. وماذا عن المعايير؟ زاد من صعوبة المسألة أن الاختيار يكون من بين المتقدمين فقط وماذا عن الذين لم يتقدموا حفظا لكرامتهم، المفروض أن الاختيار يقع علي الأفضل من بين جميع الصحفيين لإدارة هذه المؤسسات في عصر مبارك كانوا يتحججون بملكية مجلس الشوري للصحف القومية نيابة عن الدولة ولكن هناك جهاز مركزي للمحاسبات موجود وجود مادي في كل مؤسسة صحفية يراجع كل الحسابات فهذه هي حقوق المالك، إنما ليس للمالك حق السيطرة علي حرية الصحافة بهذا الشكل وتعيين رؤساء التحرير علي هذا النحو! إذا فالمعايير اختيار رئيس تحرير أن يكون عضوا للحرية والعدالة أو علي الأقل صديقا لها ونحن لا نطالب باستبعاد الحرية والعدالة ولكن نقول المشاركة وليس المغالبة أن تتواجدوا بحجم وجودكم في المجتمع، إنما تسيطرون علي كل مفاصل الدولة وكل مؤسسات الإعلام فكل المحافظين إن لم يكونوا من الحرية والعدالة فنائبه لابد أن يكون من الحرية والعدالة وهذا أدي في النهاية إلي هذا الانقسام وهذا الشرخ العميق الذي قسم المجتمع المصري. دولة غائبة ما تقييمك لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي وما تعرض له مقر حزب الوفد وجريدته وتهديد رئيسه؟ تعجبت كيف يجري استفتاء في ظل حدثين بالغي الأهمية مثل استمرار حازم أبوإسماعيل وأولاده في محاصرة مدينة الإنتاج بهذه الصورة البشعة التي تمثل إرهابا فكريا مباشرا وكل يوم يذبحون عجلا بأسماء ضحاياهم ويصل الأمر إلي حد التهديد اليومي باقتحام هذه المؤسسة والدولة غائبة والقانون غائب والرئيس لا يخرج ليقول عيب، فهذا ليس اعتصاما بل حملة أو غزوة وإكراه وتعدي وسب للداخل والخارج كل هذا والدولة «صم بكم» وكأنها لا تري ولا تسمع مع أنه شيء فاضح ويتكرر الأمر مع المحكمة الدستورية العليا فتوقف جميع جلساتها ومع ذلك يجري الاستفتاء في هذا المناخ الذي يشوبه إرهابا فكريا ونوعا من البلطجة وشغل عصابات في ظل غياب الدولة والقانون، لذلك لم يكن غريبا أنهم يشنون حملة علي حزب الوفد ويحاولون اقتحامه ويحاولون تكسير مقر الجريدة؟ لماذا لم يستدع النائب العام الذي عينه مرسي حازم أبوإسماعيل ويسأله إنما هم خائفين من مساءلة حازم أبوإسماعيل، بل إن حازم أبوإسماعيل هو من يتوعد بمحاسبة كل من سيقوم باتهامه، رغم تأكيدات مدير أمن الجيزة ومدير مباحث الجيزة العلانية علي كل المحطات بأن الحازمين هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة، إرهاب فاضح ورئيس ساكت والنيابة العامة لا تقدم ولا تأخر ما الذي نفهمه من هذا؟ هل تعتقد أن الفروق بين التيارات الإسلامية في التشدد والاعتدال قد اختفت أم مازالت موجودة؟ جماعة الإخوان المسلمين عندما قدمت نفسها علي أنها تمثل تيار الاعتدال الإسلامي كثير من الليبراليين ومن المثقفين عارضوا مبارك دفاعا عن حق جماعة الإخوان المسلمين في أن تكون طرفا في اللعبة السياسية وأن تجاهلها يعد قصورا وأن اللعبة السياسية بدون شراكة الإخوان لا تصح لأنهم فصيل مهم من الفصائل الوطنية اليوم لا أعرف إذا كانت الجماعة مازالت متمسكة بأن تظل تيارا معتدلا ولكني أجد أنها واقعة تحت ضغوط السلفيين والسلفيين واقعين تحت ضغوط السلفية الجهادية ورأينا إعلام القاعدة ترفع في مليونيات الإسلاميين ولأول مرة في تاريخ مصر يصبح للقاعدة متحدث رسمي ومقدمة سياسية أو فصيل سياسي متقدم موجود ضمن الحكم، هنا لابد أن نتساءل أين الاعتدال الخاص بالإخوان المسلمين ولقد رأينا في الأزمة الأخيرة كيف اصطفوا جميعا صفا واحدا ابتداء من أيمن الظواهري إلي محمد بديع جميعهم أخذوا صفا واحدا. ألم تنبه هذه الوحدة القوي المدنية إلي ضرورة التعجيل بالوحدة والتمسك بها؟ هذا الاصطفاف إذا كان له فائدة فهي تحفيز القوي الوطنية والمدنية التي كانت ممزقة ما بين الجزر المعزولة فنتيجة توحد الصف الإسلامي ألزمت القوي المدنية بأن تتوحد لأول مرة في جبهة واحدة كان له أثر إيجابي علي الرأي العام المصري وكان له أثر إيجابي علي المليونيات التي خرجت بصورة متحضرة والذين اعتصموا أمام القصر الجمهوري لم يقع منهم فعل خاطئ علي وجه الإطلاق والعنف لم يحدث إلا يوم الأربعاء عندما ذهب «الإخوان المسلمين» ليفضوا اعتصام 18 خيمة أمام القصر الجمهوري بكل وسائل العنف وبقسوة بالغة وترديد عبارات أضحكت الناس عليه مثال «وجدنا جبنة نستو وفول أمريكانا» وكأنهم وجدوا قنابل ذرية. الرغبة في المغالبة كيف تري مستقبل الديمقراطية في مصر؟ الديمقراطية في خطر في ظل الاعتداء علي حرية التعبير وسيادة القضاء علي هذا النحو فلا يوجد ديمقراطية بدون حرية تعبير وبدون دولة قانون، فلابد أن يغير الإخوان المسلمين مواقفهم ويتأكدوا أنهم لن يستطيعوا السيطرة علي هذه البلاد وفي النهاية مهما حققوا من نجاح في هذا الاستفتاء سوف يجدون أنفسهم أمام حائط مسدود لأن هذا البلد لا يمكن أن يحكمه فريق واحد أنا لا أري شواهد كثيرة تؤكد علي هذا أتمني من الإخوان المسلمين، أن يفيقوا ويدركوا أنهم مجرد فصيل وأن هناك آخرين ينبغي أن يشاركوا ويعلموا أن مصر لا يمكن أن تحكم إلا بوفاق يضم كل قواها السياسية والاجتماعية أمل ولكن ليس كل ما يأمله الإنسان يتحقق وكثيرا ما تذهب هذه الآمال أدراج الريح تحت سطوة الرغبة في الاستحواذ الرغبة في المغالبة والرغبة في التمكين من مفاصل الدولة الرغبة في الادعاء أنهم هم وحدهم الشعب والآخرين مجرد إضافة يمكن الاستغناء عنهم. ما رأيك في مؤشرات التصويت علي الاستفتاء؟ لا أعلم نسب علي وجه الدقة ولكن هناك نسب دالة فعندما يكون نسبة التصويت ب «لا» في القاهرة التي يسكنها أكثر من 13 مليون مواطن أكثر من التصويت بنعم وعندما تتجاوز حدود الذين لا يقولون لا نسبة 40% كما هو متوقع يبقي علي الإخوان المسلمين أن يدركوا أن هذا الدستور لا يمكن أن يكون دستورا لكل المصريين فدستور كل المصريين يجب أن يوافق عيه 80% من المصريين، وإن اعترض عليه ثلث فهذا يعني أنه لا يصلح ولن يكون عاملا مهما في استقرار حال البلد وسوف تستمر القلاقل والرفض وسنظل علي حالنا وبؤسنا الراهن فسطاطين متقابلين فسطاط يدعي أنه فسطاط الإيمان ويدعي علي الآخرين أنهم فسطاط الكفر.