ماذا تعني كلمة «العشم» ..وما الذي يقصده عنوان فيلم مثل «الخروج للنهار» وماذا يريد هذا المخرج من عمل يضع له عنوان هو (كل يوم).. «العشم» أو «عشم» هو عنوان فيلم مصري روائي جديد عرض في عرضه الأول أمس الأول بمهرجان الدوحة السينمائي الدولي، وهو أول أفلام مخرجة مصرية جديدة هي (ماجي مرجان) التي قدمت قبله عدة أفلام قصيرة، أما (الخروج للنهار) الذي تناولناه هنا منذ أسبوعين فهو أيضا الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجته «هالة لطفي» أحد أهم مخرجات الفيلم القصير في مصر، بينما يأتي فيلم (كل يوم) من خارج مصر، للمخرج البريطاني ما يكل وينتر يوتوم ليشارك في رسم صورة لنوع من السينما التي يزداد صعودها في العالم الآن وهي السينما التي تتعمق في حياة الإنسان وتفاصيلها، ولا تري مانعا من المزج بين لقطات من الحياة الواقعية داخل النسيج الدرامي، في قالب يسميه البعض (دوكيو.. دراما) أحيانا لشدة صدقه في تقديم التجربة الإنسانية باستخدام مفردات الواقع والافتراض معا.. وسواء كان الفيلم يأخذ لمحات من الحياة الواقعية، أو يعبر عنها بإبداعات المؤلف والمخرج فإننا أمام سينما أخري، تخرج من رحم السينما الروائية بكل أنواعها ومدارسها، وتتمرد عليها، ترفض الأفلام البوليسية والمثيرة، ترفض الميلودراما والعنف، وترفض بشكل عام صناعة «البهارات» التي تضيف مذاقا حراقا للأفلام حتي يقبل عليها جمهور المذاقات «الحريفة». في فيلمه (كل يوم) والذي عرض في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي مؤخرا، يطرح مايكل وينتر بوتوم حكايتنا جميعا، وحكاية حياتنا التي تتكرر كل يوم بشكل ممل وروتيني يدفعنا في أحيان كثيرة إلي الإحساس بأن الحياة لم يعد فيها جديد، يتوقف بوتوم عند هذه العلاقة بيننا وبين الحياة، وبيننا وبين دقائق الزمن التي تتوالي محدثة تغييرات عديدة لا نشعر بها عادة في بداياتها، وقد نغفل عنها لفترات طويلة حتي يأتي «الحدث» الذي يهزنا من هذا الثبات فنكتشف أننا كنا غافلين عن الكثير مما حدث لنا ولغيرنا، ربما أقرب الناس إلينا، وهو ما يقدمه من خلال أسرة، ترعي الأم فيها أطفالها الأربعة بعد ذهاب زوجها (للسجن) وعلي مدي سنوات يكبر الأطفال وتبدأ أحوال كل منهم في التغيير، بينما الأم مستمرة في الرعاية، وفي رحلاتها لزيارة الزوج في سجنه وحمل الملابس النظيفة والأطعمة إليه، وفي استشارة صديق للعائلة في أي مشكلة تخص الأولاد، وحيث تبدو الصورة هنا خادعة وصادقة معا، تقدم مواقع أطرافها كما تبدو في فراغ الحياة (الزوجة والأولاد في البيت والزوج في السجن) أما خداعها فيأتي من الانقسام الحقيقي لهذه العائلة والذي لا يعنيه انفصال الزوج عن الأسرة مكانيا فقط، ولكن نمو الأطفال وعالمهم واصدقائهم بعيدا عنه، وتطور مشاعر الزوجة تجاه الزوج البعيد الذي أصبح عبئا بالمعني الإنساني والعاطفي وليس المادي، وهو مانراه حين يخرج من السجن ويسعي لاستئناف حياته العاطفية مع الزوجة التي سوتها السنوات وحولتها إلي إنسان آخر.. وليتركنا المخرج في نهاية الفيلم أمام صور متعددة للأسرة، فردا فردا، لنكتشف أننا لم نحسن إدراك ما حدث من تغييرات لكل افرادها الكبار والصغار ، لأنها تغييرات نبتت ببطء وازدادت مع مرور الأيام دون أحداث أو فرقعات، لتحدث في النهاية تغييرات حقيقية داخل الجميع، الزوجة والأم، الابنة التي كبرت وأصبح لها صديق، الابن الأكبر، وأخيرا الزوج.. أنه الفيلم الذي يطرح علينا تحديات لا نفكر فيها عادة، وإنما نفاجئ بها، وحين يتوقف بعضنا لاستعراض شريط حياته أو فيلم حياته، يكتشف كم كان غافلا، وكم كان مهملا لكثير من الأمور التي كانت تستحق الانتباه.. وأن الأيام الرتيبة ليست كذلك في حقيقتها، وانما هي الواجهة فقط ، أما ما في الداخل فيتغير كل يوم لأن الحياة لا تتوقف لحظة واحدة .. وفي هذا الإطار يعيدنا (كل يوم) إلي فيلم (الخروج للنهار) والذي تتابع فيه اللحظات علي الفتاة وأمها وأبيها في البيت الذي ضاق بمساحته المحدودة، وبالأكثر من هذا، بالأحلام المؤجلة التي تتوقف بسبب مرض الأب بالشلل وعمل الأم المستمر من أجل إعالة الأسرة وحيث تتابع الدقائق والساعات علي الفتاة- الابنة الشابة- فتشعر أنه لا شيء يحدث في الحياة، ولا يوجد جديد وهو ما يدفعها للخروج من البيت لكي تعيش تجربة لم تكن تحلم بها تعيد إليها التوازن المفقود، كذلك يعيدنا الفيلمان إلي الفيلم الثالث (عشم) الذي يبدأ أبطاله مشاويرهم بقلق داهم من الحياة الشحيحة، وبعد تجارب ورؤي مختلفة يصل كل منهم إلي بر آخر ويبني لنفسه مساحة من الفهم والثقة في أن الأيام ليست وجها واحدا مصمتا. ليت هذه الأفلام تعرض قريبا عرضا تجاريا في دور العرض السينمائي بمصر، وتجد لها جمهورا من هؤلاء الذين يبحثون عن سينما جديدة وسينما مختلفة تتشابك مع حياتهم وتدعوهم لتأملها وتذوق معني آخر لنوعية أخري من السينما.. نوعية تحترم أولا إنسانية المشاهد وليس شباك التذاكر.