كنت قد اكتشفت في منتصف تسعينيات القرن العشرين أن المستثمر العقاري الذي باع لي شقتي السكنية قد خدعني، حيث ضمن المساحة المتفق عليها عشرين مترا مربعا في الهواء قيمتها عشرون ألف جنيه آنذاك، واهما إياي بأنها حصتي في المنافع المشتركة الخارجية والتي تشمل جراجات واسعة وأرصفة عريضة تطل علي شوارع عمومية معبدة. وذلك بخلاف عشرة امتار اخري مخصومة من المساحة الاجمالية بالتراضي كما هو شائع لكونها حصتي في المنافع المشتركة الداخلية والتي تشمل الممرات والمناور والسلالم والمداخل. الا ان المستثمر العقاري سرعان ما قام باعادة بيع المساحات الافتراضية المخصصة للمنافع المشتركة الخارجية كمحال تجارية لآخرين بالمخالفة الواضحة لشروط الترخيص العقاري الصادر له من رئاسة الحي، مع استصداره من رئاسة الحي ذاتها لتراخيص تشغيل تلك المحال المخالفة، مما شجع أصحابها لاحقا علي التمادي في توسعاتهم الرأسية والأفقية حتي ابتلعوا كل الجراجات والارصفة ، كما احتلوا كل الشوارع بمختلف انواع الاشغالات الثابتة والمتحركة. ولما كان المشروع العقاري يضم خمسمائة شقة سكنية وقع مالكوها الجدد في نفس الخدعة مثلي، فإن المستثمر يكون قد استولي بخداعنا علي عشرة ملايين جنيه، علما بأنه يملك في نطاق نفس الحي عشرة مشاريع عقارية أخري باسماء متنوعة لعدة شركات يجيد محاموه تأسيسها وحلها ودمجها وتفكيكها وفق الاعتبارات المتعلقة بمهارات المراوغة الضريبية، أي أننا بصدد مائة مليون جنيه عوائد المخالفات العقارية فقط داخل الحدود الإدارية لحي واحد ضمن عشرات الاحياء التي تشكل خريطة محليات العاصمة، التي يصول فيها المستثمر العقاري ويجول علي هواه!! بدأ رد الفعل من جانبي بدعوة المالكين الجدد لمناقشة كيفية مواجهة الخديعة التي تعرضنا لها جميعا، وانتهي الاجتماع بمنحي تفويضا مكتوبا لاتخاذ جميع الاجراءات اللازمة من اجل تصحيح اوضاع المشروع العقاري بإزالة المخالفات واستعادة المنافع المشتركة المستولي عليها. اجبرني فشل محاولاتي مع المستويات الادارية والتنفيذية المختلفة علي طرق ابواب القضاء باعتباره نظريا الملجأ الاخير لفرض الشرعية والقانون، رغم ما كان قد تناهي لأسماعي حول ان بعض رجال القضاء الواقف والجالس اصبحوا يهتمون بأشياء عديدة ليس من بينها إقرار العدل وحول ان معظم معاوني رجال القضاء اصبحوا يعاونون مختلف امبراطوريات الفساد علي حساب اقرار العدل، فضاع الكثير من عمري وجهدي ومالي خلال تلك المرحلة من محاولاتي لإزالة المخالفات وتصحيح اوضاع المشروع العقاري، وكان الضياع تارة في سراديب المحامين الذين بدأوا معي ثم انتقلوا الي الصف الآخر سواء بالانسحاب المفاجئ أو بإفساد القضايا او بالتصالح فيها دون علمي، وتارة في دهاليز انقطاع التواصل مع الخبراء الهندسيين سواء بعدم استلامهم لتكليفات المعاينة الميدانية أو بعدم ورود تقاريرهم المتضمنة نتائج ما أجروه من معاينات رغم وجودهم بالمبني المجاور، وتارات في مغارات اختفاء المستندات المهمة من داخل ملفات القضايا إن لم يكن اختفاء الملفات برمتها، لتكون النتيجة هي صدور العديد من القرارات القضائية المتتالية بحفظ بلاغاتي لأسباب تتراوح بين «عدم الاختصاص الجغرافي أو عدم الاختصاص النوعي» وبين «عدم وضوح صفة الشاكي أو صفة المشكو في حقهم» وبين «شيوع التهمة» وبين «التقادم الزمني للمخالفات».. وما شابه. إلا أن إصراري علي تكرار المحاولة عقب كل قرار بالحفظ مع حرصي علي سد الذرائع أسفر مؤخرا عن استصداري لقرار قضائي واضح بتحميل رئاسة الحي مسئولية تفشي المخالفات داخل المشروع العقاري وتكليفها بتصحيح الاوضاع حسب الاصل الهندسي الموجود في ترخيص البناء، الأمر الذي دفع المحافظ لإصدار قرارين تنفيذيين متتاليين بمحتوي القرار القضائي الأخير، وتسلمت رئاسة الحي القرارات القضائية والتنفيذية لادراجها باحترام شديد في نفس ملف بلاغاتي المكتظ بعد تذييلها بالتأشيرة ذاتها حول انتظار ما لا يأتي من موافقات الجهات الأمنية المعنية لفتح جراج وتسوية رصيف وتعبيد شارع!! طالت المدة التي امضيتها كادحا في الأروقة الادارية والتنفيذية والقضائية سعيا لتطبيق القانون والشرعية حتي قاربت الخمسة عشر عاما، وهي مدة سمحت للمخالفين بتغيير ملامح الخريطة الميدانية الخاصة بالمشروع العقاري لفرض امر واقع جديد يتحدي الجميع، حيث تنازل بعض اصحاب المحال المخالفة تحت رعاية المستثمر العقاري ورئاسة الحي عن اجزاء من المساحات التي كانوا قد سبق ان استولوا عليها لبناء زاوية رغم الفتوي الشرعية الأزهرية بتحريم إقامة المساجد علي الاراضي المخصصة للمنافع، ثم قاموا بتسليم الزاوية الجديدة المخالفة لإحدي الجماعات السلفية ذات الوجود الجماهيري لتديرها علي هواها المتطرف مقابل التزامها بتعبئة المصلين ضد محاولاتي لإزالة المخالفات باعتبارها سوف تشمل فيما تشمل إزالة الزاوية ذاتها، وسرعان ما نشرت الجماعة السلفية ميكروفونات الزاوية علي امتداد المشروع العقاري كله بما في ذلك اسفل شباك غرفة نومي لتأكيد نفوذها. أما باقي اصحاب المحال المخالفة فقد قاموا تحت رعاية المستثمر العقاري ورئاسة الحي بتأجير محالهم من الباطن لبعض ذوي السوابق الاجرامية حسب قانون الايجارات الجديد بقيمة ايجارية تقل كثيرا عن مثيلاتها في السوق. ليجعلوا من تلك المحال سواتر لممارسة انشطتهم الاجرامية، والتي التزمت رئاسة الحي من جانبها بغض الطرف عنها مقابل استخدامهم لكل ما في جعبتهم من أسلحة وفنون اجرامية ضد محاولاتي ازالة المخالفات باعتبارها سوف تشمل فيما تشمله إزالة المحال التي يستأجرونها كسواتر لانشطتهم الاجرامية. واخيرا قام اصحاب المحال بالتنسيق مع الجماعة السلفية التي تدير الزاوية وتحت رعاية المستثمر العقاري ورئاسة الحي بتولية انصارهم رئاسة اتحادات ملاك المشروع بما اعقب ذلك من الاستعانة بصبيانهم الناضورجية كطواقم حرس وبوابين، ليشكلوا بموجب وظائفهم قاعدة المعلومات الميدانية للجهات الأمنية المعنية. وهكذا نجح تكتل المخالفين في إغلاق دائرتهم بإحكام علي محاولاتي لتطبيق القانون والشرعية، أما القرارات القضائية والتنفيذية التي ارفعها أنا عاليا في وجوههم فقد جعلوا منها مثارا لسخريتهم!!