مع موافقة المحكمة الاتحادية «الدستورية» في العراق علي نتائج الانتخابات البرلمانية التي تمت يوم 7 مارس الماضي، بعد انتهاء إعادة فرز الأصوات في بغداد وتأكيد صحة النتائج التي أعلنتها «المفوضية العليا للانتخابات» في نهاية مارس الماضي.. أصبح الباب مفتوحا من الناحية الدستورية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وهي خامس حكومة منذ الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين. فطبقا للدستور العراقي سيدعو رئيس الجمهورية الحالي «جلال طالباني» مجلس النواب الجديد (325 نائبا ونائبة) إلي الانعقاد خلال 15 يوما من موعد تصديق المحكمة الاتحادية علي نتائج الانتخابات، ويختار المجلس رئيسا له ونائبين خلال 15 يوما، ثم اختيار رئيس جديد للبلاد خلال 30 يوما من عقد جلسته الأولي، ويكاد يكون الأمر محسوما لصالح الرئيس الحالي «جلال طالباني» حيث توصلت القوائم الفائزة في الانتخابات علي إعادة انتخابه لولاية ثانية «لكفاءته وتاريخه الوطني المعروف، فضلا عن كونه يمتلك علاقات واسعة مع جميع الأطراف في الداخل، إضافة إلي علاقاته الكبيرة والكثيرة مع دول العالم، التي استثمرها في خدمة البلاد بالعديد من القضايا والكثير من الأزمات التي حدثت في البلاد، وكان للرئيس جلال طالباني الدور البارز في احتوائها» كما قال نوري المالكي رئيس الوزراء وزعيم «تحالف دولة القانون»، وبعد اختيار رئيس الجمهورية فعليه أن يقوم خلال 15 يوما بتكليف أكبر كتلة في مجلس النواب بتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، الذي يسعي لتشكيل ائتلاف بين عدد من الكتل الفائزة نظرا لعدم حصول أي قائمة في الانتخابات علي الأغلبية المطلوبة (163 نائبا) ثم يقوم رئيس الوزراء بتشكيل حكومته خلال 30 يوما، وإذا ما فشل رئيس الوزراء المكلف في تشكيل الحكومة خلال هذه الفترة، يكلف رئيس الجمهورية شخصا آخر خلال 15 يوما بتشكيل الحكومة، وهو ما يعني في حالة عدم ظهور أي عقبات غير متوقعة أن الحكومة لن تتشكل قبل نهاية يوليو وبداية أغسطس القادم!. وتطالب «الكتلة العراقية» الحاصلة علي أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب (91 مقعدا) بتكليف زعيمها «إياد علاوي» بتشكيل الحكومة الجديدة بينما يطالب التحالف الذي أعلن في 4 مايو بين «ائتلاف دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي و«الائتلاف الوطني العراقي» بزعامة عمار الحكيم، ويمتلك في البرلمان 159 مقعدا (89 مقعدا لائتلاف دولة القانون و70 مقعدا للائتلاف الوطني العراقي) بحقه في تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء الجديد، مستندا إلي قرار المحكمة الاتحادية الذي نص علي أن الكتلة النيابية الأكبر التي تكلف بتأليف الحكومة دستوريا، هي التي تشكل بعد الانتخابات من تحالف ائتلافين أو أكثر، وليس الكتلة التي فازت بالمركز الأول في الانتخابات. وفي محاولة للخروج من الأزمة قفزت فكرة تشكيل حكومة شراكة وطنية تضم كل القوائم والكتل الفائزة في الانتخابات. فتحالف دولة القانون والائتلاف الوطني الذي يحظي ب 159 نائبا في البرلمان - أي أقل بأربعة أصوات عن الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة - أعلن أن «هذا التحالف الوطني خطوة أساسية للانفتاح علي القوي الوطنية العراقية» وأن التحالف «عازم علي توفير مستلزمات العملية السياسية، وأهمها بناء نظام برلماني وتشكيل حكومة عراقية وفق مواصفات الوطنية والكفاءة، وترشيح رئيس لمجلس الوزراء يلتزم بهذا البرنامج وصولا إلي البناء المؤسساتي للدولة تعزيزا للدور الفاعل والبناء للعراق في المحيط العربي والإسلامي والدولي»، وقال القيادي في الائتلاف الوطني العراقي «محمد ناجي» أن الائتلاف ينوي دعوة القوائم الأخري للجلوس إلي الطاولة المستديرة للحوار بشأن حكومة شراكة وطنية، وأكد نوري المالكي أن إشراك القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي «يأتي وفق ضرورتين: أولا كونها قائمة أساسية، وثانيا كونها في عمقها مكونا مهما وأساسيا من مكونات الشعب العراقي، ولا يمكن أن تستقر الأوضاع ما لم يكن هذا المكون موجودا في الحكومة».. مشيرا بذلك إلي وجود القيادات السنية في القائمة. لكن تشكيل هذا التحالف لحكومة شراكة وطنية تعترضه عقبات كبيرة، فهناك خلاف واضح بين التحالف والقائمة العراقية لخصه المالكي في «مسألة اجتثاث البعث والوضع الإقليمي»، وإعلان التحالف بدا وكأنه عودة «للمحاصصة الطائفية» فقد ضم التكتلين الرئيسيين للشيعة، بينما بدت القائمة العراقية والتي طرحت شعارات وأفكارا علمانية وكأنها الممثلة لسنة العراق، والخلاف الأهم يدور حول رئاسة الحكومة، فالقائمة العراقية متمسكة بتولي إياد علاوي رئاسة مجلس الوزراء، بينما يرفض التحالف ذلك ويصر علي أن يكون منصب رئيس الوزراء من نصيب التحالف، وفي داخل التحالف هناك خلاف علي اسم رئيس الحكومة الذي يختاره التحالف، فهنا من يعترض بقوة علي نوري المالكي الذي يتمسك ائتلاف دولة القانون به، ويطرح الائتلاف الوطني عدة أسماء يختار من بينها وهم «إبراهيم الجعفري وعادل عبدالمهدي وأحمد الجبلي وجبر صولاغ» وجرت محاولات لعقد اجتماع بين القطبين المتنافسين - المالكي وعلاوي - وحدد للقاء يوم السبت الماضي، ولكن اللقاء تأجل إلي أجل غير مسمي، وقالت شخصيات في القائمة العراقية إن التأجيل يعود إلي أن بعض القوي في ائتلاف دولة القانون لا ترغب في جمعها معا خوفا من حدوث اتفاق «قد يغير الخارطة السياسية الحالية»، وقال حيدر الجوراني القيادي في ائتلاف دولة القانون.. هناك شخصيات في القائمة العراقية لا تؤمن بالدستور وترغب في إقصاء الآخرين في حالة تحالفنا معهم، وأعلن خالد الأسدي باسم حزب الدعوة «حزب المالكي» أن زعيم الائتلاف «نوري المالكي» لن يجلس مع رئيس القائمة العراقية إياد علاوي في حال تمسك الأخيرة برئاسة الوزارة وتشكيل الحكومة، وأثار الاهتمام البالغ للقاء الزعيمين ردود أفعال ناقدة، فكتب «مشرق عباس» في صحيفة المدي معلقا علي هذا اللقاء.. «الحديث يبدو عن زعيمين لدولتين مستقلتين.. الانطباع بأن العراق في مرحلة صراع ديوك ورموز وشخوص وليس برامج ومفاهيم ومواقف أشبه بتغاضي فج عن اللعبة الديمقراطية». وفي محاولة للخروج من الأزمة وجه جلال طالباني الدعوة لقادة كل القوي السياسية لحضور «مأدبة سياسية» في مقر قصر السلام الرئاسي في بغداد، وبحضور رئيس الوزراء نوري المالكي وفخري كريم كبير مستشاري رئيس الجمهورية، ورغم عدم حضور إياد علاوي الذي أرسل لطالباني رسالة اعتذار بسبب وجوده في الكويت تلبية لموعد محدد مسبقا، فقد اتفق جميع قادة الكتل السياسية بمن فيهم طارق الهاشمي من القائمة العراقية علي أن «اللقاء هيأ جوا من المودة والتفاؤل بقصد تذويب حالة الجمود السياسي الراهن، كما أوجد أرضية مناسبة لتعزيز الحوار الإيجابي ليقف عليها الساسة العراقيون وللدخول في مفاوضات جدية علي طريق تشكيل الحكومة المقبلة». وتحمل الأيام المقبلة الخبر اليقين عن مدي قدرة الساسة العراقيين علي الخروج من عنق الزجاجة وتشكيل حكومة «شراكة وطنية» قادرة علي التعامل مع الملفات الصعبة التي تنتظرها، وفي مقدمتها تنفيذ الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة وإنهاء الاحتلال، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتوفير الأمن والخدمات الضرورية.