مدد يا سيدي حمزة مدد... الله حي... الله حي... بهذه الهتافات الشهيرة تبدأ الموالد والتي مازالت تقام الي الآن فلم اصدق انني في عام 2010 ولكن وجدت نفسي في زمن غير الزمن واشخاص اصروا علي التمسك بتقاليدهم التي يقول البعض عنها انها بالية ولكنهم مازالوا يحتفلون بمولد يسمي العارف بالله حمزة السرسي المغازي بحي عابدين في شارع البلاقسة داخل القاهرة والذي يحتفل به مريدوه منذ عام 1883 ولكني وجدت نفسي امام شيء تعودت فقط أن أراه في الافلام السينمائية ولكنني دائماً لم اصدقه إلي أن رأيت بعيني الاطفال يلعبون بالمراجيح القديمة والزقازيق كما يطلقون عليها فنسيت التحقيق الصحفي وبدأت استمتع بالمشاهدة. انتظرت كثيرا امام كشك النيشان لانتظر دوري في هذه اللعبة التي لم اكن اعلم انها حقيقة وحملت البندقية وقمت بالتنشين علي المفرقعات الصغيرة وبذلك شعرت بفرحة الاطفال التي رأيتها في عيونهم والتفت، خطفني شيء آخر وهو الضريح الذي يتبارك به المواطنون واستمررت في المشاهدة دون كلام لان الافراد كانوا في دنيا اخري ينسون فيها همومهم اليومية وكأنهم ينتظرون هذه اللحظة ويضعون بعض القروش في الصندوق المجاور للمقام وبادرني بالحديث رجل يروي لي قصة هذا الضريح او المقام وهو من يتولي رعايته "عبد المنعم المغازي " فهو يحرص علي اقامة مثل هذا المولد كل عام والذي لايقام الا باكتمال التصاريح اللازمة من وزارة الاوقاف فهو مسجل في سجل الموالد بغرض اقامة الشعائر الدينية والقران الكريم وحلقات الذكر المختلفة فهذا الغرض الظاهر، اما الغرض الحقيقي منه فهو ان يجتمع الفقراء المحتاجون للاحتفال معا واخذ ما يطلقون عليه "النفحة " والتي تتكون من الطعام الذي يجلبه لهم القادرون و مساعدة مالية بسيطة فبحكم معيشته في هذا الحي يعرف احتياجات كل منهم ويتصرف علي هذا الاساس في توزيع النفحات . واضاف "المغازي" انه سيترك هذه المهمة بالاهتمام بهذا الضريح لابنه ويوصيه علي ذكراه و ينصحه دائما عند الدعاء الا يدعو "لسيدي حمزة" ولكن يطلب ما يريد من الله فالأولياء الصالحون نتبارك فقط بهم وهي بمثابة حفاظ علي التراث ومساعدة للمحتاجين وقد تسلمها هو من والده المسجل في نقابة الاشراف نظرا للنسب الذي ينتمي الي احفاد رسول الله فيريد ان يحافظ علي هذه الذكري طوال العمر . وجدت علي باب هذا الضريح والجامع سيدة نحيفة تفترش الارض يعرفها المتواجدون يظهر علي ملامحها شقاء الزمان وتمسك ب «براد الشاي» القديم الذي من الواضح ان بينهم عشرة عمر ومودة تجعلك لا تتخيلها بدونه هو والبابور الصغير والفوطة القديمة البالية التي تضعها بجانبها وتعمل وعلي وجهها ابتسامة خالية من الهموم التي تملأ قلبها فهي تنتظر الموالد لتقوم بهذا العمل ويستدعوها مخصوص لهذا الامر فذهبت لها رحبت بي بابتسامة ودعوة حلوة فقالت لي ان اسمها " درية علام" تبلغ من العمر سبعين عاما فهي تتبارك بالموالد فهو مصدر رزقها الوحيد وهي تقدم خدمة الشاي وتاخذ ما فيه النصيب في كل مولد يتم استدعاؤها فيه ولم انته من حديثي معها فوقعت عيني علي سيدة اخري احدي عينيها مغطاة بشاش ابيض وتقف علي عربة النيشان ترتدي عباءة وطرحة سوداء وهي" سيدة هريدي" والتي يبدو علي ملامحها الرضا بما هي فيه فبالرغم من فقدان عينها اليسري جراء هذه اللعبة لكنها تصر علي العمل عليها دون ملل وتنتظر مصدر رزقها في هذه الموالد وقدمت لي دورا في هذه اللعبة . اما عم "سليمان محمد " الشهير بعم "عمة" والذي يمتلك المراجيح المتحركة التي ينقلها من مكان لاخر منذ اربعين عاما فيعمل طوال ايام السنة بالمراجيح امام المدارس او في محل سكنه بالدويقة ولكنه يجد في العمل بالموالد متعة خاصة التي يقول انها زيارة احبابه -الاولياء- ومشاكله مع الحي تكمن في اخذ المراجيح منه والتي يقوم هو بتصنيعها وهذه هي المشكلة الشائعة في المولد باكمله مع الحكومة فأجمعوا علي ان البلدية دائما وابدا تاتي لتنتزع الفرحة من وجههم ووجه الاطفال فتاخذ المراجيح والزقازيق وعربات النيشان و عربات الطراطير والزمامير فهذا رزق هؤلاء البسطاء وفرحتهم ويقومون بتحضيره اغلب ايام السنة ولكن في لحظة يختفي من امامهم . عندما حان لي وقت الرحيل من عالم المولد لم اكن اصدق انني رأيت مثل هذه الاشياء فكأنه حلم او اني دخلت مشهدا سينمائيا غير واقعي وتعجبت لكون العالم كله يتقدم وهم مازالوا متمسكين بهذه العادات التي اوشكت علي الانقراض ورغم شقائهم فهم سعداء لانه لا يوجد لديهم بديل .