يتعرض الصحفيون لحملة تشويه ضارية أطلقتها قوي الإسلام السياسي بعد أن وصلت إلي السلطة مستهدفة ترويضهم وبرمجتهم ليتحولوا إلي أبواق لها تماما كما كان هناك البعض منهم – وهم أقلية – أبواقا للحزب الوطني والنظام السابق برئيسه ورجاله ونسائه. قال «فتحي شهاب الدين» رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشوري ذي الأغلبية الإخوانية أن 90% من الصحفيين فاسدون، وقد غضب الصحفيون وعبروا عن سخط عميق علي التمثيلية الهزلية التي جرت في مجلس الشوري علي شكل محكمة تفتيش، وسميت ب «ضوابط اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية» وطالبت الصحفيين بأن يقدموا أوراقهم وسجلا بسيرتهم المهنية وعرف الصحفيون جيدا أن سبب كل هذا هو تطلع الإخوان المسلمين القابضين علي الأمور لأن يفرزوا الطيب من الخبيث بالنسبة لهم ويقبلوا أوراق اعتماد كل من يؤكد فروض السمع والطاعة والولاء لهم لتتحول الصحف القومية إلي فروع لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ويستكمل الإخوان المسلمون هيمنتهم علي مؤسسات صناعة الرأي التي وصف المرشد العام لهم كل العاملين فيها بأنهم «سحرة فرعون»، وأطلقت دوائرهم هجومها الضاري علي الصحافة والصحفيين. وكما يحدث عادة فقد وجدت هذه الحملة بعض أنصار لها في أوساط الصحفيين الذين اعتادوا الأكل علي كل الموائد، ومنافقة كل صاحب سلطة بحثا عن مكاسب شخصية شأنهم شأن كاسري الإضرابات في الحركة العمالية الذين طالما استأجرتهم قوي الظلم والطغيان والاستبداد لخيانة زملائهم ورفاقهم ومواصلة العمل بدلا منهم حتي يفشل إضراب الأغلبية. وقد رفضت غالبية كبيرة من الصحفيين هذه التمثيلية الهزلية ولم تقدم «أوراق اعتمادها» للجنة التي وصفهم رئيسها بأنهم فاسدون، واستمع الدكتور «أحمد فهمي» رئيس مجلس الشوري ما لا يرضيه في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلي للصحافة الذي يرأسه بحكم منصبه في مجلس الشوري، عبر الصحفيون والكتاب والمفكرون – وكلهم قامات كبيرة كما وصفهم فهمي – عبروا بأقسي الكلمات وأشدها وضوحا عن احتجاجهم علي توجه مجلس الشوري لما أسموه «بأخونة» الصحافة القومية وتسييسها علي مقاس الجماعة والحزب. وكانت المؤتمرات الأربعة التي عقدتها نقابة الصحفيين في الربع قرن الأخير وفي ظل سطوة نظام «مبارك» وحزبه قد قدمت مشروعات وبرامج وأفكارا لتطوير هذه المؤسسات العملاقة التي جري نهبها وإفسادها من قبل الكبار المرتبطين بالنظام والمحميين به، بينما دفعت غالبية الصحفيين ثمنا باهظا لرفضها المعلن أو الضمني لإلحاق الصحافة بالحكم، ورأت هذه الغالبية التي وصلت لحد التوافق علي الإضراب العام في جمعية عمومية حاشدة في العاشر من يونية سنة 1995 احتجاجا علي قانون اغتيال حرية الصحافة وحماية الفساد رأت أنه قد آن الأوان لا فحسب لإلغاء القوانين المقيدة لحرية الصحافة وإنما أيضا لكل القوانين المقيدة للحريات باعتبار أن تقييد حريات المواطنين هو تقييد بالضرورة لحرية الصحافة وأن تقييد حرية الصحافة ليس موجها فحسب ضد الصحفيين وإنما هو ضد المواطنين كافة. لم يتوقف نضال الصحفيين من أجل الحريات ومن أجل استقلال الصحافة منذ نشأة الصحافة في مصر في القرن التاسع عشر، وحتي في ظل حكم «جمال عبدالناصر» بعد ثورة يوليو 1952 وبينما كان هذا الحكم يحظي بتأييد شعبي واسع لتوجهاته التحررية الوطنية المعادية للاستعمار كافح صحفيون من أجل حرية الصحافة وحرية العمل السياسي ودفعوا ثمنا باهظا في ظل نظام كانوا يؤيدونه في العموم. وفي سياق نضالهم الآن لكي تصبح الصحافة القومية التي هي نظريا ملكا للشعب المصري قومية حقا لا قولا فقط يعرف الصحفيون المصريون أن لهم حلفاء أقوياء تشكلهم الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين الذين ينظمون صفوفهم الآن للدفاع عن حقوقهم ومن ضمنها حقهم في صحافة تعبر عنهم بصدق وتدافع عن حقوق كل التيارات والفئات والطبقات الاجتماعية وتعكس مصالحهم وبذلك لا تتحول إلي بوق لنظام أو رئيس أو حزب أو جماعة. وسوف تحتمي حرية الصحافة في هذه الحالة بحيوية الحركة الديمقراطية الناهضة التي تعبر عنها الآن الإضرابات والاحتجاجات المتوالية للعمال واليقظة التي تشهدها بعض النقابات المهنية حتي تلك التي سيطر الإخوان المسلمون علي مجالس إدارتها. ويدرك الصحفيون إلي حد كبير حجم التضحيات المطلوبة منهم وليس أدل علي ذلك من رفض عدد لا يستهان به من الصحفيين والصحفيات تقديم «الطلبات» إياها للجنة مجلس الشوري، وهم يعرفون معني ذلك جيدا إذ لن يكون لهم مكان في ركاب الحكم الجديد، وربما تشهد المرحلة القادمة موجة من الهجرة بين الصحفيين كما حدث في مطلع السبعينيات حين كان «السادات» يؤسس مشروع الثورة المضادة ضد ثورة 5 يوليو وقامت لجنة النظام في الاتحاد الاشتراكي بفصل عدد كبير من الصحفيين من عملهم فهاجر من هاجر وبقي من بقي. وفي الظروف الجديدة حيث اتسعت قاعدة الصحافة والإعلام بما لا يقاس سوف يبتكر الصحفيون آليات جديدة للمقاومة.