هل تأثرت بأسلوبه في التعامل مع قضيته؟ أم بطريقة السرد الدرامي للسيناريو والأحداث؟ أم بصدقه في التعبير عن جرح غائر تسبب في خسارة كبيرة للجميع، أم لقدرة مخرجه على اختيار ممثليه وإدارتهم وكأنهم لا يمثلون، وإنما يعيشون حياة حقيقية تأخذنا إلى عالم جمع بين كل التناقضات، أنه «وداعا چوليا» الفيلم السوداني الذي حقق نجاحا عالميا في مهرجانات عديدة اولها مهرجان ڤينيسيا الكبير والعريق، ليذكرنا بفيلم سبقه بأعوام قليلة وحقق مثله نجاحات كبيرة هو «ستموت في العشرين» للمخرج أمجد أبو العلا، أما «وداعا چوليا» فهو من تأليف وإخراج محمد كردوفاني، والذي يطرح فيه ببساطة وبراعة قصة امرأتين، مني وچوليا، الأولى تعتز باستقلالها الشخصي برغم زواجها، والثانية تبيع الخضار في الشارع لتعول ابنها، الأولى تسببت في قتل زوجها لزوج الثانية، ودفنه في صمت بسبب خطأها، والثانية لم تعرف أين اختفي زوجها.. وتحاول «مني» أن تصلح خطأها وشعورها بالذنب حين تجد «جوليا» تجلس في الشارع لتبيع الويكة، وتدرك أنها زوجة القتيل، فتشتري منها كل ما تحمله، ويدفعها الذنب إلى أن تعرض عليها العمل في المنزل، والإقامة مع طفلها، وهو ما وجدته جوليا فرصة جيدة لمن كانت في ظروفها. حين تتفتح الأزمات في بيت مني، يتحول الفيلم إلى بوتقة لعالمين، ومن خلال الحكي المستمر بينهما ندرك الكثير مما لا يقال، خاصة حين يتجاوز الحوار علاقة السيدة بالخادمة الى علاقة أكثر صدقا، فمني تستمع لحكايات چوليا عن حياتها وألمها من غياب زوجها الطويل وجهلها بمصيره، وحيرتها تجاه تربية طفلها، وتعليمه وهنا تعرض عليها التكفل بمصاريف مدرسة قريبة لا يوجد غيرها في هذه الضاحية البعيدة، أما چوليا، فتعرف أيضا ما لم تتخيله عن منى، خاصة علاقتها بزوجها أكرم المليئة بالمشاكل، بداية من مشكلة الإنجاب، الي رفضه عملها بالغناء أو التمثيل برغم موهبتها وممارستها للغناء، وسلوكه الحاد معها، لندرك عدم ارتياحه لوجود جوليا والابن لأسباب لا يقولها، ولكننا نعرفها من خلال صراعات ومعارك بين الشماليين والجنوبيين، والذين تنتمي إليهم جوليا بلونها الأسمر الفارق، والتي تلبي دعوة شاب جنوبي صادق ابنها وتطلب من منى مرافقتها، فتذهب مخفية وجهها، وتغني، ويعرفها الجميع، وتطلب الطلاق من الزوج، ويتحول الصراع الشخصي بينهما الى صراع أكبر، وأشمل حين يهبط علي المنطقة جماعة من الجنوبيين، ويصادق احدهم الابن، ويعجب بالأم التي ترفضه، فيسعي وراء قصتها، ويخبر الابن أن منى وزوجها هم من قتلوا أباه، فيثور مطالبا بالعدالة، لينتهي الفيلم بخروج چوليا من بيت منى، ومن المنطقة كلها، متجهة مع ابنها، وغيرهما من الجنوبيين الى مدينة أخرى، وحياة أخرى بلا تفرقة بسبب اللون أو أي سبب آخر، وتلعب عناصر التصوير والإضاءة هنا دورا مهما في إضفاء مسحة لونية حزينة علي الصورة في الفيلم تكمل اختيارات المخرج المبدع. لأماكن التصوير.. أما التمثيل فقد استطاعت بطلتا الفيلم «إيمان يوسف» في دور مني، و«سيراك ريان» في دور چوليا، أن تقدما كل ملاح الشخصية باقتدار، وكذلك الممثل نزار جمعة في دور أكرم، وان احتاج الدور لاهتمام أكبر من كاتب الفيلم هو ودور الابن في فيلم كبير ومهم وممتع أيضا برغم أنه يطرح قضية سياسية كبرى هي انفصال جنوب السودان عن شماله. لكن من باب الفن.