قام أول زعيم يساري في كولومبيا غوستافو بترو برحلة تاريخية إلى فنزويلا، متعهًدا بالوحدة الإقليمية على غرار النموذج المناهض للإمبريالية الذي قدمه سيمون بوليفار. في لقاء مع الرئيس نيكولاس مادورو، قال بترو إن انقسام وتفرق بلدان أمريكا الجنوبية هو بمثابة "انتحار" قومي، "لأننا نفس الأشخاص" في " دولة بوليفارية واحدة تاريخيًا". جاءت زيارة بترو التاريخية لفنزويلا في أول نوفمبر ليبدأ تطبيع العلاقات رسميًّا بين البلدين بعد سنوات من العداء تحت الحكم اليميني لكولومبيا. وعقب اجتماع مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وقع الزعيمان إعلانًا مشتركًا يتعهدان بتوحيد دول الجنوب الأمريكي. التقط الرئيسان صورًا رمزية أمام تمثال سيمون بوليفار، الجنرال الثوري الذي قاد انتفاضة مسلحة ناجحة ضد الاستعمار الإسباني وأسس العديد من الدول الحديثة في أمريكا الجنوبية. يأتي ذلك بعدما قطعت إدارة كولومبيا السابقة العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا في عام 2019، عندما بدأت الولاياتالمتحدة محاولة انقلاب ضد حكومة تشافيستا اليسارية المنتخبة ديمقراطيًّا في البلاد. منذ ذلك الوقت, كانت الحكومة اليمينية في بوجوتا هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية متورطة في محاولة الانقلاب على الرئيس مادورو. بترو هو أول رئيس كولومبي يسافر إلى كاراكاس منذ عام 2011، منذ انتخاب هوجو تشافيز رئيسًا لفنزويلا, لم يقم رئيس كولومبيا خوان مانويل سانتوس بلقاء تشافيز طوال عقد كامل لتصبح هذه الزيارة الرسمية الأولي من رئيس كولومبيا لرئيس فنزويلا. صرح مكتب بترو بأن أحد الأهداف الرئيسية للقاء هو "إنعاش اقتصاد المنطقة وإضفاء الطابع الاجتماعي على توجهاته لصالح مجتمعات أمريكا اللاتينية وحماية غابات الأمازون". ووصفت فنزويلا الزيارة التاريخية بأنها بداية "حقبة جديدة من التعاون", صرح مادورو:" نواصل اتخاذ خطوات جيدة نحو التكامل الإستراتيجي". وقع البلدان إعلانًا مشتركًا يتعهدان فيه بالتقدم "نحو الاتحاد والسلام في بلدينا، كما فعل محررونا في المسار التحرري الوطني". كتب مادورو وبترو أنهما "ننطلق من الإرث التاريخي للاتحاد وروح الأخوة التي ورثناها من المحرر الأب سيمون بوليفار، ونحن الآن جمهوريتان سياديتان جغرافيًّا وسياسيًّا، ولكنهما تاريخيًّا جزء من أمة بوليفارية واحدة". أكد الاتفاق أهمية العلاقات الاقتصادية بين دول الجوار, ودعت الوثيقة إلى التعاون في التجارة والنقل والإنتاج الزراعي, كما اقترحت أيضًا تنسيق جهود استكشاف التعدين. تشترك فنزويلاوكولومبيا في حدود ضخمة يبلغ طولها 2341 كيلومترا. أغلقت كولومبيا هذا المعبر في عام 2015, ثم تم فتحه مؤقتًا في عام 2016، ولكن سرعان تم إغلاقه لاحقًا مرة أخرى حتى وافقت حكومة بترو على إعادة فتحه في 26 سبتمبر من هذا العام. أعطى الإعلان المشترك الجديد الأولوية للتعاون الأمني على الحدود، من أجل "مكافحة الجريمة المنظمة". صرح بترو: "نحن هنا للبدء من جديد على طريق صعب، لكن يجب أن نسلكه, يبدأ هذا المسار بإعادة السيطرة على الحدود التي تقع تحت سيطرة المافيا". كما دعا بترو إلى إعادة دمج فنزويلا في المؤسسات الإقليمية, في الوقت الذي طالب فيه حكومة فنزويلا بالحوار مع المعارضة. في تصريحات صحفية حول الاجتماع التاريخي, انتقدت كاراكاس "السلوك التدخلي للإدارات الكولومبية اليمينية السابقة" و"هجومها على الحكومة الفنزويلية". كان سلف بترو، الرئيس اليميني السابق أيفان دوكي، أهم عناصر واشنطن الداعمة لمحاولة الانقلاب التي قادتها الولاياتالمتحدة ضد الحكومة اليسارية المنتخبة في فنزويلا. في عام 2019، اعترف دونالد ترامب بخوان جويدو, وهو شخصية معارضة غير معروفة, على أنه الرئيس المؤقت لفنزويلا, على الرغم من إنه لم يشارك أبدًا في أي منافسة رئاسية. وانضمت حكومة دوكي على الفور إلى مجموعة داعمي جويدو, لتدعم وترعى عصابته من مدبري الانقلاب، الذين تمركز أغلبهم في كولومبيا. كما مولت إدارة ترامب مجموعة من معسكرات التدريب في شمال كولومبيا، حيث أعد المتطرفون اليمينيون هجمات عبر الحدود ووضعوا خططًا لمحاولة الإطاحة بالرئيس مادورو, وكشف وزير دفاع ترامب مارك إسبر في مذكرات نشرها بعد تركه منصبه أن مسؤولين أمريكيين كبارًا ناقشوا في كثير من الأحيان شن ضربات عسكرية على فنزويلا. في مايو 2020، شن هؤلاء المرتزقة القادمون من كولومبيا غزوًا فاشلًا لفنزويلا، والمعروف باسم عملية جيدون. وقال كبار مدبري الانقلاب المشاركين في العملية إنهم حصلوا على دعم وكالة المخابرات المركزية وأجهزة المخابرات الكولومبية. حتى اليوم، تعترف إدارة جو بايدن من الناحية الفنية بجويدو كرئيس مفترض لفنزويلا, كما ظلت كولومبيا ترعى جويدو حتى فوز بيترو برئاستها. منذ توليه الرئاسة دفع بترو على الفور لتطبيع العلاقات مع فنزويلا. في 22 يونيو، اتصل الرئيس الكولومبي المنتخب آنذاك بمادورو لإبلاغه بأنه أعطى الأولوية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية في أقرب وقت ممكن. وبعد فترة وجيزة من دخوله منصبه في 7 أغسطس، انتقل بترو لإعادة فتح حدود كولومبيا مع فنزويلا. وفي سبتمبر، وافقت فنزويلا أيضًا على المساعدة في التوسط في محادثات السلام بين الميليشيات الاشتراكية المسلحة, جيش التحرير الوطني في كولومبيا والحكومة الكولومبية. ووقع الطرفان اتفاقًا رسميًّا لبدء العملية الدبلوماسية في كاراكاس في أكتوبر. وكانت فنزويلا قد لعبت في السابق دورًا مماثًلا في المشاركة في رعاية محادثات السلام الناجحة بين الحكومة الكولومبية وميليشيا اشتراكية مسلحة أخرى, المعروفة باسم "فارك". ومن جانبها, دعت الولاياتالمتحدةكولومبيا للحفاظ على "المعايير الديمقراطية", وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس للصحفيين" لقد طالبنا كولومبيا بمواصلة العمل مع شركائها في المحافل المتعددة الأطراف للدعوة إلى منطقة ديمقراطية ومستقرة، ومحاسبة الحكومات التي انتهكت الحقوق الديمقراطية والمعايير الديمقراطية". ولم يصل تصريحه إلى حد انتقاد الخطوة التي اتخذها الرئيس الكولومبي جوستافو بترو، الذي أدى اليمين كأول زعيم يساري لا يحظى بعلاقات سيئة مع الولاياتالمتحدة في أغسطس، ثم أشاد باستقبال البلاد لمليوني لاجئ فنزويلي. وقال برايس إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في محادثات مع بترو في بوجوتا الشهر الماضي، "ناقش السبل التي يمكننا من خلالها العمل مع كولومبيا لمحاسبة نظام مادورو". كما دعا برايس مادورو إلى التعامل مع المعارضة, وقال إن العقوبات الأمريكية ستظل سارية, "موقفنا لن يتغير حتى نرى تقدمًا بشأن حقوق الشعب الفنزويلي". تأتي هذه الزيارة الهامة لتنهي العزلة المفروضة على فنزويلا, بعد أن استأنفت بوليفيا العلاقات الطبيعية مع فنزويلا بعد انتخاب القائد اليساري لويس آرسي في عام 2020. وفعلت بيرو نفس الشيء في العام الماضي بعد انتخاب بيدرو كاستيلو اليساري أيضًا. وفي وقت سابق من هذا العام، قال رئيس الأرجنتين ألبرتو فيرناندز إنه سيفعل شيئًا مشابهًا. وأصبح من المتوقع الآن, بعد أن نجح لولا دا سيلفا في السباق نحو رئاسة البرازيل, أن يعيد دا سيلفا العلاقات بين البرازيلوفنزويلا بعد اضطراب دام طوال فترة رئاسة بولسونارو, لتنتهي حقبة العزلة الفنزويلية التي فرضتها الولاياتالمتحدة مستعينة بسلاح العقوبات وحلفائها من القوى اليمينية المتطرفة في القارة الجنوبية. علق السيد جويدو, المعارض الفنزويلي الذي تعتبره الولاياتالمتحدة رئيسًا شرعيًّا للبلاد حتى الآن, قال جويدو إن الرئيس الكولومبي الجديد يجب أن يبتعد عن أن "يكون شريكًا في انتهاك حقوق الإنسان", لكن على صعيد آخر, علق ستالين جونزياليز, القيادي المعارض للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والذي يقود فصيلًا معارضًا تتبناه الولاياتالمتحدة كذلك, أن المجتمع الدولي استنفز كافة أوجه إستراتيجية العزلة ضد فنزويلا, مضيفًا إنه لم يتبق سوى الحوار، وينبغي للمعارضة الفنزويلية أن تتبنى محاولات اليسار الجديد في أمريكا الجنوبية لجلب مادورو إلى طاولة المفاوضات". مارك مجدي