ملاحظات وقراءة في المؤشرات ا لتي أدلى بها رئيس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي اليوم في افتتاح المؤتمر الاقتصادي بقلم دكتور نور ندا *استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأستاذ الزائر بجامعة موسكو للتمويل تحدث معالي رئيس وزراء مصر اليوم في المؤتمر الاقتصادي الذي دعي اليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مستخدما عشرة مؤشرات يرى من وجهة نظره أنها ذات أهمية، وأرى أنه ومن داخل المعسكر الوطني الداعم للدولة الوطنية المصرية لابد من تناول هذه المؤشرات بالتحليل لما تحتويه من دلالات مهمة عند صياغة خطة وطنية للتنمية الأقتصادية والاجتماعية. المؤشر الأول: «تحديات الاقتصاد المصري أساسها اختلال التوازن في الحجم المتزايد للسكان، والذي لم تقابله زيادة مماثلة في الموارد الاقتصادية». والحقيقة أن زيادة السكان معادلة ذات جانبين تعكس كيف تنظر أدارة الدولة اليها، فهل هي مورد من الموارد الأقتصادية يحقق قيمة مضافة وموارد حقيقية للدولة المصرية ويتطلب التوظيف الكامل ضمن خطط وطنية للتنمية الأقتصادية تشمل خطط للتعليم والتدريب والتوظيف والعلاج والإنتاج الزراعي والصناعي والتصدير، أم أن أدارة الدولة تنظر الي هذه الزيادة السكانية كعبأ ومصدر للأنفاق وهدر لموارد الدولة. تجارب دول العالم ذات الكثافة السكانية الضخمة تشير الى مكانة اقتصادية متميزة للصين والهند رغم وجود تعداد وطني يتجاوز المليار نسمة لكلا منهم. أذن مشكلة الزيادة السكانية في الإدارة السياسية والاقتصادية وليست في أعداد وحجم ومعدلات الزيادة. المؤشر الثاني: وهو «الناتج المحلي لا يفي بالاحتياجات المتزايدة للمواطنين، مما يتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج»، وأرجع رئيس الوزراء ذلك الى ضرورة أن ينمو الإنتاج والاقتصاد الوطني بمعدلات أسرع لكي يتوافق مع الزيادة السكانية، إلا أنه نتيجة للظروف التي مرت بها الدولة وعدم توفير الاستثمارات الكافية لكي ينمو اقتصادنا كانت النتيجة أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي على مدار 20 سنة حوالي 4.4%. وفى تقديري ان ذلك يرجع الى غياب الرؤية الاستراتيجية للدولة المصرية الى جانب تخبط حزمة السياسات الأقتصادية الخاطئة التي أتبعتها الدولة خلال الخمسين سنة الماضية. المؤشر الثالث: وهو تلبية وإشباع احتياجات المواطنين، والتي تعد الهدف النهائي للجهد التنموي، ونتيجة للظروف الاقتصادية وضعف الاستثمارات في تلك الفترة، كان متوسط نصيب الفرد من الناتج، على مدار 20 سنة، تبلغ نحو 1360 دولارًا، بينما في الدول المثيلة كان يمثل حوالي 1800 دولارًا. وفى تقديري أن هناك فرق كبير بين النمو الاقتصادي الذي يتكلم عنه ويهتم به السيد رئيس الوزراء والذي يهتم فقط بأرقام الزيادة في الدخل القومي دون الاهتمام بالعدالة الاجتماعية وكيفية توزيع هذا الدخل بين المواطنين، ولذلك ثار الشعب المصري في 25 يناير 2011 ضد نظام حسنى مبارك وأسقطه رغم تحقيق هذا النظام لمعدلات نمو اقتصادي مرتفعة. أما التنمية الأقتصادية التي يطالب بها الشعب المصري فهي تضيف هدف عدالة توزيع العائد بما يحقق العدالة والاستقرار الاجتماعي. المؤشر الرابع: فهو عجز القطاعات الاقتصادية عن توفير فرص عمل، نتيجة أن الدولة لم تستطع توفير نصف مليون فرصة عمل جديدة سنويًا كما كان مُستهدفا؛ وبالتالي كان متوسط معدل البطالة وصل إلى نحو 9.6 أو 10% خلال تلك الفترة. وفى تقديري أن هذا المؤشر يعكس نتائج الأداء العشوائي وعدم التخطيط والفوضى التي سادت سياسات السداح مداح (الانفتاح الاقتصادي) منذ عام 1974. المؤشر الخامس: فهو ضعف الاستثمارات الكلية التي كانت تستهدفها الدولة المصرية، ونتيجة تلك الظروف استمرت الأوضاع التي رصدها المؤتمر الأقتصادى 1982 بصورة أو بأخرى حتى عام 2011، وتفاقمت مشاكل خدمة الصرف الصحي ومشكلة التكدس المروري، وانقطاع الكهرباء، وأسطوانات البوتاجاز، ونقص الخبز والوقود، وظاهرة العشوائيات التي استفحلت في تلك الفترة. وفى تقديري أن هذا الضعف في حجم الاستثمارات يعود أولا : الى فشل الدولة في تعبئة المدخرات الوطنية والتي تتجاوز الآن 4 ترليون جنيه مصري كمدخرات في الأوعية البنكية الرسمية ، ويبدو أن المجتمع المصري يمتلك أكثر من ذلك والدليل ظاهرة المستريح التي تظهر باستمرار بمحافظات الجمهورية من أسوان الى إسكندرية .ثانيا : عدم الاهتمام والفشل في تطوير مناخ الاستثمار والذى أصبح معيق و طارد للاستثمار بدلا من أن يكون جاذبا وداعما لها ، الى جانب الإتاوات ومعدلات ونسب الفساد المرتفعة والتي تنشرها دائما منظمات مكافحة الفساد العالمية . المؤشر السادس: ضعف استثمارات القطاع الصناعي، حيث تراجع نصيب قطاع الصناعة من الاستثمارات المنفذة من 22% إلى 10%. وبالطبع هذا مؤشر خطير ومستمر ويصاحبه عمليات مازالت تقوم بها أجهزت الدولة الآن من تصفية وبيع وخصخصة للقلاع الصناعية المصرية المهمة على سبيل المثال وليس الحصر مجمع الحديد والصلب ومجمع الألمونيوم المؤشر السابع: أن الإسكان الشعبي لم يحظ بنصيبه من الاهتمام، وبالتالي تبنت الدولة بعض البرامج للإسكان القومي، ولكن رغم ذلك ظل حجم الإسكان المنتج لا يكفي لتلبية الاحتياجات، وهو ما أدى إلى استمرار مشكلة المناطق غير الآمنة والعشوائية غير المخططة، والتي أصبحت تمثل ما بين 50 إلى 60% في المدن، بالإضافة إلى إشكالية التعدي على الأراضي الزراعية التي فقدت الدولة نتيجتها عشرات الآلاف من الأفدنة. وقى تقديري كأن رئيس الوزراء ينتقد أداء حكومته والحكومات التي كانت من قبله. وما يتحدث عنه يعكس غياب الرقابة وعدم تحمل الدولة لمسئوليتها في توفير سكن ملائم للمصريين وطبيعة إجراءات الدولة الرخوة الضعيفة التي تتناسب ويطالب بها رجال الأعمال المعاصرين و الذين يفضلون أن يمارسوا نشاطهم خارج القانون وهم الأن مسيطرون على المشهد السياسي والاقتصادي المصري الآن. المؤشر الثامن: وأوضح سيادته أن مصر ستحتاج إلى خطة استصلاح أراضي زراعية لا تقل سنويًا عن 150 ألف فدان، وأوضح أن الدولة قامت بجهد كبير في هذا الوقت، لكن لم تستطع استصلاح سوى 77 ألف فدان فقط كمتوسط. وهذا يعكس غياب التخطيط الاقتصادي الشامل للدولة الوطنية المصرية وعدم توفير مناخ وبيئة مناسبة لنمو الاستثمارات الزراعية، الى جانب الربط الخاطئ بين التخطيط والنظم الاشتراكية رغم أن أعتى الدول الرأسمالية تطبق مفهوم التخطيط بما فيها إنجلترا وفرنسا وألمانيا. المؤشر التاسع: انخفاض مستوى الخدمات الاجتماعية (التعليم – الصحة – الرياضة – الثقافة)، وأشار رئيس الوزراء إلى أن تقرير منظمة الصحة العالمية، الصادر عام 2015، يشير الى أن مصر لديها أعلى معدل من الإصابة بفيروس «سي»، حيث يقدر أن 14.7% من السكان يحملون الفيروس، بالإضافة إلى ما يصل إلى 10 آلاف إصابة جديدة تحدث كل عام. ويتجاهل رئيس الوزراء أن موازنات حكوماته المتتالية لم تلتزم بنسب الأنفاق التي يقررها الدستور المصري وأن ما ينفق على هذه القطاعات كنسبة من حجم الناتج القومي الإجمالي لا يصل الى 50% من النسب التى أقرها الدستور المصري. المؤشر العاشر والأخير: انخفاض الإنفاق الاستثماري، والتركيز على الإنفاق الاستهلاكي، واتجهت النسبة الأكبر من الموازنة إلى تغطية الأجور والمعاشات والدعم، ولكن الإنفاق الاستثماري الذي يقود نمو الدولة كان منخفضًا، بالإضافة إلى ضعف القدرة الإنتاجية للقطاع الصناعي، وكذلك ضعف القدرة على توفير فرص العمل المطلوبة. وأن الظروف الاقتصادية في مصر كانت تفرض على الحكومات تتبني «الحلول الشبيهة بالمسكنات» وتطرق رئيس الوزراء بعد ذلك إلى ثورات 2011 و2013 ودورهما السلبى في التأثير على الأداء الاقتصادي المصري، ومنذ عام 2011 عانت مصر لعدد من السنوات من النمو المنخفض وارتفاع معدلات البطالة وتفاقمت هذه المشكلات بسبب العجز المالي الكبير والدين العام المتزايد والهشاشة الخارجية. الغريب أن رئيس الوزراء يقدم مؤشراته وكأنه متابع محايد من الخارج، وليس كرئيس وزراء مسئول يتولى منصب رئيس الوزراء ومن قبلها كان وزيرا بالوزارة منذ زمن طويل نسبيا، ويمارس رئيس الوزراء عملية جلد للذات الوطنية ويحمل الخسائر والتردي الاقتصادي لثورات الشعب المصري التي ثارت ضد سياسات نظام سياسي فاشل في أدارة دولة بحجم وإمكانيات ودور مصر.