أخطأ الصيدلي في تركيب الدواء الذي أخذته الطفلة لأبيها، وبدأ اتصالاته مع مساعده للوصول للأب قبل أن يأخذ الدواء، ويموت . ومن الاتصال التليفوني بالطبيب المعالج الذي كتب الروشتة تبدأ رحلة طويلة تساوي تقريبا زمن هذا الفيلم الروائي الطويل الذي استعدت رؤيته بشغف وأنا أعرف أحداثه جيدا .«حياة أو موت» فيلم قوي ومهم ليس لأنه قدم رؤية مهمة لنا كمجتمع وسلوك، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن تقريبا «أنتج عام 1954» وليس لأنه عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي، وحصل علي جائزة الدولة عام 1955، وانما لأنك حين تراه وتتابع أحداثه التي تدور في القاهرة، وشوارعها وملامح أجزاء مهمة فيها مثل العتبة وميدان التحرير تكتشف أنه وضع يده علي الكثير من الأمور التي ما زالت مستمرة في حياتنا، وأن الصور التي رأيناها لم تختف برغم الزمن والتطور ولكن الملامح الأساسية ما زالت كما هي في الشارع والحارة وحركة الناس والسلوكيات، كل هذا من خلال رحلة بطلة الفيلم الطفلة ضحي للذهاب إلى ميدان العتبة وركوبها التروماي القديم، ثم السير في الشوارع المزدحمة، والجري للعبور بين السيارات، وطيبة قلب البعض منا والرأفة بطفولتها كما فعل شاب أخذها وراءه على دراجته إلى مكان الترام، وتعترف للكمساري انها لا تملك نقودا فيترفق بها ولا ينزلها، وكذلك الصيدلي «حسين رياض» يتنازل عن قرش من 25 قرشا هي ثمن زجاجة الأب، وفي هذا الزحام الذي عشناه مع الفيلم وبطلته الطفلة التي تأخذ الدواء من الصيدلي لتبدأ رحلة العودة لابيها من ميدان العتبة والصيدلية الوحيدة المفتوحة في المدينة في يوم ليلة عيد الأضحي، وحيث تصبح الرحلة، بداية من «مصر العتيقة»، حيث بيت الأسرة، شاقة وطويلة بالنسبة لطفلة مثلها، وكذلك رحلة العودة إلى البيت، وإغاثة الأب المريض أحمد إبراهيم «عماد حمدي» الموظف الذي أستغنوا عن خدماته قبل العيد بيومين، وأجل رئيسه صرف مكافأة نهاية الخدمة لما بعد العيد، فاضطر الرجل لبيع ساعة يده لشراء فستان العيد لضحي الصغيرة التي سألته أيضًا عن الخروف ! هذا الدواء فيه سم قاتل حين يكون كاتب الفيلم ومخرجه مبدعين ومؤمنين بأهمية الفن في دعم الحياة تتفتح لديهما الكثير من الأفكار والحيل داخل السيناريو، وهو ما فعله كاتب السيناريو والحوار علي الزرقاني، والمخرج كمال الشيخ كاتب القصة أيضا، فنحن نبدأ الفيلم مع عماد حمدي وهو يتلقي خبر الاستغناء عنه من مديره، وتأثير هذا علي ملامحه وغضبه ممن اشتري منه الساعة وخصم جنيها من أربعة كدين قديم، باختصار نرى حال الموظفين وقتها في بداية الخمسينيات من حالة البطل الذي يشعر بالقهر فيرفض اقتراح زوجته «مديحة يسري» بقضاء العيد مع أبيها وأمها، فتغضب وتترك المنزل ومعها الطفلة التي تقرر بعدها البقاء مع أبيها، وبعدها تفاجأ بأزمته الصحية التي اعتادتها، وتذهب لإحضار الدواء، مجموعة مشاهد سريعة تبدو كمفتاح ضروري لرحلة الصغيرة الي العالم الحقيقي للحياة وكأن بيت الاب مجرد وصلة بين الفيلم وبيننا الي واقع حياة الموظفين وقتها، الناس والشوارع والزحام واساليب البيع والحركة والمواصلات في هذا الزمن «وبألوان الحياة التي اختارها المخرج الابيض، والأسود» ونعرف من الحوار أيضا بعد حصول «ضحي» علي الدواء الخاطئ وتركها للصيدلية ان الوصول اليها صعب في بلد يصل عدد سكانه الي مليونين وربع !، ، وهو ما يضعنا كمشاهدين في حالة أكثر انتباها ما بين هذا العدد، وعددنا الآن الذي تجاوز المائة مليون، غير ان تتابع الاحداث والمشاهد بعدها، وقيادة الصيدلي لحركة البحث عنها، وذهابه لقسم الشرطة، وخروجه إلى مقر القيادة «الحكمدارية» التي قد تعادل وزارة الداخلية الآن، وإصراره على لقاء حكمدار العاصمة «وهنا يظهر يوسف وهبي صاحب الاسم الاول في تيترات الفيلم» وهنا يدرك الحكمدار أهمية شكوي الصيدلي بعد ان يسمعه جيدا، ويتحول رجال الأمن الي باحثين عن طفلة بفيونكة في شعرها ومعها زجاجة دواء، وبإيقاع سريع ومدهش نرى الفتيات الصغيرات وهن في اقسام الشرطة، ثم الافراج عنهن وتفاصيل كثيرة عن البيت والحي والانتقال واسم الاب الذي تقاطع مع اسم مجرم هارب تبحث عنه الشرطة، والتحول الأكبر للقضية مع اللجوء لوسائل الاعلام، اي الاذاعة أيامها، بناء علي اوامر الحكمدار، لتذيع بيانا موجها إلى الاب، «الي السيد احمد ابراهيم، لا تأخذ الدواء الذي ارسلت ابنتك لشرائه، الدواء فيه سم قاتل» وهنا فقط يعرف الكل بالحكاية، وان الدواء سيقتل الاب بدلا من ان يشفيه، وتسمع الام هذا في بيت ابيها فتجري بجنون لإنقاذ زوجها، أنه نفس ما حدث بعدها مع ظهور التليفزيون، والان اصبحت المواقع الالكترونية اسرع من يخبرنا بما حدث ويحدث، ولكن، هل هذا هو التغيير الذي نريده ؟ إنه السؤال الذي يتركه الفيلم لنا في النهاية ومعه علامات استفهام عديدة.