فيلم "حياة أو موت" بطولة الفنان القدير يوسف وهبى، وعماد حمدى، ومديحة يسرى صاحب النداء الشهير من حكمدار بوليس العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس.. لا تشرب الدواء الذى أرسلت ابنتك لشرائه، الدواء فيه سم قاتل، عند سماعك هذه النشرة بلغ الحكمدارية وعلى كل من يعرف أحمد إبراهيم المذكور المبادرة بتحذيره إن كان قريبًا منه أو إخطار الحكمدارية فورًا ". انتفض الدكتور صاحب الصيدلية الذى قام بتركيب الدواء بنسب خاطئة مما يجعله بمثابة سم قاتل لمن يتناوله، وقد أدرك الخطأ بعد أن غادرت تلك الطفلة التى اشترت هذا الدواء لأبيها، فبحث عن عنوان هذا المريض الذى سيموت جراء تناول هذا الدواء على الفور، ولم يتمكن من الحصول عليه فجرى على حكمدار البوليس ليبلغه بالحادث مترجيًا ومتوسلاً بالبحث عن هذه الفتاة علها تكون لم تصل إلى البيت حتى الآن، فترك حكمدار البوليس مشغولياته وأبلغ جميع الدوريات بالبحث عن الفتاة التى تحمل زجاجة الدواء، وطلب من الإذاعة المصرية بأن تقطع وصلاتها وأن تنادى بهذا النداء الشهير لعله يصل إلى أحمد إبراهيم، وانطلق فى الشوارع مع الدوريات للبحث عن الفتاة إلى أن وصل إلى أحمد إبراهيم وأنقذه من شرب الدواء، وانتهى الفيلم بجملة يوسف وهبى الرائعة لمديحة يسرى "واجبنا يا هانم السهر على خدمة الجمهور". كان هذا مشهد من مصر التى كانت جميلة، مصر التى سمعنا عنها من أجدادنا وآباءنا، مصر التى نأملها. لا أعتقد أن هذا الفيلم سيكون واقعى إن تم إنتاجه فى عصرنا هذا، فلن يُصدق الجمهور هذه الأحداث. فلم تكن على أيام هذا الفيلم الجميل وسيلة إعلام سوى دار الإذاعة المصرية، ومع ذلك استغله حكمدار العاصمة أفضل استغلال، ومثل لأوامره مدير الإذاعة لإنقاذ روح شخص لا يعرفونه. فى عصرنا هذا، وبالرغم من تعدد وسائل الاتصال والشبكات والتكنولوجيا، قد لا أكون مبالغًا أو مُحبَطًا إن تخيلت أن الصيدلى نفسه من البداية لن يتعب نفسه بالبحث عن هذا الرجل الذى سيشرب الدواء، بل غالبًا ما سيبرر الموقف بأن هذه الطفلة لم تترك رقم تليفونها المحمول حينما كانت فى الصيدلية! كما أنه غالبًا ما سيكفى على الخبر مأجور حتى إذا توفى هذا الرجل فلا تقع أى مسئولية عليه، أما إذا كان رجل شهم وذهب إلى القسم أو مديرية الأمن فغالبًا ما سيتم حبسه مقدمًا انتظارًا لخبر وفاة الرجل وتوفيرًا لمجهود البحث عنه عندما يموت المواطن. قد يتغير الحكام، وتتغير الظروف الاقتصادية والسياسية، فتصعد وتنحدر، وتعلو وتهوى، ولكن كل هذا يمكن تغييره بسرعة، باحتلال أو ثورات أو أى وسيلة، إنما الطامة الكبرى فى الأخلاق والضمير، فيحتاجان إلى عقود طويلة حتى يطيبا ويعودا كما كانا.