(عند إعلان رحيل رئيس فنزويلا هوجو شافيز، في مارس 2013 كتبت هذا المقال على حسابي الخاص بالفيسبوك، أظن أن المقال مازال صالحاً للنشر والقراءة، وقد أضفت العنوان سطراً واحدًا للعنوان .. يشير إلى مرور 9 سنوات على رحيله.) سيظل شافيز شخصية مربكة لليساريين بأطيافهم وتياراتهم المختلفة .. وهو ككل زعيم أو قائد يخضع للتقييم الموضوعي وغير الموضوعي انطلاقاً من الزاوية التي ينطلق التقييم منها .. لكن تبقى أهمية زعيم شعبوي (أو شعبي) مثل شافيز ولولا دي سيلفا وموراليس والدكتورة ميشيل وغيرهم من زعماء أمريكا الجنوبية أنهم جاءوا بعد زمن طويل من توقف المد اليساري في العالم .. بل وجاءوا في زمن تراجع اليسار وانهيار الصورة الذهنية عن الاشتراكية بعد انهيار التجربة السوفيتية وكل تجارب بناء الاشتراكية في القرن العشرين .. بل وجاءوا في زمن تشكك اليسار العالمي في التجارب الاشتراكية .. وفي إمكانية عودة الفكرة الاشتراكية إلى رونقها الذي كان موجوداً في النصف الأول من القرن العشرين .. وفي زمن سيطرة الجناح النيوليبرالي المحافظ على الرأسمالية العالمية .. أي في زمن العولمة الرأسمالية النيوليبرالية في المراكز .. وفي زمن سيادة الأنظمة شبه الرأسمالية المتأخرة والتابعة في الأطراف .. وأكثر من ذلك جاءوا في زمن عودة الحروب العدوانية الإمبريالية لإعادة رسم الخرائط في العالم .. في زمن الحروب العدوانية ضد يوغوسلافيا وتفكيكها .. والحروب العدوانية ضد أفغانستان والعراق تحت شعارات محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية .. وفي زمن يتم فيه القصف الإمبريالي تحت غطاء فكري جديد يتحدث عن نهاية الأيديولوجيا ونهاية الصراع الطبقي ونهاية الثورات ونهاية التاريخ .. في هذا الزمان جاء شافيز ورفاقه في أمريكا اللاتينية .. بعد مرور زمن طويل على توقف ظهور زعامات تاريخية مثل كاسترو وجيفارا و سلفادور الليندي وتجربته المأساوية في شيلي .. وزمن أطول على ظهور زعامات وطنية مثل عبد الناصر ونهرو وتيتو وسوكارنو .. أي بعد زمن من توقف الحديث عن الثورات الوطنية وتوقف الحديث عن حتمية الثورات الاشتراكية .. في هذا الزمن الانتقالي الراكد المهيمن عليه من الإمبريالية جاء شافيز ورفاقه في أمريكا اللاتينية .. جاءوا محملين بمشاريع وطنية شعبوية اشتراكية أقرب لما نسميه بثورات الديموقراطية الشعبية .. أو الثورات الوطنية ذات الأبعاد الاجتماعية .. أو ثورات قطع الروابط مع الهيمنة الرأسمالية .. وهي ثورات لا يمكنها أن تقفز على إطارها التاريخي .. ولا تستطيع أن تقفز على قواها الطبقية والاجتماعية .. إنها ثورات الحلم بالتحرر من التبعية والتحرر من الرأسمالية وبناء مجتمعات العدل الاجتماعي والمشاركة الشعبية .. في إطار من الأحلام الوطنية النبيلة على طريق الاشتراكية .. إن القيمة الحقيقية لشافيز ورفاقه من الزعماء اليساريين من أمريكا الجنوبية أنهم في زمانهم الصعب كانوا كتيبة وطنية يسارية متقدمة في وجه المد الرجعي الرأسمالي في طبعته المحافظة العدوانية النيوليبرالية .. وأنهم تقدموا الصفوف في زمن هزيمة الاشتراكية فَأعادوا لشعوبهم ولنا إمكانية الحلم بالانتصار وإقامة العدل الاجتماعي والاشتراكية .. لقد أعاد شافيز ورفاقه بتجاربهم الشعبية الاعتبار لكل المسائل المهمة التي كانت قد تدهورت سمعتها بعد انهيار التجَارب الاشتراكية .. تبقى مسألة أخرى لا يجب تجاهلها .. وهي مسألة تقع في المنتصف بين مسألة دور الفرد في التاريخ ومسألة أنه لا الفرد ولا الطبقة ولا الشعب يمكنه القفز بتجربته أو بدوره على الشروط الموضوعية والذاتية التي تضع الحدود الصارمة لكل تجربة بشرية ولكل تجربة اجتماعية .. إن بناء الاشتراكية وقبلها الثورة الاشتراكية ليست مجرد رغبة لفرد أو مجموعة أفراد أو حزب خارج الإطار التاريخي أو الإطار الإقليمي والدولي .. وبصفة خاصة خارج مستوى التطور الاجتماعي .. فهل يمكن النظر إلى شافيز ورفاقه من قادة الثورات الشعبية الأمريكية الجنوبية في هذا الإطار؟ وهل يمكن ساعتها أن نرى أي دور إيجابي لعبه شافيز .. وأي زعيم شجاع كانه هذا الجنوبي البوليفاري حفيد سيمون بوليفار وتشي جيفارا وفيدل كاسترو؟