وتأتي الذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو، ويظل معها حزب التجمع قابضًا على الجمر، يواصل دوره النضالي من خلال معادلة سياسية صعبة وشديدة التعقيد، يتساءل معها الأصدقاء قبل الخصوم .. كيف تمارسون دوركم كحزب معارض، وفي الوقت نفسه لا تخفون تأييدكم الواضح للنظام الحاكم الآن؟ وقبل الإجابة عن السؤال، يستلزم الأمر أن نشير إلى ما سجله التاريخ لحزب التجمع عن دوره المهم والرئيس في إطلاق الشرارة الأولى للثورة ضد جماعة الإخوان الإرهابية، وقبل مرور شهرين فقط من سطوها على الحكم. في 24 أغسطس عام 2012 استلهم "التجمع" تراثه الفكري والنضالي ودق المسمار الأول في نعش الجماعة، وخرج فى هذا اليوم بأول مظاهرة رافضة لحكم الإخوان، وسمع المصريون لأول مرة هتاف: "يسقط.. يسقط حكم المرشد". وتعرَّض الحزب لهجوم عنيف من قادة الجماعة الإرهابية، وكان ذلك طبيعياً ويتفق مع المنطق بحكم الاختلاف الجذري بين حزب تقدمي وجماعة إرهابية تتستر. بالدين، ولكن من غير الطبيعي أن يتعرض «التجمع» وقتها لهجوم أشد عنفاً من قادة أحزاب مدنية وليبرالية، والمثير للدهشة أن أحزاباً وقيادات كانت محسوبة حتى ذلك الوقت -وقت وصول الإخوان للحكم- على تيار اليسار شاركت أولئك وهؤلاء فى الهجوم على "بيت اليسار المصري". حزب التجمع لم يكن مراقبا لثورة 30 يونيو، لكنه تقدم الصفوف مشاركا بقياداته وأعضائه في كل المحافظات، مؤمنين بقدرة الشعب المصري على قطع طريق مخطط إقامة سلطة الدولة الدينية الإخوانية الطائفية في مصر، وإنقاذ المنطقة العربية بإجهاض مشروع الشرق الأوسط الكبير. والإجابة عن السؤال المطروح تقتضي أولا الإشارة إلى وعي حزب للتجمع بطبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الآن محددا سماتها وتحدياتها وتناقضاتها، ويدرك تماما أن خطر جماعات العنف والتطرف والإرهاب الطائفي الإخواني والداعشي مازال يسعى للعودة مستهدفا هدم الدولة الوطنية وتمزيق المجتمع المصري – والمجتمعات العربية – إلى دويلات طائفية وعرقية متصارعة قائمة، ومشروع الشرق الأوسط الكبير ظل حاضرًا وخرائطه جاهزة للتنفيذ. ويرى "التجمع" رأي العين تحالفا غير معلن بين جماعات الفساد والطفيلية ورأسمالية المحاسيب الذين كانوا مهيمنين على السلطة قبل ثورة 25 يناير، وجماعات الإرهاب والتأسلم، حلف يسعى دون ملل لاستمرار سياسات النظام القديم، وهو ما يؤكد أن المرحلة التي نمر بها مازالت محملة بصراع مفتوح لم يتم حسمه حتى اللحظة الراهنة بين حلفين اجتماعيين وتوجهين اقتصاديين، حلف يمثل قوى الرأسمالية الطفيلية والتبعية والطائفية والفساد، وحلف آخر يمثل قوى الرأسمالية المنتجة والاستقلال الوطني والمواطنة والعدالة الاجتماعية، وهذا الصراع تتجسد صوره المتنوعة في كل من المجتمع والسلطة، وتظهر في التوجهات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، كما نرصد أيضا أن هذه المرحلة في مصر – وفي البلاد العربية – محملة بصراع ثقافي معقد بين الحداثة والتخلف، بين التقدم نحو المستقبل والقفز نحو الماضي البعيد، بين قوى وتيارات الحداثة والعلم والعقلانية والمدنية، والقوى والتيارات السياسية والاجتماعية المحملة بثقافات القرون الوسطى. وفي الذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو مازال "التجمع" متمسكا بمنهجه السياسي، فهو لا يعارض أشخاصاً لكنه يعارض أو يدعم سياسات محددة، ويقف ضد أو يرفض سياسات محددة، وفي كل الأحوال لا يتخذ موقف المعارضة للمعارضة، ولا يتخذ مواقف متعجلة، أو احتكار الوطنية، ولا يتباهى بالشعار، بل يتباهى بالسعي لدراسة القضايا المطروحة، ويطرح البدائل، ويتخذ الموقف السياسي على أسس سياسية علمية وموضوعية ووطنية، لا تنحاز إلا لمصلحة الوطن ومستقبله، ومصالح وحقوق الفئات والطبقات والقوى الشعبية والمنتجة. وموقفنا المؤيد للنظام لا يكبلنا في التعامل بأفق واسع مع كل السياسات رفضًا أو تأييدًا، ويحكمنا في كل لحظة ما نراه من تحديات قائمة ولم ننته منها بعد يتصدرها تحدي الحفاظ على سلامة ووحدة الدولة الوطنية، ومواجهة مخاطر هدمها وتفتيتها أو دمجها والهيمنة عليها من كيانات استعمارية إقليمية ودولية، وكذلك تحدي الحفاظ على سلامة ووحدة الشعب المصري، ومواجهة مخاطر تفكيكه ودفعه دفعًا لصراعات طائفية وعرقية، وتحدي التطرف والإرهاب باسم الدين، وتحويل حدود البلاد إلى ساحات للحروب وتهديد الأمن القومي. حزبنا مازال متمسكا بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، وتنمية وتعظيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للفئات والطبقات الشعبية والوسطى والمنتجة، ويسعى لتسييد قيم العقلانية والتفكير العلمي، في ظل سيادة منظومات وقيم وثقافات تمجد الخرافة والعشوائية والطائفية. مع احتفالنا بثورة 30 يونيو نؤكد للشعب المصري مواصلة نضالنا دفاعًا عن حقه في أن يحيا حياة كريمة في وطن آمن، وسلاما لأرواح من سلمونا راية حزبنا خفاقة وإنا على العهد سائرون.