رحل رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق "بنيامين نتنياهو" رسمياً، لكنه فعلياً مازال يسعى لإفشال الائتلاف الحكومى الجديد بزعامة "نفتالى بينيت ويائير لابيد"، وشراكة رئيس القائمة العربية " منصور عباس". هذا الائتلاف الذى تشّكل بداية الشهر الجارى، وينتظر الموافقة الرسمية من الكنيسيت، وحلف اليمين والبدء فى مباشرة أعمال الحكومة، خلفاً لنتنياهو، حيث استطاع "لبيد" الاعلان عن اتفاق يسمح له بتشكيل الحكومة ال 19في تاريخ "إسرائيل"، والمصادقة على الحكومة ستكون يوم 14 من الشهر الجارى. هذا الائتلاف سواء على صعيد الحكومة أو أعضاء الكنيست الذين يتبعون له، سيكون الأول أيضًا الذي لديه أكبر عدد من الضباط السابقين في الجيش الإسرائيلي وعددهم 11، ومنهم بيني غانتس والذي سيبقى كوزير للجيش، ونفتالي بينيت الذي خدم ضابطا في وحدة "سييرت متكال" الخاصة والذي سيكون رئيسًا للوزراء بالتناوب، ونحمان شاي من العمل والذي سيتولى منصب وزارة الشتات، إلى جانب عومر بارليف الذي سيكون وزيرًا للأمن الداخلي والذي كان يخدم ضابطًا كبيرًا في سلاح الجو، بالإضافة إلى ماتان كاهانا المرشح لتولي منصب وزارة الأديان والذي خدم في الجيش ضابطًا. ومن بين الضباط الذين يخدمون في الكنيست، نائب رئيس الأركان السابق يائير غولان، ونائب رئيس جهاز الموساد الأسبق رام بن باراك، وغيرهم. واليوم كل الأنظار تتوجة للحكومة الجديدة في إسرائيل وبرنامجها السياسى المحلى والإقليمى والدولى، بالإضافة إلى علاقتها مع الفلسطينيين، الكل يحاول استقصاء التوقعات وقراءة سياسات هذه الحكومة والتوصل للبنود السرية في ائتلاف (لابيد وبينت) بشأن التعامل مع الفلسطينيين وقضايا الصراع الإقليمى. سيتولي "بينت" رئاسة الوزراء الفترة الأولى من الحكم بعد نيل الثقة والتصويت علي حكومته من قبل الكنيست، ومن ثم سيأتي "لابيد" ويكمل النصف الثاني، لكن قد لا يتغير المشهد في العلاقة مع الفلسطينيين كثيراً ولن يكون أفضل من (نتنياهو) في قبول التفاوض علي أساس حل الدولتين والشرعية الدولية مع الفلسطينيين.
هذه الحكومة يرى بعض الخبراء والمحللين السياسيين أنها عبارة عن مزيج يميني حاد ويميني وسط، وليست حكومة يسار ووسط. أما عن مصير نتنياهو الذى قد يلجأ لعمل دراماتيكي من أجل إنقاذ نفسه وإفشال الائتلاف الجديد، الذي سيحاول القائمون عليه منع نتنياهو من تسخين إحدى الجبهات. حيث يسعى لاستنفار أنصاره لمنع تنصيب حكومة التغيير، وفى المقابل يسعى الائتلاف الحكومى الجديد للإطاحة برئيس الكينيست. فى نفس الإطار صرّح "إيهود أولمرت" رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، بأن نتنياهو قد يبادر لفتح أي جبهة في سبيل إنقاذ نفسه وإفشال الائتلاف الحكومي الجديد، ورجّح أولمرت أن الجبهة الأسهل لنتنياهو هي جبهة غزة،لأنه لايملك صلاحية العمل ضد إيران. وبالفعل لا يملك نتنياهو صلاحية العمل أو حتى القرار ضد إيران، ولذلك عندما صرّح نتنياهو باستمرار التصعيد ضد إيران، قام الرئيس الأمريكى "جو بايدن"، باستدعاء وزير الدفاع الإسرائيلى " بينى غانتس" على الفور،من أجل مراجعة بعض الأمور، أبرزها تصريحات نتنياهو الأخيرة حول إيران. ولم يتوقف نتنياهو عند هذا الحد، بل قام بالتصعيد ضد دولة قطر، التى تقوم بدورها بدعم قطاع غزة عبر حركة " حماس"، حيث اتهم الدوحة بأنها تقوم بتمويل منظمات إرهابية، فجاء الرد على الفور على لسان وزير خارجية قطر"محمد آل ثانى"، بأن اتهام إسرائيل لقطر بتمويل بعض المنظمات الإرهابية جزء من حملة تضليل تعرضت لها قطر. وأوضح أنّ قطر شريك موثوق به فى تحقيق السلام فى المنطقة، وتؤمن بألا حل عسكريًا لأي نزاع بل يجب أن يكون الحل بالطرق الدبلوماسية، كما شدد على أنّ قطر أنفقت مليارا و400 مليون دولار لإعادة إعمار غزة منذ2012 و"إسرائيل" تعلم كيفية الإنفاق. وصرّح " آل ثانى" بأن قطر لن تُطبّع العلاقات مع "إسرائيل" قبل معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أولاً، ثم اتخاذ الخطوة لتحقيق السلام مع "إسرائيل". لذا يبدو أن نتنياهو يعجز عن وقف التغيير، لكن ذلك لن يمنعه من المحاولة المستميتة، فالشارع الإسرائيلي على صفيح ساخن، فنتنياهو وابنه يائير والحاخامات والمستوطنين يحرضون ضد الحكومة المرتقبة، والمظاهرات التى تنوى الخروج بالفعل بين تجمعات معارضة ومؤيدة، وسط تأمين أمنى مشدد، وهناك احتمالات أن تصل تطورات المشهد لعملية اغتيال سياسي، وذلك لأحد قادة اليمين الذين انضموا للائتلاف الجديد. وذلك يؤشّر إلى أن كل تلك المناوشات ربما تُفسد أجواء الهُدنة وتؤدى إلى تصعيد، وهذا ما حذّر منه بعض الخبراء الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين. فمنذ بضعة أيام كان هناك ما يقارب 9 طائرات إسرائيلية من نوع "كواد كابتر"، دخلت أجواء قطاع غزة، وعليه أطلقت المقاومة الفلسطينية النار بشكل مكثف تجاه الطائرات، وتمكنت من إسقاط طائرتين الأولى في الشجاعية والثانية في حي الزيتون شرقي مدينة غزة. وبالتالى أصبح وقف إطلاق النار بين غزة وتل أبيب مُهدّدا بالانهيار، لأنه بات هشّاً! وركّزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على هذا الأمر، وأظهرت كل التخوفات من احتمال وقوع تصفيات سياسية بسبب الحكومة الجديدة المرتقبة، وهذا ما أكده رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) "نداف أرغمان"، حيث حذّر فيبيان دراماتيكي غير معتاد مما أسماه "خطاب العنف والتحريض" خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وطالب بوقفه فوراً، لأنه يمكن أن يؤدي إلى "الإضرار بالأرواح"، فإسرائيل باتت أقرب من أي وقت مضى للاغتيال سياسياً. أما عن "بينيت" فقد تعّهد بالوقوف في وجه الضغوط الخارجية ومواصلة البناء في المستوطنات، إرضاءً لمعسكر اليمين ومحاولة استمالته، واحتواء غضبه الذى يريد نتنياهو استغلاله عبر مسيرات الأعلام فى القدس، لذا قام نتنياهو بوصف بينيت بالجاسوس، وعليه أصبح هناك تهديد ملموس على حياة بينيت، كما أوضحت مصادر أمنية إسرائيلية. فقد أصدر كبار حاخامات الصهيونية الدينية في إسرائيل بيانا منذ أيام ضد تشكيل "حكومة التغيير"، دعوا فيه أتباعهم إلى القيام بأي شيء كي لا تتشكل هذه الحكومة. وفى نفس السياق أكد نائب محافظ القدس "عبد الله صيام"، بأن مسيرة المستوطنين الخميس المقبل ستدفع إلى انفجار جديد في القدس، إذا لم يتم إيقافها، وهذا يتفق مع ما صرّح به عضو الكابينت "يسرائيل كاتس"، بأن التحريض سيؤدي إلى إغتيال سياسى، وانفجار فى الأوضاع الداخلية. نتج عن تلك التحذيرات عقب جلسة تقييم أمنى، استقرار الرأى واتخاذ "بينى غانتس" وزير الدفاع الإسرائيلى، قراراً يوصي بعدم إقامة مسيرة الأعلام المخطط لها في القدس، هذا القرار ينبع من الرغبة في تجنب تصعيد جديد من جهة غزة. أما عن غالبية الليكود التى يتزعمها نتنياهو، فقد أدركت حقيقة أنهم في طريقهم إلى المعارضة، وأنه لا توجد أدوات عملية متبقية لوقف تشكيل حكومة "لابيد". لكن فى المقابل هناك أصوات داخل الليكود تنادى بالتفاؤل، فهناك فرصة لنتنياهو لشق صف هذا الائتلاف بخروج عضو أو اثنين من التحالف، قبل التصويت على الحكومة في الكنيست. فصمود التحالف الحكومي الحالى مرهون بعوامل عديدة، ولن يصمد لمدة عام على الأقصى، بل سينهار وسيتم الذهاب إلى انتخابات خامسة بنهاية الصراع.
فى المقابل ربما تتغير سياسة الحزب الديمقراطي الأمريكى تجاه إسرائيل، فبالرغم من تأكيد الرئيس الأمريكى"جو بايدن"، على استمرارية دعمه وتعاونه مع إسرائيل أيّا ما كان رئيس حكومتها، إلا أن هناك آراء ترصد ملامح تغيّر فى سياسة الديمقراطيين تجاه إسرائيل، التى أصبحت تمثل عبئاً على مصالحها وأجندة أولوياتها. سقط (نتنياهو) وقد يذهب إلى السجن، وتغيرت الوجوه التى تحكم في إسرائيل، لكن لا تتغير السياسة التي تنتهجها، التى أسّس لها اليمين في إسرائيل تجاه الفلسطينيين، لذا يبقى التساؤل الذى يلوح فى أفق وعقل الشعوب العربية، ماذا بعد حقبة نتنياهو؟!!