في الوقت الذي يعمل فيه يائير لبيد ونفتالي بينيت على تشكيل حكومة وحدة ائتلافية في إسرائيل، فإن السؤال الرئيسي يدور حول سياسة الحكومة الخارجية في ظل الاختلاف الكبير بين وجهات النظر. فبموجب اتفاقية تقاسم السلطة، سيكون بينيت رئيساً للوزراء حتى خريف عام 2023 بالتناوب، في حين سيكون لبيد وزيراً للخارجية حتي انتهاء المدة. هناك خلاف حول العديد من قضايا السياسة الخارجية، أهمها الصراع العربي الإسرائيلي, بين لبيد، زعيم حزب الوسط" يش عتيد"، وبينيت، زعيم حزب "يمينا" اليميني. تناول الفريقان الاختلافات في وجهات نظرهم العالمية في الكينيست بشكل علني، ووعدوا بأن تركز الحكومة الجديدة على القضايا الداخلية وأن تتجنب اتخاذ أي خطوات رئيسية على جبهة العلاقات الخارجية. قال بينيت في الكنيست يوم الأحد القبل الماضي: "لن تكون الحكومة الجديدة من شأنها أن تقوم بفك ارتباط أو تسليم الأراضي". وتفيد التقارير أنهم ناقشوا آلية لحق الفيتو المتبادل بينهما بهدف عدم خروج القضايا الخلافية المثيرة للجدل بين الطرفين إلى العلن. سؤال آخر لا يزال مطروحاً هو الدائر حول طبيعة العلاقة بين بينيت ولبيد وإدارة بايدن. وبعبارة أخرى، كيف ستتعامل إدارة بايدن مع الحكومة الجديدة ؟ بينيت وبايدن أشار المراقبون إلى طبيعة الخلاف بين توجهات بينيت زعيم حزب اليمين وإدارة بايدن المنتمية للحزب الديمقراطي, حيث يتبع هذا الأخير نهجاً أقل حدة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. وبهذا الصدد قال مايكل كوبلو، مدير السياسات في منتدى السياسة الإسرائيلية لصحيفة جيروسالم بوست:" إذا تمكن بينيت ولبيد من تشكيل حكومة قبل الموعد النهائي، فإن إدارة بايدن ستتعامل بالطبع مع بينيت كرئيس للوزراء". "بغض النظر عن توجهات كل منهم السياسية، فإن الرؤساء الأمريكيين ورؤساء الوزراء الإسرائيليين سيقيمون دائماً علاقات مع بعضهم البعض". وأضاف "لكن حقيقة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيكون خارج الصورة لن تزيل الاختلافات بين الرؤي الأمريكية لإدارة بايدن والرؤي الإسرائيلية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية:. ولكن حتى لو كان موقف نتنياهو من الضم والمستوطنات يمثل قطباً يمينياً متطرفاً، فإن جميع أقطاب السياسة الإسرائيلية يقفون على يمين إدارة بايدن بشأن القضية الفلسطينية". "لا أتوقع أن تقوم الحكومة الإسرائيلية الجديدة – سواء تحت حكم بينيت أو لبيد – بتحركات جذرية فيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين أو الضفة الغربية، ولا أتوقع أيضاً أن سياسة إدارة بايدن المعتمدة علي دفع الجانبين نحو عملية السلام ستتغير". التوسع الاستيطانى وأضاف:" هذا يعني أن الخلافات حول القضايا الصغري ستستمر، مثل إخلاء الفلسطينيين في القدسالشرقية والتوسع الاستيطاني، وهذا بحد ذاته قد يسبب مشاكل في التحالف بين الطرفين، حيث يريد لبيد أن يكون أكثر حظراً تجاه هذه المسألة في حال تحفظ الأمريكيين، في حين سينظر بينيت للتحفظ الأمريكي على أنه تدخل غير مقبول في الشؤون الإسرائيلية الداخلية". "لكنني لا أتوقع أن أرى خلافاً كبيراً بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وبينيت، لأن أنواع التحركات التي من شأنها أن تسبب مثل هذا الصدام- مثل ضم أو تقنين البؤر الاستيطانية غير القانونية- لن تحدث في ظل هذا التشكيل الحكومي الذي يعبر عن الوحدة الائتلافية". وقال ناتان ساكس، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز في واشنطن، إن إدارة بايدن "ستعمل مع أي حكومة منتخبة ديمقراطياً في إسرائيل. ولكن من المحتمل أن يكون هناك اختلاف صارخ في التعامل بين بينيت ولبيد". قد يأخذ لبيد بزمام المبادرة كوزير للخارجية في بعض جوانب العلاقة مع الولاياتالمتحدة، متقاسماً هذا الدور مع وزير الدفاع بيني غانتس". وقال ساكس: "فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هناك بالفعل مصالح مشتركة…تفضل إدارة بايدن وحكومة الوحدة الجديدة أن تظل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منخفضة الوتيرة لمدة أربع سنوات. لكن ما شهدناه في الأيام الأخيرة يؤكد أنهم لن يحصلوا علي هذا الترف. قد يحاول كلا الجانبين إدارة المشكلة، وتجنب أي تحركات كبيرة". "قد تنجح هذه المقاربة لفترة من الوقت، لكن المسألة تعتمد على عوامل أخرى – التغييرات في السلطة الفلسطينية وانتهاء فترة ولاية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والأحداث على الأرض". مضيفاً" هذا ليس صراعاً يمكنك إدارته دائماً؛ غالبا ما يفرضه نفسه عليك". الملف الإيرانى والملف الإيراني سيكون إحدى القضايا الرئيسية على جدول أعمال الحكومة الجديدة، فوفقاً للسفير السابق دينيس روس، عضو معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما ومستشار لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إن عدم تغير المواقف تجاه إيران سيكون مهماً بالنسبة للطرفين الإسرائيلي والأمريكي. "في حين أن غانتس سيبقى وزيراً للدفاع، فإن حقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيسا للوزراء من شأنها أن تجعل الرئيس بايدن ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يرغبان في التأكد من عدم وجود أي تغييرات في الأولويات أو التوقعات القادمة من الحكومة الجديدة" بخصوص الملف الإيراني والدور الأمريكي الداعم لإسرائيل فيه، سيكون هناك التزام أمريكي بإجراء مشاورات عميقة ومستمرة مع إسرائيل بشأن إيران، وأعتقد أن الدعم المستمر للخطوات التي تشعر إسرائيل أنها يجب أن تتخذها للتعامل مع التهديد الإيراني في سوريا سيستمر من قبل الولاياتالمتحدة". التطبيع مع العرب ولا شك أن بايدن وبلينكن سيرغبان أيضاً في مناقشة قضايا أخرى: في مقدمتها عملية التطبيع المستمرة مع الدول العربية, وعلى مستوي العالم, القضايا المتعلقة بالصين وروسيا"، مضيفاً أن تغير الأوضاع في البلدين – وجود حكومة وحدة جديدة في إسرائيل وتولي بايدن خلفاً للترامب بعد علاقة ترامب الوثيقة بنتنياهو- هي فرصة للطرفين الأمريكي والإسرائيلي لتحقيق الكثير من المكاسب علي مختلف الصعائد". بالنسبة لبنيت ولبيد, فإن تشكيل حكومة جديدة هي فرصة جيدة لتغير الصورة النمطية عن إسرائيل بالنسبة لأعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري, فبايدن يقع تحت ضغط ظهور تيار تقدمي داخل الحزب الديمقراطي يريد تغيير العلاقة الأمريكية الداعمة لإسرائيل علي طول الخط, وربما قد تساهم الحكومة الائتلافية الجديدة في تحسين صورة إسرائيل التي تشوهت كثيراً لدي الأمريكيين بعد فترة حكم بنيامين نتنياهو, وهو الأمر الذي قد يدعم بايدن في مواجهة هذا التيار التقدمي الرافض لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي.