"أقف بجانبكم مسانداً بتواضع واحترام. أتيت إليكم لأعترف بمسؤوليتنا عن ما حدث… لفرنسا دور وتاريخ ومسؤولية سياسية في رواندا. لديها واجب علي عاتقها يتمثل في مواجهة تاريخها, وأن تعترف بالعذاب الذي لحق بالشعب الرواندي عبر اختيارها الصمت تجاه الحدث لفترة طويلة, عوضاً عن قول الحقيقة". قال إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي هذه الكلمات في زيارته لرواندا في الثلاثاء 25 مايو الماضي, وهي كلمات أحدثت ضجة عالمية باعتبارها اعترافا رسميا بالدور الفرنسي في المذبحة الرواندية الشهيرة عام 1994, والتي راح ضحيتها ما يزيد على 800 ألف شخص. رحب الرئيس الرواندي بهذا الخطاب واعتبره "كلمات أقوي من أي اعتذار". لكن ما الدور الفرنسي في المذبحة والذي اعترف به ماكرون؟ تأتي الزيارة في أعقاب صدور تقرير في مارس من قبل لجنة تحقيق فرنسية قالت" إن موقفاً استعمارياً قد أعمى المسؤولين الفرنسيين, وأن الحكومة تتحمل مسؤولية "خطيرة وساحقة" لعدم توقع المذبحة". كانت فرنسا تتمتع بعلاقات وثيقة مع حكومة الرئيس جوفينال هابياريمانا التي قادتها عرقية الهوتو, حيث دعمت فرنسا هذه الحكومة في ظل توجه الرئيس نحو التمييز ضد أقلية التوتسي الذي انتهي إلى إبادة عرقية واسعة. أكد التقرير أن فرنسا, في ظل الرئيس فرانسوا ميتران, تتحمل المسئولية الكبري في حدوث الإبادة الجماعية. وفي هذا السياق أصدرت الحكومة الرواندية الحالية تقريراً أوضحت فيه أن فرنسا كانت على علم تفصيلي بمذبحة واسعة ستحدث بعد اغتيال الرئيس هابياريمانا ولم تحرك ساكناً, فالقوات التي قامت بالمذبحة كان قد تدربت علي يد خبراء الجيش الفرنسي وحصلت علي التمويل والسلاح من فرنسا التي دعمت الحكومة وعناصر الهوتو في مواجهة التوتسي, بهدف استمرار سيطرتها علي البلاد. وبعد انطلاق أحداث الإبادة الجماعية, قامت فرنسا بالتستر علي بعض مرتكبي الوقائع وحمايتهم ومنع مثولهم أمام المحكمة الدولية الخاصة بالمذبحة الرواندية لفترة طويلة, وكان هذا التستر بهدف إخفاء أي دور رسمي للحكومة الفرنسية في دعم الطرف الرئيسي في المذبحة. أحداث المذبحة تصاعدت الأزمة في التسعينيات عندما نمت قوة الجبهة الوطنية الرواندية, بقيادة بول كاغامي الرئيس الرواندي الحالي، وشكلت تحدياً خطيراً لنظام الرئيس هابياريمانا الحاكم آنذاك. في عام 1993، اضطر هابياريمانا، الذي صعد إلى السلطة في عام 1973، إلى توقيع اتفاق سلام (اتفاق أروشا) مع الجبهة الوطنية الرواندية. وأدى ذلك إلى استياء ميليشيات الهوتو، المدعومة من الحكومة، في مواجهة السكان المحليين من التوتسي، الذين اتهموا بالتعاون مع الجبهة الوطنية الرواندية. و في 6 أبريل 1994، أُسقطت طائرة فالكون 50 التي تحمل هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا بالقرب من مطار كيغالي الدولي. ألقت الحكومة التي يقودها الهوتو باللوم على الجبهة الوطنية الرواندية في الهجوم على الطائرة الرئاسية. وأطلق الجيش وميليشيات الهوتو العنان للعنف ضد التوتسي والهوتو المعتدلين. نفى الرئيس كاغامي أي تورط في إسقاط الطائرة. وتقول الجبهة الوطنية الرواندية إن متطرفي الهوتو دبروا الهجوم علي طائرة هابياريمانا لاستخدامه كذريعة للإبادة الجماعية (التي كانوا يستعدون لها قبل سقوط الطائرة بفترة طويلة) وكذلك للاستيلاء على السلطة بالكامل. أطلقت الميليشيات المدعومة حكومياً حملة عنيفة هدفت إلى القضاء على عرقية التوتسي بأكملها. ذهب مقاتلو إنتراهاموي إلى المدن والقرى في جميع أنحاء البلاد و طاردوا أفراد التوتسي و لم يفرقوا بين الرجال والنساء والأطفال, وطالبوا كافة أفراد الهوتو بالانضمام إلى الحملة وقتلوا من الهوتو من لم يمتثل لأوامرهم مما أسفر عن مقتل 8000 شخص يومياً تقريباً لمدة ثلاثة أشهر. كانت الحكومة الفرنسية علي علم بما حدث, وكان تدريب وعتاد مرتكبي المذبحة فرنسياً, وهذا ما أكده اعتراف الرئيس ماكرون. يأتي هذا الاعتراف الذي اعتبره المراقبون بمثابة اعتذار عن الدور الفرنسي في رواندا, رغم أن كلمة الرئيس لم تتضمن اعتذاراً, بعد التباحث بين فرنسا ورواندا حول إبرام اتفاقيات اقتصادية وقيام فرنسا بإقراض رواندا قرضا قيمته 60 مليون يورو لمواجهة انتشار فيروس كورونا.