وجهت وسائل الإعلام الإيرانية اتهاماً مباشراً لإسرائيل بتفجير سفينة شحن إيرانية فى شرق المتوسط، لكن لم يكن هناك تصريح رسمي حول نفس الأمر، فهل جاء هذا التفجير حقاً رداً على تفجير سفينة إسرائيلية فى خليج عمان، أم أن إسرائيل ستتنصل من مسئوليتها عن هذا الحادث؟! هل تصبح حرب الناقلات ساحة انتقام إسرائيلي لا تستطيع إيران الإبحار فيها؟! هكذا تساءل بعض المحللين والمراقبين للمشهد الإقليمى، الذى يتحوّل ويتحوّر الصراع فيه بسرعة كبيرة، دون أى تقدير لأى طرف مشارك أو صانع لهذا الصراع من تبعاته، وتكلفته السياسية والاقتصادية. أصاب صاروخ سفينة إيرانية تسمى "شهر كرد" في شرق البحر الأبيض المتوسط بالقرب من السواحل السورية، مما أدى إلى تدمير عدة حاويات واشتعال نيران محدودة في بعض أجزاء السفينة المستهدفة. وأشارت صور حاويات السفينة المستهدفة إلى أن الهجوم قد نفذ باستخدام صاروخ جو – بحر فاقد للرأس الحربي القوي، أو بوساطة مدفعية دقيقة التوجيه لا تحتوي على رأس حربي متفجر. ويشير قرب مكان الحدث من سواحل فسلطين المحتلة إلى أن الهجوم قد نفذ من قبل الجيش الإسرائيلي، وذلك انتقاماً لهجوم بحرية الحرس الثوري الإيراني على السفينة التجارية الإسرائيلية "هليوس راي" في مياه خليج عمان. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي أطلق حينذاك عشرات الصواريخ البالستية الدقيقة وصواريخ كروز على عدة أهداف تابعة لفيلق القدس في منطقة السيدة زينب جنوبدمشق، فيما وصف بأسرع رد إسرائيلي على هجوم الحرس الثوري الإيراني على السفينة التجارية الإسرائيلية؛ إلا أن نوعية استهداف السفينة الإيرانية والتشابه في طبيعة الاستهدافين السابقين يؤكد أن الرد الانتقامي الإسرائيلي السريع لم يكن الأخير. وتشير نوعية الصواريخ أو القذائف الفاقدة لرؤوس حربية قوية، والتي تم استخدامها في الهجوم على السفينة الإيرانية، إلى أن الجهة المنفذة لم تعمد لإلحاق ضرر شديد في سفينة "شهركرد"، أو إلحاق إصابات كبيرة في طاقم خدمتها. فحرب الناقلات ليس مكاناً آمناً لتشرع فيه السفن الإيرانية، واستمرار هذه الحرب في المستقبل سيهدد حتماً أمن الشحن الإيراني. وبالرغم من أن الانفجار الذي أصاب سفينة "شهر كرد" الإيرانية لم يتسبب بأضرار مادية كبيرة، أو خسائر جسيمة في الأرواح هذه المرة، لكن استمرار وتكرار مثل هذه الاستهدافات المتشابهة في النوعية ومضمون الرسائل المتبادلة سيهدد حتماً أمن الشحن الإيراني في المياه الدولية والإقليمية وقد يلحق أضراراً جسيمة به في المرات المقبلة. وقد أظهرت التجربة الكارثية التي عاشتها إيران في حرب الناقلات خلال حرب السنوات الثماني مع العراق، أن صناعة الشحن الإيرانية معرضة للضرر الشديد بسبب الهجمات الجوية العراقية، وأنه يمكن تعطيل هذه الصناعة بسهولة، الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد الإيراني. فنطاق الاستهداف الإيراني ينحصر فقط في مياه الخليج العربي باستخدام الألغام اللاصقة في معظم الحالات، حيث تفتقر القوات البحرية التابعة لكل من الجيش الإيراني والحرس الثوري إلى القدرات التي تمكنها من مواجهة التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها سفن الشحن التجارية في جميع أنحاء العالم، خاصة إذا ما كانت الهجمات المنفذة باستخدام غواصات دولفين الإسرائيلية. ويمكن القول بأن عودة أسلوب حرب الناقلات، رغم أنه يهدد أهم شريان نفطي في العالم، إلا أنه لا يترك مجالاً كبيراً للمناورة الإيرانية المحصورة ضمن نطاق ضيق في مياه الخليج العربي بأساليب استهداف بدائية، ويشتمل في المقابل على تكاليف باهظة تهدد أمن صناعة الشحن الإيرانية في كل من المياه الإقليمية والدولية الأوسع. ورغم ذلك يبدو أن التصريحات السياسية الإعلامية من المسئولين الرسميين بكلا الجانبين تتجه نحو التصعيد لا التهدئة، وكان أبرزها التصريح الإيرانى الأخير الذى قيل فيه نصاً "سندمر تل أبيب، إذا اعتدت علينا"، فهل يمكن اعتبار حرب الناقلات مجرد تهديد واستفزاز أم تصعيد يصل إلى الحرب؟! يأتى فى نفس السياق، المحاولات السرية وغير السرية والرسمية وغير الرسمية من قبل الأمريكيين والأوروبيين، من أجل استعادة الاتفاق النووى بكامل بنوده، لكن مع الاحتفاظ ببعض العقوبات المفروضة على إيران، وهذا ما ترفضه إيران شكلاً وموضوعاً، حيث ربطت ما بين العودة للاتفاق برفع العقوبات. على الجانب الآخر، ترفض إسرائيل تماماً العودة للاتفاق النووى، كما ترفض امتلاك إيران سلاحا نوويا للحفاظ على تفوقها العسكرى فى منطقة الشرق الأوسط والإقليم برمته، لكن إيران مستمرة فى تخصيب اليورانيوم غير عابئة بتصريحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ورغم إدعاء الخمينى أن إيران لا تريد امتلاك سلاح نووى لأنه حرام شرعاً، إلا أن إيران تمضى قدماً وبسرعة كبيرة نحو تخصيب اليورانيوم بشكل غير مبرر ويبدو استفزازيا لجيرانها من دول الخليج. والآن بعد كل تلك المناوشات والتصريحات والتلاسن، هل تصبح البحار والخلجان والمضايق ساحة جديدة للاستفزاز السياسى والتصعيد العسكرى، ومسرحاً شفافاً للعمليات الاستخباراتية بين دول الإقليم، أم مجرد استعراض قوى من كلا الجانبين؟! كشف وزير الجيش الإسرائيلي "بيني غانتس"، أن الجيش الإسرائيلي قد قام بتحديث كامل لخططه الهجومية المستقبلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وفي مقابلة على قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، قال غانتس: "لدينا (خطط الهجوم) في أيدينا، لكننا سنواصل تحسينها باستمرار"، وأضاف: "يجب وقف التطلعات النووية الإيرانية، إذا أوقفهم العالم، فهذا أفضل بكثير، وإلا فعلينا اتخاذ موقف مستقل والدفاع عن أنفسنا". وأصرَّ غانتس على أنه لا يمكن الوثوق بإيران في أي نوع من الاتفاقات النووية، وقال: "الإيرانيون يخرقون كل ما تم الاتفاق معهم، إنهم يخادعون". كما تطرق غانتس إلى الأنشطة الخطيرة لحزب الله في لبنان، مشيرًا إلى أنه يمتلك "مئات الآلاف من الصواريخ" الموجهة مباشرة إلى المدنيين، بحسب قوله. وقال إن إسرائيل "لن تسمح لإيران بأن تصبح دولة ذات قدرة نووية أو قريبة منها في أي مكان، إذا أوقفهم العالم، فهذا أفضل بكثير، وإلا فعلينا اتخاذ موقف مستقل والدفاع عن أنفسنا". ورداً على اقتراح أي عمل عسكري محتمل من قبل إسرائيل، أكد وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي أن بلاده سترد بقوة، مهدداً ب "هدم" مدينتي تل أبيب وحيفا، بحسب وكالة أنباء فارس الإيرانية. ووصف في وقت لاحق القادة الإسرائيليين بأنهم "كلاب" وقال "إن الدولة أصغر من أن تظهر عداء للجمهورية الإسلامية". لذا يبدو أن الفترة المقبلة لن تشهد فقط حرب الناقلات، ولكن حتماً سيتخذ الصراع أشكالاً أخرى وتجليات كثيرة، وهذا لا يصب فى مصلحة الإقليم، خاصةً إن كان الصراع ساحته هو الدول العربية، كبش الفداء لأى صراع إقليمى أو دولى، وعلى مجلس الأمن والأمم المتحدة وضع حد وإطار لمثل تلك الصراعات، إذا أرادت تحقيق أمن حقيقى فى المنطقة العربية أو إقليم الشرق الأوسط كما يدّعون!.