*محمود دوير يحمل التاريخ بين صفحاته دروسا عظيمة لكل من يرغب فى استجلاء الحقائق، وبالطبع فإن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه كما يؤكد المؤرخون أنفسهم، لكن القدرة على قراءته بعين ثاقبة وواعية يمنحنا إمكانية عدم تكرار أخطاء الماضى وعدم الخديعة فى رموز وصفها الشاعر الراحل "نجيب سرور "قائلا "فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص"، ولم يكن يعنى بلصوص المال فقط، لكن الأخطر هم هؤلاء من لصوص الوعى وسارقى العقول. يرى البعض – سواء ببراءة أو سوء نية – أن جماعة الإخوان فى ممارستها للعنف والتحريض عليه قد انحرفت عن سلوكها السلمى الذي يستلهم سماحة من الإسلام وروح التآخى وحسن الخطاب مستعينا بتراث الاباء الأولين فى مسيرة الدين الحنيف. معتبرين ذلك الاستضعاف طابع لهم … واصفين التقيه بالقهر بسبب التنكيل بهم من جانب الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر بدء من حكومات عهد الملك فاروق مرورا بحكم جمال عبد الناصر حتى مرحلة حكم الرئيس السيسى الحالى، بينما نرى نحن غير ذلك تماما بل وتؤكد وقائع التاريخ ما نراه. وبالتنقيب فى خزائن التاريخ الغنى بالمواقف والمفعم بالصراعات والصدامات والصفقات نجد تحت أيدينا كنزا حقيقيا هو كتاب صدر فى ظروف مشابهة لتلك اللحظة التى تعيشها مصر منذ حكم الإخوان فى 2012 وقيامهم بسرقة ثورة يناير مع سبق الإصرار والترصد واقصاء كل مكونات الطيف السياسى فى مصر – باستثناء وجود شكلى لبعض الموالين لم يستمر كثيرا . هو كتاب صدر بعنوان "هؤلاء هم الإخوان" عن دار الهلال في القاهرة عام 1954بعنوان "هؤلاء هم الإخوان" بأقلام قامات أدبية وفكرية على رأسها الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، والكاتب الصحفي محمد التابعي، الشاعر والصحفي كامل الشناوي، والكاتب الصحفي على أمين، والكاتب الصحفي جلال الدين الحمامصي، والكاتب الصحفي ناصر الدين النشاشيبي، حيث تناول الكتاب الذى جاء عبارة عن شهادات ودراسات حول علاقة الإخوان بالعنف ورؤيتهم للآخر ورفضهم قبول أى خلاف لأن الأبرياء منهم يعتقدون خطأ امتلاكهم صحيح الدين بينما يدرك القادة جيدا أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه – كما جاء فى الحديث النبوى الشريف. وما أشبه الليلة بالبارحة، فنحن أمام شهادات لعدد من كبار كتاب مصر فى الخمسينيات من القرن العشرين وكأنهم يكتبون فى نفس اللحظة السياسية التى تعيشها مصر منذ ثورة 30 يونيو حتى الآن. في هذا الكتاب، وتحت عنوان "رخص الحياة"، كتب الدكتور طه حسين، واصفا أعضاء جماعة الإخوان" قائلا "من زمن الخوارج، وقبضة من نيران الحروب التي يشعلها المحتلون في العالم، يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم". وأضاف طه حسين :"حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذي لم يحرم شيئا كما حرم القتل، ولم يأمر بشيء كما أمر بالتعاون على البر والتقوى، ولم ينه عن شيء كما نهى عن قتل النفس بغير نفس إثما وعدوانا، ولم يرغب في شيء كما رغب في العدل والبر والإحسان". "واليوم نكتشف فريقا منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم في الوطن ولإخوانهم في الدين ولإخوانهم في الحياة، التي يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا آخر غيرها من أمور الناس، والخير كل الخير هو أن نطب (أي نستعين بالطب) لهذا الوباء كما نطلب لغيره من الأوبئة التي تجتاح الشعوب بين حين وحين، وقد تعلم الناس كيف يطبون للأوبئة التي تجتاح الأجسام وتدفعها إلى الموت دفعا فمتى يتعلمون الطب لهذا الوباء الذي يجتاح النفوس والعقول فيغريها بالشر ويدفعها إلى نشره وإذاعته ويملأ الأرض فسادا وجورا". أما الكاتب الصحفي الراحل محمد التابعي، فقد تضمن الكتاب 8 مقالات له ففي مقال بعنوان "الضحايا والمساكين"قال التابعي" عن محاولة اغتيال "عبد الناصر"، وقائع حادث المنشية، 26 أكتوبر 1954، وكيف كانت صدمة المتهم "محمود عبد اللطيف" عندما تهاوت مثله العليا أمام عينيه أثناء المحاكمة، ورأى زعماءه الذين لقنوه مبادئ السمع والطاعة يتخاذلون ويكذبون ويحنثون في إيمانهم للنجاة بأرواحهم. وكشف التابعى عن اعترافات حسن الهضيبي، المرشد العام للجماعة كانت الأهم وصاحبة الصدمة الأكبر أمام المتهم "محمود عبد اللطيف" الذي أطلق 8 رصاصات على "عبد الناصر" طاعة لمرشد الجماعة، بحجة أن "عبد الناصر" باع وطنه بتوقيع اتفاقية "الجلاء" 19 أكتوبر 1954، إذ أدرك كيف خدعوه وضللوه باسم الدين والرسول والجماعة، وفي الأخير تخلوا عنه، عندما اعترفوا أمام العالم أجمع بأن "عبد الناصر" لم يبع وطنه ولم يخن الأمانة، وأن التدبير للاغتيال لا علاقة له بالاتفاقية. وفي مقال آخر بعنوان " نعم حدث انقلاب"، والانقلاب الذي يتحدث عنه هنا انقلاب في الرأي العام تسرب للشارع بسبب ظهور الجماعة في ثوب جديد، وكأنها تتطهر من ذنوبها وتطلب نسيان ما سبق وفتح صفحة جديدة. "المصريون انقسموا ما بين فريق يعطف على "عصابة الإرهاب" ويلتمس لها الأعذار فيما ارتكبت من جرائم، وفريق كان يقف منها موقف الحياد، وفريق ثالث يغالب نفسه على حسن الظن ويؤثر الانتظار حتى يري ماذا ستفعل الجماعة في العهد الجديد". أما الفريق الأخير كان يدرك جيدا حقيقة الجماعة، وأن لا فائدة من التصالح معها، لكن اضطر لكتم رأيه في صدره حتى أظهرت الأيام حقيقة الجماعة لتتهاوى كل هذه الآراء أمام حقائق مرة، من بينها أن الجماعة لما انشأت جهازها السري بررت للجميع أنها تريد محاربة الملك فاروق والإنجليز، ثم عرف الشعب حقيقة تحالفها مع فاروق للسيطرة على الحكم، واصطدم الجميع برفضها المشاركة في المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي، وفوق هذا كله وجه الجهاز السري رصاصه إلى صدور المصريين". واكتشف الرأي العام أن هذه العصابة كانت قد تسلمت من الضباط الأحرار أسلحة وذخائر للمشاركة في معركة القناة، لكن باعت هذه الأسلحة لحساب قياداتها واشتروا بها أطيانا وشيدوا عمارات، وأنها عكس ما تردد بأنها قامت من أجل الدعوة وحماية الدين، تحالفت مع الشيوعية والصهيونية وتجسست لصالح إسرائيل وأمدتها بمعلومات عن حكومة مصر". أما الشاعر الكبير والصحفي كامل الشناوي فقد كتب مقالا بعنوان "الإرهاب"، وكان يدور حول لجوء الإخوان لمواجهة الفكر والرأي والمعتقد والحرية بالسلاح والنار والإرهاب، أي سبيل للشعب الأعزل سوى دولته لتحميه من غدر الجماعة. وقال "إنني حزين لأن يوجد إنسان واحد، لا جماعة منظمة، يصنع الموت للناس ويحترف التخريب والتدمير، وقلبي يقطر ألما وحزنا إذا كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الدين والإسلام، وتجد من يصدقون دعواها في النهاية، فكيف أصدق أن الإسلام الذى يدعو إلى المحبة والسلام دليل الإخوان، إنه برئ من كل هذه الأسلحة وكل هذا الموت والغدر، لأنه أبدا لم يقر الجدل بالمسدسات والمدافع والمتفجرات". هذا بعض ما جاء بالكتاب من شهادات ربما تساعد البعض على التعقل والحكم بدقة بعيدا عن التأثيرات العاطفية إن تلك الشهادات التى تصلح للإعادة الآن وكانها كتبت لزماننا كاشفة للمنهج الإقصائى والميكافيلى والدموى إن لزم الأمر الذى تعتمد عليه جماعات الإسلام السياسى فى كل مراحلها.