أثر “كوفيد 19” على الزراعة المصرية.. الحلول والآليات المقترحة د. شريف فياض لا شك أن الزراعة المصرية، أحد القطاعات الإنتاجية المهمة التي تعمل على نمو الاقتصاد الوطنى من خلال المساهمة في زيادة إجمالي الناتج المحلى وتوفير الصادرات والمواد الخام اللازم للكثير من الصناعات الوطنية، بالإضافة إلى ان قطاع الزراعة هو المسئول بشكل أساسي عن توفير الغذاء واحد الابعاد الأساسية لمفهوم الامن الغذائي، ويوفر العديد من فرص العمل حيث إن نحو ربع القوى العاملة في مصر تعمل في مجال الزراعة. وبدون الدخول في تفاصيل الأرقام التي قد ترهق القارئ إلا أن ملخص الامر أن تأثر هذا القطاع بشكل سلبى سوف يؤثر على مجمل الاقتصاد الوطنى وعلى توفير فرص العمل، وبالتالى تهديد الأمن الوطنى وتعريضه للخطر نتيجة تأثيره فى قضية الامن الغذائي. ويتعرض العالم ومصر لأزمة فيروسية في الأشهر الأخيرة وهى جائحة فيروس كوفيد 19 المشهور باسم فيروس الكورونا، فمثل هذا الوباء يمكن أن يهدد قطاع الزراعة مثله مثل باقى القطاعات الاقتصادية الأخرى، وحجم هذا التأثير يتفاوت من قطاع إلى آخر. ولا شك أن قطاع الزراعة المصرى من القطاعات التي يمكن أن تتأثر بشكل سلبى وقد يزداد التأثير السلبى ويكون أكثر عمقًا وصعوبة إذا ما طالت فترة تأثير هذا الفيروس ليس في مصر فقط ولكن على مستوى دول العالم. وفى هذا المقال، سوف يتم تناول كيف يمكن أن يتأثر قطاع الزراعة المصرى من تلك الجائحة وعلى الأخص في مجالى الطلب والعرض للسلع الغذائية والتي تمثل الإنتاج والاستهلاك المحلى وكذلك على الصادرات والواردات الزراعية، خاصة ان مصر تستورد نحو 70% من غذائها من الخارج وكذلك على العمالة الزراعية المصرية وهو القطاع الذى تنتشر فيه ظاهرة الفقر بشكل اساسى. ثم أخيرا سوف يتم التطرق إلى اهم السياسات الزراعية التي لابد أت تأخذها الدولة المصرية للحد من التأثيرات السلبية التي قد يتعرض لها هذا القطاع من تأثير تلك الازمة. من حيث تأثيره على مجالات العرض المحلى للغذاء وذلك نتيجة قيود التنقل التي يمكن أن توضع بين المحافظات، وهو الامر الذى يؤثر على عرض الغذاء من ناحية وصول الغذاء إلى الأسواق وفي الأوقات الملائمة، بالإضافة إلى التأثير على وصول مستلزمات الإنتاج الزراعى وعلى الأخص الأسمدة والمبيدات، وكذلك توفير التقاوى المحسنة في الأوقات الملائمة، الامر الذى يؤثر على إنتاج الغذاء المحلى، وكل هذا يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية كبيرة إذا ما طالت فترة تلك الجائحة في مصر. وأيضًا توقف حركة التصدير أو تأثيرها السلبى عليه يمكن أن يؤدى إلى زيادة المعروض الداخلى من السلع التصديرية وعلى الأخص الخضراوات والفاكهة والبطاطس، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى زيادة عرض الغذاء محليا في تلك الحالة، وتتوقف اسعار تلك المنتجات بشكل اساسى على طول الفترة التي سوف تؤثر تلك الجائحة. أما بالنسبة إلى المعروض من السلع الاستراتيجية، يتوفر لمصر الآن مخزون استراتيجى يمكن أن يكون جيدا إلى حد ما وعلى الأخص السلع الاستراتيجية الأساسية مثل القمح الزيوت النباتية والذرة والسكر وغيرها. وهذا الامر لن يؤدى إلى ان تكون هناك مشكلة في العرض الداخلى لتلك السلع في المدى القصير جدا، خاصة انها سلع قابلة للتخزين، ولكن يمكن أن تكون هناك مشكلة للسلع غير القابلة للتخزين فترات طويلة مثل الخضر والفاكهة. ولكن يمكن أن تكون هناك مشكلة في عرض تلك السلع الاستراتيجية إذا ما طالت الفترة على المستوى الدولى بشكل اساسى، حيث سينخفض هذا المخزون الاستراتيجى، مع ارتفاع الأسعار العالمية كما هو متوقع على الأخص للسلع الاستراتيجية، فإن هذا الامر يمكن أن يؤدى إلى مشكلة أساسية في العرض الداخلى لتلك السلع الاستراتيجية. أما بالنسبة إلى الطلب المحلى، فلا شك أن الطلب على السلع الغذائية الزراعية بشكل عام هو طلب منخفض المرونة، مما يدل على ان كمية السلع الغذائية او الزراعية المطلوبة لن تتأثر بشكل كبير بالأسعار المحلية، ولكن يمكن أن تكون هناك مشكلة في الطلب المحلى على السلع الغذائية نتيجة الشراء العشوائى الذي يتم خاصة مع تطور الازمة وازدياد عدد أيام الحجر الصحى الذى يتم الآن. ومن المعروف، أن أكثر الفئات الاجتماعية طلبا على السلع الغذائية الفقراء بشكل اساسى، حيث إن نسبة كبيرة من إجمالي الدخل يتم إنفاقه على الغذاء، وعلى هذا فإن خفض الاستثمار وتخفيض فرص العمل الذي يمكن أن ينشأ نتيجة الركود الاقتصادى يمكن أن يؤدى إلى انخفاض الدخل الحقيقي لأكثر الفئات فقرا وبالتالي انخفاض الطلب على بعض المنتجات الغذائية. بالإضافة إلى أنه ونتيجة تلك الازمة وخاصة إذا ما طالت على المستوى العالمى فإنه من المتوقع ازدياد أسعار الغذاء العالمية، الامر الذى سوف يؤدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء محليا وعلى الأخص السلع الاستيرادية مع انخفاض الدخل الحقيقى للفئات الأكثر فقرا، والتي تعمل في القطاع غير الرسمي وهذا سوف يؤدى إلى مزيد من الفقر الغذائى لتلك الفئات، من خلال انخفاض الدخول الحقيقية لهم. اما بالنسبة إلى التجارة الخارجية على السلع الغذائية، تعتبر مصر مستوردا صافيًا للغذاء، حيث تستورد مصر قرابة ال 70% من احتياجاتها الغذائية من الخارج وأغلب تلك المنتجات هو غذاء يعتمد عليه الفقراء. وتصدر مصر بشكل اساسى الخضر والفاكهة، ومثل تلك الصادرات غير قابلة للتخزين بشكل كبير مثل السلع الغذائية الاستراتيجية الأخرى، وتلك الصادرات توجه بشكل اساسى الى السوق الأوروبى وهو سوق معرض بشكل كبير للإصابات من كوفيد 19، بالإضافة إلى الركود الاقتصادى الكبير الذى سيصيب تلك البلدان الأوروبية بشكل اساسى، هذا سوف يؤدى إلى انخفاض الصادرات المصرية من تلك السلع غير الاستراتيجية الموجهة إلى الأسواق الأوروبية، الامر الذى سيؤثر على الصادرات المصرية الزراعية بشكل كبير وخطير. مع العلم بأن صادراتنا من القطن والأرز قد تراجعت بشكل كبير نظرا لمحدودية المساحات لكلا المحصولين وانخفاض إنتاجية القطن على وجه الخصوص نتيجة عدم الاهتمام بهذا المحصول على مدار السنوات الأخيرة. اما على جانب الواردات المصرية، فكما ذكر ان مصر تعتبر مستوردا صافيا للغذاء وعلى الأخص السلع الاستراتيجية الأساسية، وتقوم مصر باستيراد أغلب احتياجاتها الغذائية من تلك السلع بشكل كبير من الأسواق الأوروبية والأسواق الامريكية وجنوب شرق أسيا، ولا شك ان ازمة كوفيد 19 قد جعل الكثير من تلك الدول تقوم بإجراءات حمائية على صادراتها حتى يمكن تكوين مخزون استراتيجي لها يزيد على احتياجاتها الفعلية، او اكثر مما كنت تخزنه قبل الازمة، بالإضافة إلى مطالبة بعض التنظيمات النقابية في تلك الدول لحكوماتها بوضع سقف لتصدير السلع الاستراتيجية او بمنع التصدير لتلك السلع حيث طالبت نقابة الخبازين المطاحن في أوكرانيا بوقف تصدير القمح الأوكرانى خلال الفترة القادمة مع زيادة الطلب العالمى على تلك السلع، حيث ان طبيعة المرونة السلعية لتلك الأنواع من السلع هي منخفضة وبالتالى من المتوقع زيادة الأسعار العالمية لتلك الأنواع من السلع الاستراتيجية وإن كانت تلك الزيادة لا يعلم إلى الان مقدارها تلك كما يمكن أن تتفاوت من سلعة إلى أخرى، ولكن هناك زيادة على الارجح سوف تحدث. وعلى ذلك يتبين ان الميزان الزراعى المصرى سوف يتأثر بدرجة كبيرة، حيث تقفل أسواق التصدير للسلع الزراعية التصديرية الخضراوات والفاكهة من ناحية وارتفاع أسعار بعض السلع الاستراتيجية التي تقوم مصر باستيرادها من جهة ثانية. أما على مستوى تأثير كوفيد 19 على العمالة الزراعية، وعلى أجور تلك العمالة، وكذلك على مستلزمات الإنتاج الزراعى وعلى الأخص الأسمدة والتقاوى، فمن الواضح انه نتيجة عملية الحظر التي تفرض بين المحافظات، بالإضافة إلى تخوف المجتمع من انتشار هذا الفيروس والحد من التنقل مثل هذا الإجراء سوف يؤدى إلى تقليل فرص تواجد العمالة الزراعية، الامر الذى قد يؤدى في بعض الأحيان إلى ارتفاع أجور العمالة الزراعية من ناحية، ولكنهم في نفس الوقت هم من المستهلكين للسلع الغذائية التي قد ترتفع أسعارها، ونتيجة انخفاض أسعار الطاقة فسوف يقوم بعض المنتجين خاصة الشركات التي تعمل في الاراضى الجديدة واراضى الاستصلاح بإحلال استخدام الآلات محل العمالة الزراعية، او يقوم بعض المنتجين الزراعيين بعدم زراعة المحاصيل التي تتطلب عمالة زراعية وهى تلك المحاصيل التي انخفضت مساحتها في السنوات الأخيرة مثل القطن، الأمر الذى يؤدى إلى انخفاض الطلب على العمالة الزراعية، وبالتالي انخفاض في الدخول الحقيقية التي يتحصلون عليها من النشاط الزراعى. هذا بالإضافة، الى ان عددا من تلك العمالة الزراعية ومن الاسر الحائزة لمساحات صغيرة يعمل بعض من افراد تلك الاسر في أنشطة أخرى غير زراعية وهى جزء من العمالة غير المنتظمة، ومع وجود حالة الركود الاقتصادى فإن جزءا من دخول هؤلاء الاسر سوف ينخفض نتيجة هذا الركود الاقتصادى. الامر الذى سوف يؤثر على الإنفاق العائلى على الغذاء خاصة وان أغلب الإنفاق العائلى على الغذاء بشكل اساسى ينفقه الفقراء. بينما على مستوى مستلزمات الإنتاج الزراعى خاصة التجارية منها، وبالأخص الأسمدة والتقاوى والمبيدات، فمن المتوقع ونظرا لانخفاض أسعار الطاقة العالمية فإن السعر العالمى للأسمدة سوف ينخفض، ونظرا لتوقف وانخفاض حركة الملاحة العالمية وظروف أزمة الركود الاقتصادى العالمى فسوف يؤدى هذا إلى رفع أسعار او تكاليف النقل لتلك السلع، ومن المتوقع ارتفاع سعر الدولار امام الجنيه إذا استمرت تلك الازمة لوقت اكبر، وعلى هذا فإن أسعار الأسمدة المستوردة وهى بالاساس الأسمدة البوتاسية سوف ترتفع إذا ما تم تقيمها بالجنيه المصرى، أما بالنسبة إلى الأسمدة النيتروجينية او الفوسفاتية فنظرا لانخفاض سعر الطاقة فإن الأسعار لن تزيد بشكل كبير علما بان أسعارها مرتفعة على مستوى المزارع ونظرا للتضخم المحلى والذي بلغ قرابة 7% على المستوى المحلى خلال شهر يناير 2020. بالنسبة للتقاوى وعلى الأخص التقاوى المنتقاة التى توفرها وزارة الزراعة الى المنتجين الزراعيين وعلى الأخص تقاوى الذرة والأرز لعمل الشتلات، فإن أسعار تلك التقاوى لن تزيد بشكل كبير على العام السابق وذلك في حالة ان قامت وزارة الزراعة من خلال الجمعيات التعاونية ومديريات الزراعة أما في حالة قيام التجار بتوفيرها فإن هذا سوف يؤدى على رفع أسعارها على الأقل بنحو 7% وهى نفس معدلات التضخم. وعلى هذا يتبين ان الذى سيقوم بدفع فاتورة أثر وباء كوفيد 19، على المستوى القطاع الزراعى وعلى المستوى القومى هم الفقراء بشكل اساسى نظرا لمحدودية دخولهم الحقيقية، وان اغلب دخولهم يتم إنفاقها على الغذاء الذى يمكن أن ترتفع أسعاره بشكل كبير خاصة إذا ما طالت فترة هذا الوباء على المستوى العالمى، لان اغلب هؤلاء الفقراء يعملون في القطاع غير الرسمي وبالأخص قطاع الزراعة وان هذا القطاع سوف تتأثر بشدة دخول العاملين فيه نتيجة حالة الركود الاٌقتصادى المنتظر حدوثة. هذا بالإضافة إلى التأثير السلبى على مستوى التجارة الخارجية، حيث مزيد من العجز في الميزان التجارى وعلى الأخص الزراعى الامر الذى ينعكس على إجمالي الناتج المحلى ومعدلات النمو المرتقبة. وعلى هذا وبعد استعراض أهم تأثيرات هذا الفيروس على أهم بنود قطاع الزراعة المصرى فالجزء التالى من المقال سوف يركز على اهم الإجراءات والتدبير التي يمكن ان نوصى بها للحد من التأثيرات السلبية من هذا الوباء على فقراء المزارعين من ناحية وعلى مفهوم الامن الغذائي وعلى الأخص محور الإتاحة للغذاء من ناحية أخرى. وسوف تتركز تلك الإجراءات على تعظيم دور الدولة المصرية ممثلة في وزارة الزراعة او الجمعيات التعاونية في التحكم في عمليات الإنتاج الزراعى والحصول على المنتج الرئيسى وعلى الأخص المنتجات الاستراتيجية من المزارعين، بحيث يتعاظم دور الدولة المصرية في تحديد المنتجات المراد زراعتها بشكل يحقق درجة أعلى من الامن الغذائي المصرى وعلى الأخص في تعظيم محور إتاحة الغذاء. وعلى ذلك سوف يتم تقسيم تلك الإجراءات على مستويين أساسيين: أولاً على المستوى القصير جدا وهى إجراءات لابد من اتخاذها في خلال تلك الأيام او هذا الشهر وهى إجراءات لابد من اتخاذها على حد اقصى في خلال الموسم الزراعى الشتوى القادم. هذا بالإضافة على إجراءات وسياسات متوسطة وطويلة المدى ولكن لن يتم التطرق إليها في هذا الجزء حيث تم التطرق إليها في مقالات سابقة وسوف يتم التطرق إليها في مقالات قادمة. أولا: إجراءات على المدى القصير جدًا أولى تلك الإجراءات على المدى القصير جدا، هو العمل على رفع المخزون الاستراتيجى خاصة من السلع الرئيسية وعلى راسها القمح ( سبق وان أعلن السيد وزير التموين أن المخزون الاستراتيجى للسلع يكفى لمدة ثمانية اشهر، ولكنه لم يعلن أى السلع التى تمتد لثمانية اشهر، علما بانه من الأهمية زيادة المخزون لأننا لا نعلم علم اليقين إلى اى مدى يمكن ان تستمر تلك الازمة على المستوى العالمى ومدى تأثيرات تلك الأزمة) حيث يجب إعادة النظر في سعر توريد القمح، وقد أعلنت الحكومة عن سعر توريد القمح بنحو 700 جنيه لللإردب اى 15 جنيها للإردب فقط زيادة على سعر التوريد فى العام السابق. وهذا السعر يعتبر غير مشجع نهائيا للمنتج الزراعى، بمقارنة هذا السعر بالأسعار العالمية يشير إلى وجود ضريبة ضمنية على المنتج الزراعى المصرى للقمح، هذا بالإضافة إلى ان بعض التجار يمكن أن يعرضوا سعرًا أعلى للإردب من الذى تعرضه الحكومة وبالتالي سيقوم المنتج الزراعى بالتوريد الى القطاع الخاص وليس الحكومة، وتشير بعض الدراسات إلى اهمية أن لا يقل سعر التوريد عن 750-800 جنيه للإردب إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية في توريد 3.5 مليون طن المراد توريدها. ثانى تلك الإجراءات في المدى القصير للغاية، هو ان تعلن الدولة المصرية عن رفع كمية التوريد للقمح من 3.5 مليون طن إلى 5 ملايين طن، خاصة وان الدولة المصرية لديها الان الصوامع التي يمكن أن تأخذ تلك الكميات، بالإضافة إلى ان جودة القمح المصرى أفضل من الاقماح المستوردة خاصة الأوكرانية والروسية، وهذا لن يحدث إلا من خلال رفع أسعار التوريد للقمح، مع العمل على منع القطاع الخاص من العمل في تجارة القمح المصرى خلال موسم التوريد هذا وان يكون التوريد لصالح الحكومة المصرية. ثالث تلك الإجراءات، هو العمل على عودة الدورة الزراعية مرة أخرى وعلى الأخص في الموسم الصيفى القادم مع تشجيع زراعات الذرة الشامية والأرز والذرة الصفراء وذلك من خلال توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى لهذين المحصولين بشكل اساسى مع توفير التقاوى المنتقاة بشكل كاف لهذين المحصولين وتوفيرهما في الوقت الملائم للزراعة سواء للذرة او لعمل شتلات الأرز. رابع تلك الإجراءات، هو أهمية الإعلان عن أسعار التوريد للذرة والأرز قبل الزراعة حتى يمكن تشجيع المنتجين الزراعيين لزراعة هذين المحصولين، وعلى الأخص للذرة الصفراء حيث ان أسعار التوريد لهذا المحصول غير مربحة للمنتجين مقارنة بالأرز والذرة الشامية، والتوسع في المساحات لهذين المحصولين حيث لا تقل مساحة الأرز عن مليون فدان والذرة سواء الشامية والصفراء عن 3 ملايين فدان، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الدورة الزراعية التي هي حتمية في الموسم الصيفى القادم، مع توفير مستلزمات الإنتاج وعلى الأخص التقاوى والأسمدة بأسعار ملائمة، وعدم تمكين القطاع الخاص من التحكم في سوق مستلزمات الإنتاج الزراعى. ثانيا- الإجراءات على المدى القصير أما بالنسبة للإجراءات على المدى القصير والذى يمتد إلى الموسم الشتوى القادم فيمكن تلخيص اهم الإجراءات للحد من التأثيرات السلبية لتلك الجائحة في النقاط التالية: أولا: أهمية التوسع في زراعات القمح والفول البلدى حيث إنهما من المحاصيل الاستراتيجية المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وبالأخص في الاراضى القديمة حيث إن إنتاجية تلك الاراضى مرتفعة مقارنة بالأراضى الصحراوية. على الرغم من أنه يوجد توجه سياسى بالتوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية في الاراضى الصحراوية وعلى الأخص في توشكى ولكن لتلك المسألة ظروف ومعاملات اقتصادية لا أود الدخول فيها في تلك المقالة، ولكن هذا التوسع في الاراضى الصحراوية لا يغنينا عن التوسع بشكل أساسى في هذين المحصولين في أراضى الوادى والدلتا. ويعتبر البرسيم هو المنافس الاساسى لهذين المحصولين في الأراضى القديمة بالوادى والدلتا، وعلى هذا لابد من الحد من زراعة البرسيم حتى تكون هناك مساحات في تلك المناطق للتوسع في القمح والفول بشكل اساسى. فالإضافة إلى أسعار توريد القمح التي لابد من زيادتها كما ذكر سابقا والتي يمكن ان تكون سببا رئيسيا لتشجيع المنتجين على التوسع في زراعة القمح، ولكن لابد من الحد من مساحات البرسيم على الرغم من أهمية هذا المحصول للإنتاج الحيوانى والتي يعتبر المحصول العلفى الرئيسى والذى يمد الحيوان بالبروتين الرئيسى اللازم للتحول الغذائي إلى لحم والبان، وعلى هذا يمكن الحد من مساحات البرسيم وعلى الأخص المستديم من خلال رفع إنتاجية البرسيم وذلك بالتوسع في استخدام تقاوى البرسيم المنتقاة بدلا من تقاوى البرسيم المرباه من قبل المنتجين والتي عادتة ما تكون منخفضة الإنتاجية، فباستخدام تقاوى البرسيم المنتقاة يمكن ان ترتفع الإنتاجية للبرسيم من 25% إلى 30% الأمر الذى يمكن أن يوفر ربع مساحة البرسيم المزروعة في الأراضى القديمة لصالح القمح والفول. وعلى هذا لابد من التوسع في توريد تقاوى البرسيم المنتقاة وان تكون متوفرة لكل المزارعين. هذا بالإضافة، إلى ان عملية خلط قش الأرز مع البرسيم (خاصة في الحشة الأولى التي تحتوى على نسبة بروتين مرتفعة نسبيا) يمكن ان توفر طبقا للدراسات التي تم إجراؤها نحو نصف المليون فدان من البرسيم يمكن ان يوجه إلى زراعات القمح والفول. وعلى هذا لابد من العمل على تعميم تلك التجربة من خلال الإرشاد الزراعى حيث لا يقوم عدد كبير من المربين بعمل هذا الخلط. وعلى ذلك ومن خلال استخدام التقاوى المنتقاة للبرسيم وكذلك عملية الخلط يمكن أن يتم توفير نحو 650 ألف فدان من الاثنين مليون فدان برسيم وإضافة تلك المساحة بشكل اساسى إلى كل من القمح والفول البلدى، حيث إن مثل هذا الإجراء يمكن أن يزيد مساحة القمح إلى نحو 3.9 مليون فدان بدلا من 3.3 مليون فدان وبالتالي ينتج قرابة 12 مليون طن بدلا من 9 ملايين طن، ويزيد مساحة الفول إلى قرابة 280 ألف فدان بدلا من 83 ألف فدان ينتج 400 ألف طن بدلا من 116 ألف طن. الامر الذى يؤدى إلى حدوث طفرة في إنتاج الفول بشكل اساسى بدلا من استيراده من الصين وإثيوبيا، وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي من القمح والدخول في النسب الآمنة للاكتفاء الذاتى من هذا المحصول المهم. ثانى تلك الإجراءات، وهو توفير التقاوى المعتمدة للقمح وتعميم استخدام تقاوى القمح المنتقاة او المعتمدة على مستوى مساحات القمح علما بان نحو ثلث المساحة المزروعة قمحا تزرع بالتقاوى المنتقاة العالية الإنتاجية وبينما ثلثا المساحة تستخدم تقاوى مرباه وهى منخفضة الإنتاجية. وان مثل هذا الإجراء سوف يؤدى إلى رفع إنتاجية القمح بشكل كبير على المستوى القومى. ثالث تلك الإجراءات في مجال التجارة الخارجية، والتي ستتأثر خاصة الصادرات المصرية الزراعية من الخضراوات والفاكهة، كما سبق القول في تلك المقالة هو التوسع في البحث عن أسواق أخرى مثل السوق الإفريقي والسوق الإسيوى حيث إن تلك الأسواق لا تعانى من تلك الجائحة مثلما تعانى الأسواق الأوروبية، بالإضافة أنها أسواق واعدة. أخيرا فإن تلك الجائحة التي تجتاح العالم والتي ستؤدى إلى أن يدفع فاتورة تلك الجائحة الفقراء سواء في داخل الدول او الدول الفقيرة والنامية والتي من بينها مصر لابد ان تعلمنا ان ترك الاقتصاد وعلى الأخص الغذاء والعلاج وفرص العمل الحقيقة في ايدى القطاع الخاص وعلى وجه الخصوص القطاع الخاص الريعى ولا يكون للدولة المركزية دور في هذا الأمر هو خطأ جسيم في حالة الازمات الاقتصادية الكبيرة سواء كان ركودا أو كسادا الامر الذى سوف يؤدى إلى ازمة اقتصادية كبيرة كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضى، وان الدولة الوطنية لابد أن يكون لها دور اساسى ورئيسى في إدارة الشئون الاقتصادية للبلدان، مع وجود اجندة وطنية في مجال الاستثمار توضع امام الأجندات الاستثمارية الخاصة، بل وتقوم بتوجيه تلك الأجندات الاستثمارية الخاصة لإدارة الاقتصاد بشكل متحكم فيه من الدولة المركزية والصين الشعبية بقيادة الحزب الشيوعى الصينى خير مثال على هذا في إدارة تلك الأزمة الجائحة التي اجتاحت الصين في الأشهر السابقة.