*بقلم عيد عبد الحليم:إذا كانت الأمم تقاس بأيامها المجيدة، فإنها أيضاً تقاس بمبدعيها ومفكريها وفنانيها الذين عملوا على تطوير العقل الإنساني ، بما قدموه من إبداع وفكر وفن تتوارثه الأجيال . الأمم المتقدمه تكرم مبدعيها في حياتهم ، ففرنسا على سبيل المثال فعلت ذلك مع فيكتور هوجو ، أديبها الشهير عند بلوغه الثمانين ، حيث احتفلت بعيد ميلاده ، كأنه عيد من أعيادها القومية ، فأقيمت له أقواس النصر في شارع إبليو ، بباريس ، وهو الشارع نفسه الذي عاش فيه “هوجو” ، والغيت الدراسة يومها في المدارس والجامعات. وفي اليوم التالي دخل “هوجو” المجلس التشريعي الفرنسي، فوقف أعضاؤه تقديراً واحتراماً له، وأكد رئيس المجلس حينذاك ” ليوتس ” على القيمة الإبداعية لهوجو قائلاً : “لنقف جميعاً فالعبقري هوجو بيننا، وهذا يكفي ” ثم أعلنت الحكومة الفرنسية تغيير اسم الشارع الذي يسكن فيه ” هوجو ” من شارع إبليو ” إلى شارع هوجو” . هكذا تحتفل الأمم بمبدعيها ، الذين يمثلون ضميرها الحي ومخيلتها الوثابة، ويشاركون بفعالية في حراكها الاجتماعي والعقلي ، وفي إنتاج نصوص تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، بحيث تتحول الكتابة إلى فعل وجودي يتم بخلق عوالم جديدة ، قدر وقوفها الراصد للمتغيرات الواقعية. أما نحن في بلدنا الطيب لا يجد المبدعون الرعاية الكافية صحياً وأدبياً، فكثير من المبدعين إذا أصابهم الكبر أو المرض لا يجدون العلاج الكافي، وهذا ما رأيناه في السنوات الماضية ، فرغم وجود منحة من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة لاتحاد كتاب مصر منذ أكثر من عشر سنوات وقيمتها 20 مليون جنيه أعطاها لاتحاد كتاب مصر لعلاج الأدباء، إلا أن هذه المنحة لم يستفد منها أحد من الأدباء ، الذين تعرضوا للمرض ونذكر منهم بعض الراحلين أمثال الروائي علاء الدين ، الذي تم احتجازه في المستشفى لأنه لم يقدر أن يسدد فواتير العلاج ، ورغم تدخل وزارة الثقافة بطبع بعض أعمال ليتسنى من عائدها دفع هذه الفواتير ، وظل اتحاد الكتاب في صمت تام ولم يقدم شيئاً . وحدث نفس الأمر مع الشاعر الراحل حلمي سالم ولولا تدخل بعض الأصدقاء من الأدباء مثل الأديب محمد سلماوي والشاعر عبد العزيز موافي الذين توسطوا عند المجلس العسكري وقتها والذي أصدر قرارا بعلاج حلمي “في المستشفي العسكري بالمعادي” . وظل الروائي الكبير صبري موسى صاحب رواية ” فساد الأمكنة ” و” حادث النصف متر ” وكاتب سينارير فيلم ” البوسطجي ” الذي يعد من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما العربية ، ظل طريح الفراش والمرض لسنوات ، دون أن يقدم اتحاد الكتاب شيئاً لعلاجه، حتى توفى منذ سنوات قليلة ، رغم ما قدمه للثقافة المصرية والعربية . ومنذ شهور قليلة تعرض الشاعر رفعت سلام أحد أهم شعراء جيل السبعينيات في مصر والعالم العربي لأزمة صحية عنيفة ، أستلزمت علاجه لفترة، وبمبلغ لم يقدر عليه، وطالب الأدباء اتحاد الكتاب بأن يتدخل لكنه لم يفعل شيئا، في حين وجدنا د.عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة يعلن مساهمة الجامعة في جزء من علاجه، على اعتبار أن ” سلام ” خريج كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وسمعنا أن رجل الأعمال نجيب ساويرس ساهم بجزء أيضاً، في حين ظل دور اتحاد الكتاب غائباً . وحالياً تعرض الروائي الكبير محمد جبريل، لأزمة صحية صعبة وهي ليست الأولى له إلا أن اتحاد الكتاب ظل عند تجاهله لمثل هذه الأمور، وتدخلت وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم ، وساهمت في نقله إلى احدى المستشفيات، لكن أمر العلاج يستلزم مبلغ أكبر . ومن الجدير بالذكر أن “جبريل ” عضو في اتحاد الكتاب، بل كان في وقت من الأوقات عضو مجلس إدارة فيه إبان تولى الشاعر الراحل فاروق شوشة لرئاسة الاتحاد. وحين تسأل أين ذهبت منحة الشيخ القاسمي الخاصة بعلاج الأدباء، لاتجد إجابة شافية من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد برئاسة د. علاء عبد الهادي ، البعض منهم يقول إنها دخلت في ميزانية الاتحاد، وهنا لنا أن نتساءل إذا كانت هذه المنحة الكبيرة قد دخلت خزينة الاتحاد لماذا لا يعالج الاتحاد أدباء مصر، من أجل حفظ كرامتهم، وحفاظاً على مكانتهم الأدبية التي حققوها بالكفاح والنضال والمثابرة ، وما وظيفة الاتحاد والذي تحول إلى نقابة للأدباء والكتاب “، إذن؟ إن من أولى أولويات العمل النقابي رعاية أعضاء النقابة؟ في الغرب الكتابة الأدبية تعد مهنة يعيش منها الأديب ، لكن الأديب عندنا يظل معذباً بموهبته، وهو يكابد اللحظات الصعبة في البحث عن لقمة العيش.. حتى إذا مرض لم يجد من يعالجة . وصدق المتنبي حين قال منذ أكثر من ألف عام: وكم ذا بمصر من المضحكات/ لكنه ضحك كالبكاء