توفقت مفاوضات سد النهضة الاثيوبى ، لحين إشعار آخر، عقب امتناع اديس ابابا عن حضورالجلسة الاخيرة بواشنطن، للتوقيع على اتفاق شامل بين الدول الثلاث “مصر – السودان – إثيوبي”، بعد سلسلة من الاجتماعات الفنية التفصيلية، وبرعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية والبنك الدولي، وتتصاعد حدة الاحداث والتطورات فى الملف، حيث تواصل اثيوبيا تعنتها ازاء المفاوضات، خاصة بعد الاعلان الاثيوبى عن نية البدء فى ملء خزان السد بعد أربعة أشهر من الآن دون اتفاق، وذلك من خلال تصريح وزيرى الخارجية والرى ب”الأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والمال الذى يبنى به السد مالنا، ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”، التصريح الذى يعكس عدم الالتزام بمبادئ القانون الدولى فى الاستخدام العادل والمنصف لمياه الأنهار الدولية وعدم التسبب فى ضرر جسيم لأية دولة اخرى، مفتقدة بذلك احترامها أن النيل نهر دولى ولا يمكنها التحكم فيه وحدها وإخضاع الدول الأخرى لارادتها المنفردة. وفى المقابل، تواصل مصر سلك طريق المفاوضات الدولى والسلمى للحفاظ على الامن القومى المائى، رغم الاعلان عن رفض الخارجية، للبيان الاثيوبى الاخير، حول قرار مجلس جامعة الدول العربية” جملة وتفصيلا”، حيث وصفت البيان بعدم اللياقة وافتقاده الدبلوماسية وانه انطوى على إهانة غير مقبولة للجامعة ودولها الأعضاء. واشار بعض خبراء المياه الدوليين، الى ان المادة العاشرة من اتفاق المبادئ ينص على اللجوء إلى طرف دولى ثالث يساعد فى التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ للدول الثلاث حقوقها دون افتئات على مصالح أى منها، وهو ما حدث بتدخل واشنطن والبنك الدولى، وموافقهتا على التوسط الأمريكى، إلا أنها تملصت من نتائج المفاوضات، مضيفين اننا اصبحنا امام واقع واضح بكل ملابساته ،وهو ان الموقف المصرى معلن ومعروف، حيث إنه “لا ملء الا باتفاق الاطراف”، علاوة على سعى الرئيس عبدالفتاح السيسي لاطلاع الأشقاء العرب بالتطورات المرتبطة بملف السد، والتطورات المتصلة بالموضوع وما وصلت إليه هذه المرحلة، والتنسيق مع القادة العرب، خاصة حينما تتعلق الأمور بقضايا مركزية وحيوية تتصل بالأمن القومي العربي بصفة عامة، وفى المقابل نجد المراوغة الإثيوبية بحجة ان التنمية والكهرباء من حق مواطنيها، بالاضافة الى تصعيدها الموقف بسحب سفيرها بالقاهرة ودول أخرى للتشاور بعد القرار الذى أصدره وزراء الخارجية العرب برفض المساس بحقوق مصر فى مياه النيل واعتبار الأمن المائى لها جزءا لا يتجزأ من الأمن القومى العربى. اما عن الموقف السودانى، فكان أسوأ ما فى المشهد، خاصة بعد تحفظ السودان على قرار جامعة الدول العربية حول الازمة وطلبها عدم ذكر اسمها فى متنه، الامر الذى فاجأ الجميع ، واعربت الخارجية المصرية عن اسفها لهذا التحفظ، واستجابتها لطلب حذف الاسم من مشروع القرار، رغم أن التعديلات اللاحقة التي اقترحها السودان جاءت لتفرغ النص من مضمونه والإضعاف من أثر القرار، وفيما يخص الدولة الوسيطة، فقد تباينت المواقف بين إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ، وبين وزير الخزانة ستيفن منوشينو ووزير الخارجية مايك بومبيو، حيث ارتبكت الاراء ما بين ضرورة تطبيق معايير السلامة الدولية قبل الملء وأهمية التوصل إلى اتفاق يحمى دولتى المصب من أى أخطار جسيمة، ودعوة اثيوبيا والسودان للتوقيع على الاتفاق أسوة بالتوقيع المصرى عليه بالأحرف الأولى، وبين حيرة الادارة الامريكية فى إدارة مصالحها الاستراتيجية مع مصر وإثيوبيا دون أن تغضب إحداهما، الامر الذى غير من الموقف نوعا ما عندما صرحت الولايات بأن المفاوضات قد تستغرق أشهرا قبل الموعد المحدد للتوقيع على الاتفاق الذى غابت عنه إثيوبيا، وكأنه دعم وتشجيع مسبق على عرقلته، وهو ما يؤكد ان الأزمة سياسية لا فنية والحل سياسى لا فنى. من جانبه، اكد دكتور” احمد فوزى دياب”، خبير المياه بالامم المتحدة ، ان التصريحات الاثيوبية الاخيرة اتسمت بعدم الدبلوماسية والتى يبدو أنها ازدراء للقانون الدولي بشأن تقاسم الأنهار العابرة للحدود، مشددا على ان جميع السيناريوهات مطروحة ، دون استبعاد ايا منها، فى ضوء التصعيد المستمر للاحداث، سواء على المستوى السياسى او الدبلوماسى، من خلال جعل دول صديقة لمصر تمارس الضغط على اثيوبيا لاتخاذ موقف متعقل تجاه المفاوضات، خاصة وان القاهرة تحافظ على موقفها الملتزم بالتفاوض لاخر لحظة، مضيفا ان دور الولاياتالمتحدة لا يزال هو المفتاح للمفاوضات المستقبلية، حيث إن 2020 هي سنة الانتخابات بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسيكون لعبه دورا في الازمة أمرا جيدا بالنسبة لفرصه في الانتخابات، كما أن هناك أرضية مشتركة بين الأطراف الثلاثة، وربما تسمح الجهود التي تبذلها الولاياتالمتحدة بالتوصل إلى اتفاق، ولكن اللجوء الى مجلس الأمن والتحرك فى محيط العربى والإفريقى ومع الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، قد يكون خيارا ضروريا آخر لإثبات الحق المصرى وفق قواعد القانون الدولى ونصوص الاتفاقيات الموقعة فى مسألة حياة أو موت قد تفضى إلى حرب مياه عسكرية إذا ما ضاقت السبل الدبلوماسية. واوضح “دياب”، ان الدول المستفيدة من مياه نهر النيل لن تسمح لإثيوبيا أن تحجب مياهها عنها حتي لو أدي ذلك إلي حروب مع هذه الدول وعلى اديس ابابا أن تدرك أنها في مواجهة دول كثيرة ومؤثرة دولياً، وبناء عليه لابد ان تتجاوب مع الاتفاقات، فلن تكون قادرة على مواجهة هذه الدول ولن يكون السد محمياً بسبب عنادها، والجميع يعلم جيدا ان التعسف الاثيوبى مقصود والمماطلة متعمدة حتى توضع مصر أمام الأمرالواقع عند البدء فى ملء وتشغيل السد، مضيفا ان مصر خاضت مسارات تفاوض عديدة، وعملت على التوصل لتفاهم وتوافق، و أبدت كل المرونة والتفاهم لمواقف الشركاء الآخرين، ومازالت تواصل العمل لتشجيع الأطراف السودانية والإثيوبية على تقدير الإيجابية المتصلة بالاتفاق الذي تم بلورته والمكاسب المشتركة وفتح قنوات التعاون، ما ينتج عنه تغيير للموقف وإبداء الرغبة في استعادة التواصل والتوقيع على الاتفاق.