حوار / نسمة تليمة ” الى الأماكن التى صنعت هويتنا، الأماكن التى رحلت، والأماكن التى ستبقي الى الأبد”..كان ما سبق الاهداء الذى فضل بطل حوارنا أن يبدأ به مسرحيته الشعرية “جراج الأوبرا” فكانت لتلك السطور إشارة جيدة حين لم يبتعد كثيرا عن محبته للحكي عن الأماكن وأشخاصها، لينثر تفاصيلها على الورق الذى يخشاه مؤمنا بالتجارب الذاتية، منذ أن كتب “الورد البلدي” وحاول أن يوثق لحظة مكتملة بداخله عن ثورة يناير، مرورا ” بجراج الأوبرا” وفتح الستار على جراج قديم مكون من عدة طوابق، مسافرا الى الإسكندرية محبوبته، ليشهد ما يدور داخل “ترام الرمل”، وما بين 5 دواوين لشعر العامية و6 مسرحيات شعرية ومشروع لتوثيق شخصيات مصرية ربط فيها بين الزجل والرسم، وثلاث روايات قيد النشر :”كل جذري الوحيدة”، الناقوس الزجاجي” و”العودة”. أخر ما قدم كان “الفيلسوف” عرضت على مسرح المركز الثقافي الفرنسي بالإسكندرية عن الشاعر الكبير صلاح جاهين، وما بين روايات مترجمة وأغان لبعض الفرق المستقلة، يروي ميسرة صلاح الدين الشاعر السكندري تجربته داخل مساحات جديدة أوجدها لنفسه، حين ذهب بإرادته الى المسرح الشعري وهو رافد ابداعي مميز بعيد ولم يكتف بذلك فدخل ماراثون الترجمة، واضعا عينه على صراعات حياتية كثيرة يتأملها في هدوء ويطاوعه في تأمله الورقة والقلم والإلهام. تجربة كتابة الزجل ومشروع ” زجلوتير” كيف بدأت؟ وكيف تراها الآن بعد فترة من الوقت؟ – تجربة زجلوتير، جاءت فكرتها في الفترة التي أعقبت ثورة يناير ،حيث ظهرت سلبيات في الشارع المصري وكان هناك تركيز من الإعلام على تلك السلبيات ووقتها ظهر تشويه متعمد للشخصية المصرية وإبراز لشخصيات أخري لا تستحق إلقاء الضوء عليها، ولكن لغرابتها ممكن أو لدورها المؤثر في مجالات مختلفة وخروجها تتحدث دون علم كاف، ولأنني لدى إيمان راسخ أن الشخصية المصرية شخصية قوية وعظيمة وطوال الوقت لديها القدرة على العطاء والابداع في كل المجالات وأنه من المهم أن نسلط الضوء على النماذج الجيدة منها والتى صنعت تاريخ مصر ولم تنقطع منذ بداية التاريخ و حتى اليوم، من هنا جاءت فكرة “زجلوتير” والشاعر حين يبدأ العمل بهدف اجتماعي يحتاج أن يغير من أداوته بشكل أو بأخر، لم يكن الزجل طريقتي ولكنه الطريقة الأنسب في طرح الفكرة، حيث القالب الزجلى التقليدي الأقرب إلى القارئ العادي غير المهتم بالحداثة أو التقليد. – لكن ألا تتفق معي أنها حملت رهانا فى احتمالية قبولها ؟ الموضوع له شقان الأول أن الزجل غير مطروح على الساحة، كما أنني لست زجالا أنا شاعر عامية، وحتى في بداياتي لم أكتب زجلا، والمشروع جعلني أطور أدواتي وأصفه “بالتطوير” رغم اعتماده على قالب قديم لأنه مختلف، فكان قالب الزجل المتعارف عليه للناس العادية مصحوبا بصورة لأننا نتحدث عن شخصيات بورتريه زجلي عامي، الشخص الذي يقرأ تصل إليه معلومة إسهامات الشخصية المصرية المكتوب عنها، وبالفعل اشتغلت على اقتصاديين وأدباء وفنانين وأطباء وعسكريين ثم توقف المشروع ولكن لم ينشر كل شخصياته بعد . – هل يحتاج المشروع إلى تطوير؟ اعتقد الخطوة القادمة للمشروع هي طرح الشخصيات في كتاب، لأن بعضها لم ينشر بعد، هو معتمد على فنى الرسم والزجل ويمكن إدخال فنون أخري . – وماذا عن قالب المسرح الشعري وهو لون أيضا شبه مختفى؟ – قالب الكتابة المسرحية الشعرية مرتبط بكوني أكتب شعرا، في بعض الأحيان الشاعر يحتاج أن يعبر عن أشياء مختلفة قد تكون خارج دائرة قناعاته وتجربته، فكرة الأصوات المختلفة في العمل التى تمثل وجهات نظر مختلفة والحوار بينهم وبين بعض، أبحث عن قالب مختلف عن القصيدة التي تحمل جزءا من تجربتي في الحياة، المسرح جزء من تجربتي أيضا ولكن بشكل مختلف لأنه يحمل الكثير من الاصوات، حين بدأوا التأريخ لفن المسرح كان من اهم الكتب لأرسطو “كتاب فن الشعر” له مقولة لا أنساها فيما معناها أن الشاعر هو صانع الحبكات الدرامية، وهو هنا يكاد يقصد الحبكة المسرحية، لأن الشاعر اليوناني كان هو الشاعر المسرحي، الجميع يسير في نفس الاتجاه. في لحظة من اللحظات شعرت بشيء احتاج إلى قوله، ولم يكن لدي خطة معينة لكتابة المسرح، ولكن مجرد أفكار وأصوات أريد التعبير عنها والقصيدة لم تكن الأنسب فكانت المسرحية الشعرية، أول تجربة كانت الورد البلدي 2012، تحدثت عن ثورة يناير. – ألا تتفق معى أن فكرة الكتابة عن الحدث وتعاطى الأديب معه يحتاج الى سنوات كثيرة لهضمه ورؤية زواياه ؟ – لم يكن هدفي التأريخ للثورة، ولكن لدي مجموعة مشاهدات تحتاج إلى الكتابة وقتها كانت حقيقية ومكتملة، فكان المشهد مكتملا، الصورة العامة هل الكاتب وظيفته يكتب نصا يعبر عن الصورة العامة أم لا ، أعتقد أنه من الممكن أن تكتب عن الحرب من خلال سيدة بسيطة تستمع إلى الراديو حول الحرب وأحداثها وتكون لحظة مكتملة، وأنت بالنسبة لك ككاتب اللحظة المكتملة أيضا، تطورات الأحداث لن تعرفها في كل الحالات. – متي تكون الأزمة إذن ؟ – الأزمة تكون في الادعاء، حين تكتب بحكم قيمي، و تحكم على كل شيء بيقين، أنت محتاج وقت للحكم، وهل هو صحيح أم خطأ يرجع للتاريخ لكن تفاعلك مع لحظة حدثت بالفعل، صادقة، وبشكل عام أى كاتب بعد فترة يعيد تقييمه لعمله، ويطرح كتابة جديدة، لذا أري “شغلى” على المحك، أعيد تقييمه دائما واحتاج لتطويره وبذل مجهود أكبر فيه . – لماذا نكتب؟ – كل شخص من الممكن أن يكون لديه أسباب تخصه للكتابة او دوافع بعينها، أتحدث عن نفسي، الكتابة في حد ذاتها هي هدف، وتحدٍ للحياة اليومية، هناك حالة من الوجود والاشباع الذاتي الخاص تدفعني دائما للكتابة واعادتها وجعلها أفضل، وبعض الأحيان يكون لدي مشاريع بعينها. – متي تقسو على نفسك ككاتب؟ – في كل مرة أمسك القلم للكتابة أتعامل مع نفسي بقسوة، وتشتد القسوة بعد أن انتهي من الكتابة وأترك العمل فترة لمراجعته، والحقيقة ان الامر في ظاهره قسوة ولكنه في الحقيقة خوف ورهبة، أخشى دائما أن أواجه الورق وأن أطرح أفكاري، وأشعر أن هناك تحديا كبيرا بين الذى أكتبه وبين كل ما كتبته في السابق، وينقلب هذا الخوف الى قسوة تجعل الكتابة أكثر صعوبة في كل مرة . – هل الكتابة تعطيك صورة عن العالم ؟ – الدافع عندي في لحظة الكتابة ليس له علاقة بالعالم، ولكن له علاقة بالتجربة الممتدة تجاه الأشياء و الأشخاص المحيطة، أري أن الكاتب أو الشاعر أو الروائي أو السيناريست يكتب عن الأشياء التي يعرفها، من خلال رؤيته وفهمه لها، حتى يمكنك الاستمرار لابد أن تعيد اكتشاف الأشياء التي تعرفها، وتتفاهم وتتفاعل معها بشكل جديد وتبحث عن معارف جديدة، تخوض تجارب جديدة تتأمل مناطق جديدة لم ترها من قبل، وتخلق حالة من الذاتية، وأيضا تخلق علاقتك بالعالم، لأنك تنظر للأشياء حولك وتعبر عنها وعن الآخرين ويصل للناس بصدق. – هل هناك صعوبة في التعامل مع أشكال الفنون المختلفة واستثمارها في تجربتك ؟ – كل خطوة تحتاج الى فترة كبيرة جدا من الجهد والإعداد حتى تكون مستعدا لها، حين بدأت اشعر بحاجتي لكتابة مسرح فكرت في تأهيلي لهذا، كان لدي بعض النقاط الأساسية لأنني احتككت بالمسرح المدرسي والمستقل، اشتغلت على نفسي لفهم المسرح والخشبة والحوار المسرحي، نفس الكلام بالنسبة للترجمة، لكن المسرح والشعر عموما شراعان في قارب واحد والأصول الخاصة بهم مقتربة جدا من بعضها، المسرح اليوناني الشعري والشعر العربي وقصائد وصف الحبيبة والخيمة وغيرها كان يوصف بشكل مسرحي وبأداء مسرحي. – كيف تري حركة الترجمة ولك فيها أيضا باع؟ هناك عدد كبير من المترجمين ولكنه غير كاف، نحتاج الى الانفتاح بشكل أكبر على الثقافات، عدد المترجمين الجيدين والمخلصين غير كاف. – وماذا عن حركة النقد وعلاقتها بك كمبدع؟ – الحقيقة أنني لا أهتم بالنقد كثيرا أو أضعه فى الحسبان، رغم أمنياتي أن تتعرض أعمالى للنقد لكن عندنا ازمة فى الكتابة النقدية ليس لأنه لا يوجود نقاد لكن بسبب التواصل بين النقاد والكتاب وبين دور النشر والنقاد، مما يجعل حركة النقد بها معوقات تجعل المعادلة غير منصفة لكل المبدعين، وإن كان حظي جيدا فى كتابة بعض النقاد عني مما منحني فرصة رؤية أعمالى بشكل مختلف .. – استندت في مسرحية الآخر لمقولة سيمون دي بفوار ” المرأة لا تولد امرأة ولكن تجعل امرأة” ألم تر أن العنوان ابتعد قليلا وكأنه توجه تطرحه على المشاهد ؟ كتبت ” الآخر ” من وجهة نظري قد أكون مخطئا أو مصيبا، وموضوع المرأة من موضوعات ملهمة، عملت عليه بصور مختلفة، لأنها تحمل الكثير من الأبعاد طوال الوقت منها فكرة المرأة الشرقية، والحالة الحقيقية الموجودة عليها في مجتمعاتنا، لأن المطروح كحياة ومشاكل، مرتبط بقضايا غير آنية، تغيرت على مدار السنين، ليست بنفس صورة السنين الماضية، طبيعتها أيضا اختلفت في القرن ال19 عن 2000 الصعوبات زادت وظهرت أنماط جديدة ، بدأ الشغل على الموضوع ده في ديوان “الأسد الحلو” واكتشفت كمان ان في حالة من صراع الأجيال، كما قدمت الفكرة في مسرحية أحوال شخصية وبعدها الآخر.طوال الوقت الجميع مختلف، وكل شخص هو أخر، اجتماعيا اقتصاديا ثقافيا ومن هنا كانت الفكرة. – إدوارد سعيد كان له تعبير يقول ” يجب على المثقف أن يكون على يسار السلطة” إلى اى مدى تتفق؟ فكرة أن يكون لى موقف محدد من السلطة يمين أو يسار في حد ذاته يجعلني داخل نمط بعينه، أنا كاتب مطلوب مني أن أرصد ما يحدث حولي وأعبر عنه في حالة تأثيره تأثيرا يؤدى إلى كتابة إبداعية، قد أكون موافقا أو غير موافق، ممتنا أو رافضا ولكن أنمط نفسي يجعلني في حالة من الحرج لأني في بعض الأحيان قد تتفاعل مع شيء وغير قادر على الكتابة عنه، الكاتب يختار أن يكون على يمين أو يسار السلطة من البداية، ولنا الحق نرفض ونقبل أشياء . – ما هي الصعوبات التي تواجهها في الكتابة؟ في كثير من الأحيان صعوبات تتعلق بطموحاتي في الكتابة تحتاج أن تشحذ إرادتك وحصيلة خبرتك ومعلوماتك لتحقيق هدفك، وأحيانا نقص معلومات في جانب بعينه أو وجود تعتيم مصدر صعوبة ويحتاج إلى جهد كبير جدا في بعض القضايا للوصول إلى نقطة تنطلق منها. – ما هي أخر أعمالك ؟ – رواية العودة مترجمة للأديبة ” دولسى ماريا كاردوسو”تدور بين أنجولا والبرتغال، وتقوم فكرة الرواية على عودة المهاجرين البرتغاليين الذين عاشوا في أنجولا وكيف شعروا بالغربة في البلدين، حالة الغربة للأبطال فى الرواية صعبة، الاغتراب الذاتي المركب، وهذه الرواية تم اختيارها من أفضل 10 روايات في أوروبا. – هل الجوائز مهمة في تقديرك ؟ – الجائزة تقدير من وجهة نظر لجنة التحكيم، بالنسبة لى التقدير الذاتي مهم جدا وهو ان أكون راضيا عن عملي، أفرح باشارة بسيطة لشخص قرأ العمل، أو حضر عملا مسرحيا وتحدث معك بامتنان أنه لمس ما قصدته أراه تقديرا كبيرا جدا وعفويا وصادقا.