قال الدكتور أحمد يوسف أحمد، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمدير السابق لمعهد البحوث العربية، إن الامن القومي العربي يمر بحالة متردية ونحن منذ بدايات القرن العشرين، لغزوات خارجية هددت ولاتزال تهدد المنطقة، وتداعيات الغزو الامريكي على العراق تمتد للوطن العربي كله، ثم حدثت موجة الربيع العربي التي كانت اشارة لمرحلة جديدة في تطور النظام العربي، ولكنها نتيجة عوامل معقدة، افضت الى تداعيات مازلنا نعاني منها حتى الان، وهناك تهديد حقيقي يحيط بمفهوم الدولة الوطنية العربية، وعلى رأسها سوريا من بعد العراق، والصراع في اليمن وليبيا وغيرهم، وتزامن الغزو الامريكي للعراق ثم الربيع العربي ادى الى مجموعة من التهديدات، لجميع الدول العربية للدول التي شهدت ثورات وحتى التي لم تشهد ثورات استنزفت مواردها في عملية وقائية لنفسها من هذه التهديدات، ونذكر كيف حقق الارهاب نقلة نوعية في التاريخ المعاصر، ويصل الامر الى ان يكون دولة وتصمد هذه الدولة لثلاث سنوات ولها مواردها، وكانت هناك اياد خفية وقفت وراء هذا الارهاب، وتسبب الامر في اختراق مروع للنظام العربي الذي كان قادرًا على صد هجمات سابقة مثل حلف بغداد، ومشروع ايزنهاور، والان عندما ننظر نجد ان هذا النظام مخترق من كافة القوى الاقليمية والعالمية، والدليل الصراع الدائر في سوريا والذي افلتت خيوطه، بين جميع الايادى، وهناك دول عربية مولت جماعات وحركات ارهابية بهدف اسقاط النظام ولكنها لم يعد لها اليد العليا فيما يحدث هناك. جاء ذلك خلال ندوة الامن القومي العربي، المخاطر، والتحديات، والاولويات التي نظمها منتدى خالد محيي الدين بحزب التجمع، الاربعاء الماضي، بمقر الحزب المركزي، والتي ينسقها الكاتب الصحفي خالد الكيلاني. وأضاف “يوسف” ان ازمات الامن القومي العربي ليست بالجديدة، فكان منذ زمن اعلان دولة اسرائيل، وهزم العرب في الجولة الاولى ثم اتت مرحلة التحول الوطني، وكانت هناك هزيمة 1967، ثم كان هناك التضامن العربي في حرب اكتوبر 1973، وكانت هناك الانقسام المصري العربي حول السياسية المصرية الجديدة تجاه اسرائيل لكن الصف العربي عاد الى الإلتئام مرة اخرى، وكان هناك انقسام عربي حول غزو العراق للكويت لكن التئم ايضًا، وربما كل مرة كانت عودة اللحمة للصف العربي تستغرق وقتًا اطول، ونحن الان في حال سيئ منذ 2003 في الغزو العراقي وامامنا سنوات اخرى، ونحن الان في وضع جديد يحتاج الى تحرك اسرع. وأكد “يوسف” ان التهديد للامن القومي العربي كان متمثلًا في مصدر احادي يتمثل في الخطر الصهيوني، ومن ورائه قوى الهيمنة العالمية، والصورة كانت شديدة الوضوح، واعتبارًا من سبعينيات القرن الماضي بدأ تغير جديد في السياسة في الاقليم، وذلك بنجاح الثورة الايرانية في 1979، وهي كانت ثورة شعبية، ولكنها افرزت نظامًا سياسيًا له مشروع، وهو ما نسميه مبدأ تصدير الثورة، وهما يسمونه نصرة المستضعفين، وهناك ارادة ايرانية بنشر هذه الثورة للخارج، واخطر تداعيات هذه الثورة كانت الحرب العراقيةالايرانية، وفي ذلك الوقت كان العراق حائط صد حقيقي لامكانية اختراق ايران للوطن العربي، وبعد ذلك جاء المتغير الثاني الذي هدد الامن القومي العربي وهو غزو العراق للكويت، والذي قسم الدول العربية كما لم ينقسموا من قبل، والاخطر من هذا ان غزو الكويت اوجد مبررا للعرب ان يطلبوا دعمًا خارجيًا للقضاء على هذه الغزو، واصبح هناك مكون اجنبي في قضية الامن القومي العربي، ولايزال موجودًا ومهيمنًا حتى الان. وأشار “يوسف” انه في اعقاب الغزو الامريكي للعراق، ايران وجدت فرصة اكبر، لتمديد نفوذها سواء في العراق او بعض الدول العربية، وصلنا الى ان يأتينا تصريح من احد المستشارين في ايران يقول فيه، انه اصبحت هناك امبراطورية ايرانية عاصمتها بغداد، وتضم ايرانوالعراقوسوريا ولبنان واليمن، وعلينا الان ان ندرك مدى خطورة هذا الامر، اما تركيا فنحن تعودنا منها على على انها دولة تابعة للولايات المتحدةالامريكية ولكن ببزوغ نجم حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان، صور نفسه على انه نصير للعرب في القضية الفلسطينية ضد اسرائيل واستطاع ان يحقق لنفسه شعبية، وفي اعقاب الربيع العربي تبنى تنظيمات الاسلام السياسي، فدخل في نوع من انواع الصدامات مع عدد من الدول العربية التي وقفت ضد تمدد الاخوان في الوصول للحكم، واصبحت تركيا بمشروعها السياسي هي الاخرى تعتبر مصدر من مصادر تهديد الامن القومي العربي، فتركيا تعادي مصر باحتضانها تنظيم الاخوان المسلمين الذي يريد تقويض النظام المصري الحالي، وفي سورياوالعراق تعطي تركيا نفسها الحق في انتهاك الاراضي العربية بحجة الدفاع عن امنها، وذلك عبر تخوفها من الميول الاستقلالية للاكراد، ونحن نتفهم ذلك ولكن الحل ليس بغزو الدول، بل بحل تركيا مشاكلها بداخلها، وتحسين العلاقات مع سورياوالعراق وليس غزوهما، لأنه في وقت من الاوقات اعطى كلًا من النظامين في سورياوالعراقلتركيا الحق في الدفاع عن نفسها عبر اتفاقية اضنة مع سوريا، واتفاقية مثيلة مع صدام حسين، عبر مطاردة ما تسميه تركيا الارهابيين في حدود معينة بالتنسيث مع الدولة العربية نفسها. وأضاف استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان تركيا لم تكتفي بذلك ولكنها توسعت، ولديها الان قواعدها العسكرية في قطر لحماية النظام القطري، وتحمي الفصائل المتشددة الموجود في ليبيا، وتمارس ممارسات عدائية ضد مصر وغيرها، ولذلك يمكننا ان نقول ان التهديدات على الامن القومي العربي تأتي الان من 3 مصادر رئيسية هي اسرائيل وقطروتركيا، والاسوء من ذلك انه في السنوات الثلاث الاخيرة، وصل للحكم في امريكا رئيس من خارج المؤسسة الامريكية، ينتهج سياسيات تخرج على مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية بل خرج على مبادئ السياسة الامريكية نفسها، فرغم التحيز الامريكي الدائم لاسرائيل كان هناك سياسات تحاول الا تعمق المفهوم، ولكن ترامب اعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارته الى هناك، واعترف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، وقالت امريكا في مجلس الامن ان عملية الاستيطان الاسرائيلي المستمر ليس منافيا للقانون الدولي، كما رفضت امريكا تجديد ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطعت امريكا تمويلها لمنظمة الاونروا، والاهم من هذا كله المشروع العجيب المنافي لكافة المساعي لحل القضية الفلسطينية والذي يسمى مشروع صفقة القرن، والذي يقوم بالتسليم بالامر الواقع، وهي سابقة لم تحدث تاريخيًا في حل الصراعات الدولية. واختتم “يوسف” قائلًا: نحن نعيش في مرحلة بها تعدد في مصادر تهديد الامن القومي العربي، فهناك تهديد صهيوني، وايراني، وتركي، وهذا ينقلنا الى كيف تدير المنظومة العربية اولوياتها في كل هذه التهديدات، وترتيب ايهما اولى بالتصدي، لأن الموارد محدودة، وهذه المعضلة التي نعاني منها الان، وتلك المعضلة ليست جديدة ففي الحرب الايرانيةالعراقية بدأ العرب يستشعرون ان الخطر الايراني لم يعد نظريًا، وكانت لاول مرة يصبح هناك تعارض بين خطرين على الامة العربية فالبعض انصرف عن رؤية الخطر الصهيوني ورأى ان الخطر الايراني اكبر، واليوم وصلنا الى مرحلة تطبع فيها دول عربية معينة مع اسرائيل دون مقابل، على الرغم من الموقف العربي الرسمي المتمثل في المبادرة العربية ببيروت 2002، وهي التي حددت مطالب للعرب من اسرائيل وعندما تلبيها اسرائيل يستطيع العرب ان يبحثوا سبل التعامل مع اسرائيل، ولم تطبق اسرائيل اي شيئ ومع ذلك طبعت معها دول عربية مستشعرة ان اسرائيل لم تعد التهديد الذي يواجه العرب ايران، بل يصل الامر ان يتحدث ترامب عن تكوين حلف عربي سني تدعمه اسرائيل ضد ايران، ووصل الامر الى اشكالية حقيقة فبعض العرب يريدون الاستعانة بمصدر تهديد حقيقي وهي اسرائيل للتصدي الى تهديد اخر ايراني وهو الامر الذي يحتاج الى الإمعان والتفكير في حل هذه المعضلة العربية.