في ذكري 30 يونيو كل عام تستحضر ذاكرتي يوم 24 أغسطس 2012،هذا التاريخ الذي كان بمثابة الإعلان عن البوصلة التي حددها حزب التجمع «قيادته وشبابه وأعضائه» منذ البداية ضد حكم جماعة الإخوان الإرهابية وأعلن موقفه الصريح بالعمل علي إسقاط حكم المرشد ورفض تحويل مصر إلي إمارة إخوانية. وبالرغم من أن موقف حزب التجمع في 24 أغسطس 2012 لم يكن فقط مجرد موقف سياسي عارض بل موقف مبدئي متسق مع رفضنا للدولة الدينية كان يترتب عليه تعرض الحزب وأعضائه لخطر الإبادة، إلا أن معظم الأحزاب السياسية وما أُطلق عليه في حينه «الحركات الثورية» تعالت أصواتهم وصخبهم وأعلنوا رفض المشاركة بدعوي أن المشاركين في التظاهرات أعلنوا نيتهم المطالبة بإسقاط محمد مرسي «الرئيس» وكان هذا صحيحاً فقد كان موقف التجمع مُعلناً في بياناته الرسمية التي طالب فيها بحل جماعة الإخوان ورفض أخونة الدولة واتهام الجماعة باختراق الأمن القومي بعد تواطئهم في مذبحة رفح، ورفض الاستئثار بالدستور من خلال الجمعية التأسيسية الطائفية والدعوة للخروج لإسقاط حكم الجماعة وإسقاط رئيسهم. وقد بذلت جماعة الإخوان وتنظيماتها المساعدة شعبة الأحزاب جهوداً مضنية لإفشال تظاهرات 24 أغسطس، وصدر التكليف وأعلن عدد من الأحزاب والقوي السياسية رفضها لأسباب تستدعي الشفقة مع مُعلنيها وربما المطالبة بمعالجتهم من مرض الفصام السياسي، فعلي سبيل المثال أعلن رئيس حزب الوفد بأن الحزب لن يشارك فى التظاهرات لأنها ضد الديمقراطية، ولأن مرسى نجح بانتخابات نزيهة وأن الشعب هو من اختاره، ومن يريد تغييره فهذا عن طريق الانتخابات. أما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فقد أعلن رفض المشاركة لعدم توافقه مع قناعات الداعين للتظاهر، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي قرر مقاطعة دعوات التظاهر لأن هدفها المطالبة بإسقاط الرئيس المنتخب بدلا من تقويمه، وأنها جاءت للمطالبة بحل جماعة الإخوان ومصادرة مقارها، بالإضافة لحزب الكرامة الذي أسسه حمدين صباحي أعلن رئيسه أن الوقت مازال مبكراً للحكم على فترة الرئيس محمد مرسى والتظاهر ضده، وهو تقريباً ذات موقف حزب الدستور الذي أسسه محمد البرادعي والذي صرح رئيس لجنة تسيير أعماله برفض الحزب المشاركة مشيرا إلى أن الوقت الآن هو وقت ممارسة السياسة الرشيدة، لذا علينا قبول الرئيس المنتخب وإعطائه فرصة لتقييم أدائه، بالإضافة إلي عدد من الحركات «الثورية» والتي اتخذت نفس الموقف، وممارستهم لحالة الإرهاب المعنوي من خلال الترويج بأن الداعين للتظاهر ليسوا «ثوار» ! وسيمارسون العنف ويقتحمون مقرات الإخوان.. الخ وكانت النتيجة يوم 24 أغسطس خلو ميدان التحرير وميادين المحافظات من أي فصيل سياسي إلا من قيادات وأعضاء حزب التجمع، ولم يكن هذا التاريخ فقط هو تأكيد علي موقف حزب التجمع التاريخي من تنظيم الإخوان المسلح وإدراكنا لجسامة الخطر الذي يواجه شعبنا ونحن في القلب منه، لكنه أيضاً كان كاشفاً لرعونة ورهبة وأحياناً تواطؤ قوي وأحزاب سياسية تدعى المدنية وهى تدعم أحزابا دينية. تستخدم شعارات ليبرالية واشتراكية وحقوقية لتقوم بدور المُحلًل السياسي لتنظيم فاشي مُخطط له القيام بدور وكيل مُعتمد للرأسمالية العالمية في تنفيذ مخططاتها في تقسيم دول المنطقة، وكان أيضاً هذا اليوم فاضحاً لعورات كيانات «شبابية ثورية» قولاً واحداً لم يُسيطر عليها الإخوان أو قامت الجماعة باستغلالهم بل تنظيم الإخوان هو من أسسهم وأحسن استخدامهم. والعجيب في الأمر هو ليس تلك الكيانات التي أسسها تنظيم الإخوان بعد 25 يناير فهي في حقيقتها تنظيمات إخوانية تتبع شعبة «الحركات» في الجماعة وتؤدي دورها لحين اتخاذ قرار بوقف نشاطها أو حلها وهو ما حدث بالفعل فبعد سقوط الإخوان هناك إجراءات تنظيمية اتبعتها الجماعة للمحافظة علي التنظيم ومنها العودة لمرحلة الكمون وقد صدر القرار التنظيمي وتم تنفيذه بنجاح واختفت كل هذه الكيانات مع تراجع الأداء التنظيمي للإخوان. لكن المثير للدهشة والتساؤل هو موقف بعض الأحزاب السياسية التي تُمارس السياسية بالقطعة علي غرار «احنا مع 30 يونيو ومش مع 3 يوليو» بس انت مع 25 يناير ومع 11 فبراير ! أو « احنا مع ثورة 30 يونيو بس ضد فض اعتصام رابعة » بس انت كنت بتطالب بمحاكمة ثورية لكل رموز مبارك ! ….الخ هذه الأحزاب والحركات التي اختارت الانضواء تحت راية تنظيمات الإسلام السياسي بدعوي أنهم فصيل وطني وعقدت معهم الصفقات السياسية في انتخابات برلمان 2012 وقدموا فروض الولاء والطاعة لدعم مرسي في الانتخابات الرئاسية مستخدمين شعارات سياسية وجماهيرية أنتجها التنظيم مثل «أُعصر على نفسك ليمون وانتخب مرسي » هم أنفسهم من شاركو في 30 يونيو باعتبارهم ممثلين للتيار الرجعي ليس بديلا عن جماعة الإخوان بل ممثلين لهم ولأفكارهم التي لا تتوافق مُطلقاً مع مشروع بناء الدولة الوطنية سواء في مصر أو في محيطنا الإقليمي، وهؤلاء بذاتهم وإن تغيرت المسميات السياسية هم من مارسوا الاسترزاق السياسي بعد 30 يونيو بغرض فتح أُطر سياسية وشعبية لإعادة استيعاب التيار المتأسلم في الحياة السياسية المصرية مرة أخري مستخدمين شعارات إنسانية بغرض التأثير العاطفي علي الشعب المصري مُرورا بالعزف السياسي علي وتر الأوضاع الاقتصادية وزيادة الأسعار ومحاولة تشكيل تكتلات سياسية غرضها الوحيد إعادة إنتاج التيار المتأسلم في حُلة جديدة ربما طُبع عليها صورة لكارل ماركس أو دُون عليها مقولة لمارتن لوثر كنغ. محمود الدسوقى