تحقيق: نجوى إبراهيم رضا النصيرى تدخل الأسر فى حالة طوارئ فى شهر رمضان، فهناك الكثير من الاستعدادات التى تحرص عليها الأسرة لشراء احتياجات و»لوازم» الشهر الكريم من مواد غذائية وسلع رمضانية و»ياميش» ولحوم ودواجن وتموين، ولكن الفاتورة تتضخم أكثر من أي شهر آخر. وتشير البيانات إلى أن رمضان يستحوذ على 25 % من حجم الإنفاق السنوي بمقدار 32 مليار جنيه بما يوازي 1.2 مليار جنيه فى اليوم الواحد، ووفقا لاحصائيات فمصر تحتل المرتبة الثانية من قائمة الدول العربية الأكثر إنفاقًا على الطعام فى رمضان بعد الجزائر التى جاءت الأولى. وفى جولة ميدانية ل «الأهالى» فى عدد من الأسواق لاستطلاع آراء عدد من تجار الياميش ورصد حركة البيع والشراء، والتقت « الأهالى» بعدد من المواطنين. قالت ربات البيوت أصبحنا نكتفى بالضروريات فالأسعار مرتفعة جدا، وأقل طبخة تتكلف 100أو150 جنيها، واستغنت الكثيرات عن شراء اللحوم والفراخ، ووصل سعر كيلو اللحم إلى 150 جنيها، وكيلو الدواجن الى 40 جنيها للكيلو، واستغنوا ايضا عن شراء الزبدة البلدى، وأوضحن أنهن يستخدمن السمن النباتى أو زيت التموين فى طهى الطعام. أما الياميش فهو السلع المحروم منها المواطنون الغلابة ومحدودو الدخل هذا العام، خاصة بعد أن وصلت بعض أنواعه لأسعار خيالية، وعلى العادة فى شهر رمضان لم تعد ارتفاعات اسعار الياميش مقصورة على المكسرات بل امتدت موجة الارتفاع إلى البلح وجوز الهند والزبيب رغم انها من السلع الرئيسية التى يقبل عليها الغلابة فى رمضان، ولذلك اضطر معظم المواطنين الى الدخول فى «حسبة برما» لشراء السلع الأساسية من ياميش رمضان. رحلة عذاب تحولت المواسم المختلفة من اعياد وامتحانات واستقبال الشهر الكريم الى رحلة عذاب ومعاناة يعيشها المواطن المصرى ويتمنى الا يأتى موعدها، «كل حاجة مبقلهاش طعم» هكذا عبر المصريين عن غياب فرحة وبهجة رمضان، حيث غابت الزينات والفوانيس وغابت الطقوس التى اعتاد عليها المصريون، وكانت السمة المميزة للشهر الكريم هذا ما أكدته الحاجة «ام مجدى»ربة منزل فتقول رمضان كان زمان حاجة تانية، الكل فرحان، والأكل كتير، والخير كتير، ولكن دلوقتى الخير قل والأسعار بقت مولعة والناس حالها يصعب على الكافر. «أمل عبد الحميد»ربة منزل تقول إن رمضان عايز ميزانية خاصة، ودائما يحدث خلافات بينى وبين زوجى لان مصروف البيت لا يكفى نفقات الشهر من ياميش ولوازم الفطار والسحور. «عزايم ايه وكلام فاضى ايه هواحنا لاقيين ناكل لما نعزم الناس»..هكذا عبر محمد عبداللطيف»حداد» عن موقفه من العزائم فى شهر رمضان، موضحا أن فرحتنا بالشهر الكريم كل سنة بتقل عن السنة اللى قبلها بسبب الأسعار اللى كل يوم بتزيد، وتابع :الواحد عايز بس يدبر فلوس الدروس للعيال وبعدين نفكر فى الاكل والشرب. إقبال ضعيف وفى منطقة السيدة زينب، قال أشرف على، صاحب أحد محال بيع الياميش، إن أسعار هذا العام ارتفعت بنسبة تراوحت ما بين 50 و 100 % مقارنة بالعام الماضى، فسعر كيلو الكركديه الأسوانى بلغ 80 جنيهًا والكركدية العادى ذو الجودة الأقل يباع ب45 جنيها العرق سوس 40 جنيها للكيلو، فيما تتراوح سعر لفة قمر الدين ما بين 30 و 35 جنيها، أما عن أسعار التمور فقد تراوح سعر الكيلو ما بين 25 جنيها إلى 100 جنيه وفقًا للصنف والجودة، فيما تراوحت أسعار جوز الهند ما بين 55 إلى 75 جنيها، ووصل سعر كل من الجوز والبندق المقشر 250 جنيها للكيلو، فيما تراوح سعر كيلو الفسدق والكاجو ما بين 350 إلى 400 جنيه للكيلو، وبسعر بلغ 190 جنيهًا للكيلو. وعن إقبال المواطنين على الشراء أوضح أن الإقبال أقل من العام الماضى بنسبة كبيرة. بلح بس وتقول «أم أحمد»، ربه منزل، «مش مهم ياميش» كفاية شوية بلح على لبن أو حتى من غير لبن!، لتوفير المال لشراء باقى مستلزمات رمضان من السلع الغذائية المرتفعة السعر، وقالت إن والدتها تحرص على مساعدتها، فزوجها عامل بسيط بمترو الانفاق. أما «سناء عطيه» إخصائية اجتماعية، فتقول إنها تواجه مشكلة خاصة مع بداية العشرة أيام الأخيرة من رمضان، حيث يبدأ العد التنازلى فى صرف آخر مليم من ميزانية المنزل، الأمر الذى يتطلب معه التوقف التام عن العزومات. الاستغناء فيما استعدت «إسراء محمود»، موظفة فى إحدى دور الحضانة، لشهر رمضان منذ 4 شهور، حيث بدأت تجميع كميات من السكر والأرز والمكرونة وكميات من اللحوم والدواجن وإن كانت قليلة، ولكنى حريصة على ذلك حتى تكون ضيفا مستمرا على موائدنا، فلدينا ثلاثة أطفال، مشيرة إلى أنها قررت الاستغناء عن الياميش فأسعاره الباهظة، ونكتفى بالقليل من الزبيب وجوز الهند لاستخدامه فى الحلوى الرمضانية. أما «عفاف نصير» محامية، فترى ان استبدل التاكسى بالمواصلات لقضاء عملها اول خطوات الاستعداد للتوفير لمتطلبات رمضان، حيث تلتهم سيارات الأجرة جزءا كبيرا من ميزانية كل بيت، لذا يمكنك ببساطة استبدال التاكسيات بالمواصلات الشعبية. الجمعية حل للأزمات وترى «مروة سمير» محامية، أن هناك بعض الأمور التى يمكن التغاضى عنها أو على الأقل شرائها بكميات محدودة، كالياميش وحلويات رمضان، مضيفه أن هناك بعض الأسر تدخل فى جمعية مع الأصدقاء أو الجيران، وبهذه الطريقة يمكنك إدخار أموال للانفاق منها فى أيام رمضان والعيد. «وفاء محسن» ربة منزل تقول اشتركت أنا وزوجى فى جمعية منذ سبعة أشهر علشان مصاريف رمضان والعيد، ولكن ما فيش فايدة الميزانية «خرمت» علشان فلوس المراجعات، تمن الحصة لطالب اعدادى ب 60 و70 جنيها، ولذلك قررت أن أقاطع الياميش، وكفاية علينا مصاريف الاكل والشرب، ولكن ولادى نفسهم فى البلح وجوز الهند، ولذلك أنا مجبرة على الشراء ولكن بكميات قليلة. «ابراهيم الديساوى» يقول رغم إنى أعمل طوال اليوم، واستعد لشهر رمضان بعمل جمعية مع أصحابى ومعارفى، وادخل فيها بفردين واحد لرمضان والعيد، وفرد للمدارس إلا أن هذا العام مينفعش معاه جمعية واحدة عايزين 10 جمعيات. الطبقة المتوسطة فيما رصدنا «صفوت أبو العزم»، مدرس، يشترى بعضا من الياميش لأسرته المكونة من 4 أفراد ولكن بكميات قليلة تكفى الأسبوع الأول من شهر رمضان، وقال إن أغلب السلع الغذائية فى متناول الأغنياء فقط، لذا سنضطر للشراء ولكن بكميات أقل ولكن إذا استمر ارتفاع الأسعار بذات الوتيرة فلن نستطيع شراء أى شىء من العام المقبل. أما المهندس «سعيد الشيمى»، فأكد أن الأسعار قفزت بشكل كبير، وأصبحت معه الميزانية الرمضانية تصيب الجميع بالعجز، فرغم أننا من الأسر الميسورة فإن المتطلبات أثقلت كاهلنا، فقد ذهبت لأحد الأسواق الكبرى لشراء مستلزمات رمضان من ياميش وبلح وعصائر وغيرها وأنا على يقين أنها لن تتجاوز 2000 جنيه إلا أننى وجدتها تقفز إلى 5 آلاف جنيه لشراء متطلبات الشهر كله من أرز وسكر وغيرها من حاجات المنزل بشكل أفزعني! «سهام مصطفى» مدرسة وقفت حائرة أمام أحد سرادق بيع الياميش بالعتبة تبحث عن السلع الأحسن والأرخص للتوفير، أكدت أنها سوف تكتفى بلفافة قمر الدين ب 35 جنيها و2 كيلو بلح ب 60 جنيها، ونص زبيب ونص قمر الدين يعنى حسبة 200 جنيه أما السلع الرمضانية الأخرى فهى لا تقترب منها، وممكن تشترى بعض المشروبات الرمضانية مثل العرقسوس والتمر والكركديه. المعاش لا يكفى أما «يحيى السيد» معاش مبكر قال إحنا عايشين فى دوامة، المعاش لا يكفى مصاريف الأكل والشرب، ومش عارفين ها نعمل ايه فى رمضان، فوجبة السحور لوحدها عايزة أكثر من 50 جنيها يوميا فسعر البيضة الواحدة جنيه ونص، وكيلو الجبنة 70جنيها واللبن وصل الى 16 جنيها الكيلو، هذا غير وجبة الافطار عايزة ميزانية تانية مش اقل من 200 جنيه علشان نجيب كيلو لحمة وشوية خضار..هانجيب منين ؟ «الأسطى جمال «سائق ميكروباص متزوج من عدة أشهر ويقول شهر رمضان يحتاج مصاريف واتفقت انا ومراتى اننا نروح نقضى الشهر فى بيت العيلة، علشان ابويا يساعدنى شوية فى المصاريف وغير كده نتجمع مع الاهل اصل رمضان بيحب اللمة. واكدت»ام رحمة»ربة منزل ان زوجها راجل ارزوقى على باب الله يوم معاه ويوم معهوش، واكلها فى الايام العادية شوية فول فى الفطار وفى الغدا بنقضيها يوم عدس ويوم حتة جبنة قريش او نص كيلو خضار وشوية رز..لكن فى رمضان مش عارفين ها نعمل ايه، وتابعت :»رمضان كريم»،»وربنا مبينساش حد» «احمد محروس» حارس عمارة بالظاهر يقول هانكتفى بكيلو لحمة على كيلو بلح وحاجات التموين الرز والزيت والسكر، وفى السحور شوية الفول وكفاية على كده اصل رمضان مش اكل وبس. غياب البهجة عم»عبده»عامل نظافة عندما سألناه عن استعداده لرمضان وطعم رمضان وبهجته اللى غابت قال: هو رمضان بس اللى بهجته راحت..دى الدنيا كلها مبقلهاش طعم، والواحد مابقاش قادر يضحك..من كتر شيل الهم، وبعدين رمضان زى الايام التانية لو معانا فلوس هانجيب اكل كويس مفيش هاناكل حتة جبنة او شوية فول وخلاص، او هاروح اى مائدة رحمن. وتشير»سميرة احمد» موظفة بشركة الى صعوبة الوضع الحالى قائلة :انا ام لثلاثة بنات مطلوب منى ان اشترى فوانيس للبنات قبل رمضان سعر الفانوس الواحد لا يقل عن 125 جنيها، ده غير بنتى الكبيرة فى الابتدائية وبتاخد دروس خصوصية فى كل المواد عايزة حوالى 500 او 600 جنيه علشان المراجعات، ده غير مصاربف رمضان والأكل والسحور وبعدين ملابس العيد وسط هذه الاعباء هنفرح ونشعر ببهجة الشهر الكريم إزاى؟! تزايد الاستهلاك من جانبه، يقول دكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدرسات الاقتصادية، إن معدل إنفاق المصريين خلال شهر رمضان يتزايد بنسبة تتراوح ما بين 50 و100 % ويختلف ذلك من أسرة لأخرى، موضحًا أن زيادة الطلب على الغذاء ليس وليد اليوم، لأن متوسط الاستهلاك خلال رمضان من اللحوم يتزايد من 17 إلى 30 ألف طن، ومن الدواجن يرتفع إلى 120 مليون دجاجة، مقابل 60 مليونا فى الشهور الأخرى، مشيرا إلى أن الاستهلاك فى الزيوت مثلا يزيد من 60 إلى 75 ألف طن، كما يرتفع متوسط الاستهلاك من السمن النباتى من 25 إلى 75 ألف طن، واستهلاك السكر يزيد من 175 إلى 250 ألف طن نتيجة الإسراف فى الحلويات الرمضانية، أما فيما يخص استهلاك الخبز فنجده قرابة 28 مليار رغيف، و70 ألف طن فول، قيمتها 220 مليون جنيه، و160 مليون دجاجة، و100 ألف طن حليب، حجم الاستهلاك الشهري من الألبان، من بينها 65 ألف طن تباع عن طريق الباعة الجائلين ومحلات البقالة، و60 ألف طن زبادي. وأشار الخبير الاقتصادى، دكتور «رشاد عبده»، إلى أن استهلاك مصر خلال شهر رمضان بلغ أكثر من 41 مليار جنيه خلال العام الماضي، وبالتالي فإن الرقم من المتوقع أن يكون هذا العام أكبر بكثير نتيجة وجود مجموعة من العوامل التي استجدت هذ العام، وفى مقدمتها ارتفاع الأسعار بشكل كبير وهو ما سوف يؤثر بشكل أكبر عن السلع الرمضانية التي تحرص الأسر على اقتنائها قبل حلول هذا الشهر مثل الياميش والمكسرات وقمر الدين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار اللحوم وغيرها وهذه جميعها تؤثر على ميزانية المواطن البسيط،، حيث يرتفع استهلاكها بنسبة تصل الى 30 % مقارنة بحجم الاستهلاك فى باقي الشهور. عادات وتقاليد يرى دكتور «سميح شعلان»، أستاذ العادات والمعتقدات، ان المصريين تكونت لديهم ثقافة على مدار سنوات عديدة أسهمت بشكل كبير فى ذيوع عادات الشراء ارتباطا بتلك المواسم والأعياد، حيث تشهد الأسواق إقبالا شديدا على غير العادة وهو ما يتسبب فى حدوث عدم اتزان بين الإنفاق والإنتاج، وبالتالي الصادرات والواردات،حيث إن عوائد ذلك الإنفاق لا تعود بالنفع على الاقتصاد المحلى، لأن السلع تكون أغلبها صينية أو مستوردة، وهو ما من شأنه ألا يستفيد منه اقتصادنا وإنتاجنا وطاقتنا العاملة، لان الإنفاق بهذا الشكل يشارك فى الإضرار باقتصادنا لزيادة الواردات عن الصادرات، ومن ثم الاقتصاد القومي للبلاد ككل، لأننا من خلال تلك الثقافة الشرائية ندعم اقتصاد الدول الغربية ولا ندعم اقتصادنا. - الإعلانات -