مازال شهر مارس يحتل موقعا متميزاً في ذاكرة تاريخ مصر المعاصر.شهد هذا الشهر عام 1954 أحداثا أثرت تأثيرا عميقاً في مستقبل مصرنحو الديمقراطية و التعددية السياسية.ففى مثل هذا اليوم 5 مارس منذ 65 عاما بدأت تتضح خيوط الصراع على السلطة بين اتجاهين:الأول يتزعمه جمال عبد الناصر و مجلس قيادة الثورة ضد الديمقراطية و عودة الأحزاب و الحياة النيابية،و الثانى ينحاز للديمقراطية و الحياة النيابية يؤيدة محمد نجيب اول رئيس للجمهورية بعد الثورة و معة خالد محى الدين الوحيد بين أعضاء مجلس قيادة الثورة الذى انحاز دوما لعودة الديمقراطية و الأحزاب و الدستور.فى مثل هذا اليوم ( 5 مارس عام 1954) بدأت أولى ملامح التآمر لوأد الديمقراطية و الاطاحة بالسياسة و السياسيين. بدأت الاحداث يوم 23 فبراير من نفس العام باستقالة محمد نجيب من جميع المناصب لخلافات مع الضباط الاحرار،واستمرت في حلقات متواصلة لمدة تقارب 9 شهور انتهت باعفاء محمد نجيب من جميع المناصب فى 14 نوفمبر من ذات العام،وتحقيق القوى المناوئة للديمقراطية أهدافها بالسيطرة الكاملة على مقاليد الحكم.ورغم استمرار الصراع لعدة شهور إلا أن أحداث شهر مارس التى بدأت يوم 5 مارس واستمر طوال هذا الشهر فيما عرف “بأزمة مارس54” كانت الاكثر تأثيرا في مجريات الامور،والأوضح تعبيرا عن رغبات الضباط الأحرار في التمسك بالسلطة.. إنهم ضباط الأمس الذين ذاقوا طعم السلطة و أصبحوا حكاما بحسب قول خالد محى الدين. فى هذا اليوم تكشفت أولى خطوات مجلس قيادة الثورة فى الإيحاء (على غيرالحقيقة و الواقع)بالانحياز للمطالب الديمقراطية و الاستجابة لعودة الحياة النيابية،حيث قرر اتخاذ الإجراءات فوراً لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بطريق الاقتراع العام المباشر،تجتمع خلال يوليو 1954 لمناقشة مشروع الدستور و القيام بمهام البرلمان لحين انعقادة وفقا لأحكام الدستور الجديد الذى سيتم إقراره.كما قرر المجلس الفاء الأحكام العرفية و الرقابة على الصحافة.كانت القرارات مفاجأة تحيط بها الشكوك حول النوايا الحقيقية من ورائها خاصة وأنها تتعارض مع قرار سابق لمجلس قيادة الثورة فى 17 يناير 1953 بتحديد فترة انتقالية لمدة 3 سنوات.كما أنها أثارت تعجب و دهشة خالد محي الدين الذى طالما واجة مقاومة مستميتة و رفض من زملائة في المجلس فى كل مرة يطالب فيها بالديمقراطية و الحياة النيابية!! استتبع قرارات 5 مارس قرار آخر فى 8 مارس بتعيين اللواء محمد نجيب رئيسا لمجلس قيادة الثورة و رئيسا لمجلس الوزراء و تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزراء.ليس هذا فقط بل لاستكمال السيناريو المعد مسبقا ببراعة و دهاء قرر مجلس قيادة الثورة بعد اسبوعين فى 25 مارس السماح بعودة الأحزاب السياسية وحل مجلس قيادة الثورة فى 24 يوليو بعد الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 23 يوليو!! جاءت قرارات 5، 8، 25 مارس كمحاولة مدروسة تم الأعداد و التخطيط لها كما عبر عن ذلك خالد محي الدين فى مذكراتة”الأن اتكلم”.. لامتصاص غضب و احتجاجات الجماهير و المظاهرات التى اندلعت في أنحاء مصر بعد قبول مجلس قيادة الثورة لاستقالة محمد نجيب التى تقدم بها فى 23 فبراير،حيث طالبت الجماهير بالديمقراطية و عودة محمد نجيب الذى كان يتمتع بشعبية طاغية.اضطر مجلس قيادة الثورة تحت الضغوط الشعبية الإعلان عن عودة محمد نجيب يوم 27 فبراير بعد 48 ساعة من قبول استقالته خاصة بعد اعتصام ضباط سلاح الفرسان و مطالبتهم بالديمقراطية و الحياة النيابية و عودة نجيب. كانت قرارات 25 مارس التى استهدفت بالأساس إعطاء انطباع “متعمد” بانتهاء الثورة بحل مجلس قيادة الثورة كفيلة بأثارة ضباط الجيش الذين قرروا يوم 27 مارس الاعتصام في ثكناتهم لحين إلغاء قرارات 5 ، 25 مارس التى تهدد الثورة بالانحلال.كما تم تدبير إضراب عام لعمال النقل بتنظيم و اشراف رئيس اتحاد عمال مصر بالتعاون و التنسيق الكامل مع مجلس قيادة الثورة للمطالبة بإلغاء قرارات 25 مارس الديمقراطية استمرار مجلس قيادة الثورة فى ممارسة سلطاته!! اعترف جمال عبد الناصر لخالد محي الدين فيما بعد أن إضراب عمال النقل كلفة 4 آلاف جنية!! أشار خالد محي الدين فى مذكراتة”الأن اتكلم” إلى انة لأول مرة يتعطل مرفق من مرافق الدولة بترتيب و تنظيم من الدولة!! إزاء ذلك اندفع مجلس قيادة الثورة لاتخاذ القرار الذى رتب و أعد لة الأجواء و قرر إلغاء قرارات 5 ،25 مارس فى اجتماعة يوم 29 مارس لينتهي الإضراب الذى شل حركة النقل صباح 30 مارس.أصبحت الساحة مهيأة للانقضاض على محمد نجيب،حيث تخلى فى أبريل 1954 عن رئاسة مجلس الوزراء و تكليف جمال عبد الناصر بتشكيل الوزارة برئاستة.و تم إعفائة من رئاسة الجمهورية و تحديد اقامتة غفى فيلا زينب الوكيل بالمرج في 14 نوفمبر 1954. تدور الدوائر و يقوم جمال عبد الناصر بابلاغ خالد محي الدين بضرورة سفره خارج مصر حتى لا يحدث تصادم معة باعتبارة مؤيدا للاتجاه المنحاز للديمقراطية و لقناعتة بأن الثورة يمكن أن تنهج نهجا ثوريا و ديمقراطيا في آن واحد.لم يوقع خالد محي الدين على قرارات إلغاء الديمقراطية،وتم استبعاده خارج مصر.و تطوى صفحة من تاريخ مصر كان لها أبلغ الأثر على مستقبل الوطن.