تقترب مصر من البدء فى إنشاء أول محطة طاقة نووية، بمشاركة دولة روسيا، وذلك فى اطار اتفاقية التعاون التى وقعت بين مصر وروسيا لبناء اول محطة طاقة نووية فى منطقة الضبعة بمحافظة مرسي مطروح، لتوليد الطاقة الكهربائية. ويستهدف مشروع الضبعه النووي إنشاء 8 محطات نووية تتم على 8 مراحل، وتشمل المرحلة الاولي إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 4800 ميجاوات، ومن المتوقع الانتهاء من المحطة بحلول عام 2026. ووفقاً لتكلفة المشروع، فإن بناء محطة الطاقة النووية بمنطقة الضبعة ستتكلف ما يصل إلى 21 مليار دولار، وسيغطى القرض الروسي نسبه 85% من تكاليف المشروع، والباقي 15 % على حساب الجانب المصري، على ان يتم تسديد القرض من عائد المحطة بعد انتهاء عملية التشغيل. وقد قوبل مشروع الضبعه النووية بترحيب واسع من قبل اقتصاديين وخبراء الطاقة، لما له من مزايا واهمية بالغة تعود على مصر بالنفع على كل المستويات وترفع من شأن الاقتصاد المصري من خلال تشغيل العمالة المصرية وتوفير الكهرباء بما قد يجعلنا بلد مصدرة للطاقة، بالاضافة الى ان المحطات النووية تعتبر مزارًا سياحيًا لكثير من السياح فى دول العالم بما يدخل عملة صعبة للبلاد، فضلا عن ان التعاون مع روسيا يوطد العلاقة التاريخية بين البلدين، فضلا عن إمكانية الاستفادة من الخبرات الروسية ونقل التكنولوجيا المتطورة. وكشفت دراسة بعنوان "تقييم الأثر البيئي لمشروع المحطة النووية الأول بمصر" اعدتها وزارة الكهرباء، ان المحطات تتميز بأنها لا يصدر عنها أي انبعاثات للغازات الملوثة أو غازات الاحتباس الحراري، وتتمتع بأعلى معدلات الأمان العالمية المستخدمة فى محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية.. واضافت الدراسة، أن المشروع يوفر عدداً من المزايا الاجتماعية والاقتصادية والحضارية، حيث إنه يوفر حوالي 10 آلاف فرصة عمل جديدة لشباب المحافظة خلال فترة التشييد التى تمتد على قرابة 8 سنوات، و4 آلاف فرصة عمل أخرى بعد التشغيل، وسيترتب على المشروع رواج اقتصادي وسياحي سيكون له عظيم الأثر بعد تشغيل المشروع على منطقة الضبعة ومحافظة مطروح بكاملها. تنوع مصادر الطاقة وفى سياث متصل قال د.محمد منير مجاهد "المستشار الفني لتطبيقات القوي النووية ومدير موقع الضبعه سابقاً" إن تنوع مصادر الطاقة بات امراً ضرورياً خاصة بعد الازمة التى عاشتها مصر منذ حوالى 4 سنوات نتيجة الانقطاع المستمر للكهرباء ونقص الوقود، وبالتالي فلدينا آمال ان تشهد مصر طفرة فى الصناعة والبحث العلمي وتوفير الوقود من البترول والغاز الطبيعي. واضاف ان احتياجنا من الكهرباء يتزايد بمعدل 7% سنوياً ونحتاج حوالى 3 آلاف ميجاوات إضافية كل سنة، فلابد ان نستفيد من كل مصادر الطاقة المتاحة سواء كانت نووية أو شمسية أو مائية. لافتاً الى ان سبب توقف المشروع طيلة السنوات الماضية يعود إلى مقاومة بعض الدول بألا نمتلك تكنولوجيا الطاقة النووية، فضلا عن غياب الارداة السياسية. مشيراً الى ان المخابرات العسكرية لعبت دورا فى استعادة ارض الضبعة التى استولي عليها بعض رجال الاعمال خاصة بعد ثورة 25 يناير. الجودة والرقابة واكد المستشار الفني لتطبيقات القوي النووية سابقاً، على ان عوامل الامان النووى متوفرة، والتكنولوجيا الروسية تضمن اعلى معدل امان فى العالم، موضحاً ان تصميم المحطة وتصنيع المكونات وتركيبها يخضع لاعلى معايير الجودة والرقابة، بالاضافة، الى ان هناك انظمة تتعامل مع اى اعطال او حوادث من الممكن ان تحدث، وبالتالى من يتحدث عن خطورة المشروع النووى لا يفقه شيء وهذا "كلام فارغ". مشيرًاً الى ان موقع الضبعة استغرق فى دراسته 5 سنوات من حيث دراسة عوامل الرياح والزلازل وحركة المياه، ووجد انه الافضل ضمن 11 موقعا تمت دراستهم، بالاضافة الى ان المشروع لم يمثل عبئًا مادي لان القرن الروسي يسدد من عائد المحطة بعد تشغيلها. لافتاً الى ان التعاون مع دولة روسيا يعتبر تعاونا مثمرا، خاصة ان روسيا اثبتت قدرتها على مقاومة اى ضغوط وبالتالي فهى حليف يعتمد عليه، ومن ناحيه اخري تمتلك تكنولوجيا متقدمة وتعتبر اول محطة أنشأت فى العالم كانت فى روسيا. صناعات جديدة ويري د.ابراهيم العسيري " كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً ورئيس قسم الهندسة النووية بالجامعة المصرية الروسية " ان المشروع النووى له جدوى ومزايا كثيرة، حيث يساهم فى فى إدخال صناعات جديدة مثل صناعه الكابلات واجهزة التحكم وتشغيل عمالة حيث تستوعب المحطة الواحدة حوالى 3 آلاف عامل، بالاضافة الى تشجيع السياحه الداخلية باعتبارها ستكون اول محطه نووية فى شمال افريقيا. وأضاف ان العالم يدرك جدوى التكنولوجية النووية، فالصين لديها 16 محطة نووية، وتنشيء 29 محطة نووية اخرى رغم ان لديها ثاني احتياطي فحم وأول دولة فى إنتاج الفحم على مستوي العالم، وايضاً دولة اوكرانيا بها 15 محطة نووية، ونجد دولة الإمارات بدأت فى إنشاء أربع محطات نووية، كذلك دولة روسيا لديها 36 محطة نووية. لافتاً الى ان الطاقة الشمسية قدرتها الكهربائية محدودة، ويمكن استخدامها فى إنارة اعمدة الشوارع، او انارة النوادى ومراكز الشباب، بجانب ان المحطات الشمسية ومحطات الرياح تحتاج الى مساحات شاسعة لإنشائها غير مأهولة بالسكان، فضلاً عن ارتفاع تكلفة صياناتها فعمرها الافتراضى قصير لا يتعدى ال20 عاماً، بينما العمر الافتراضى للمحطة النووية قد يصل ل60 عامًا، بالاضافة الى ان تكلفة إنشاء محطة نووية واحدة اقل بكثير من تكلفة إنشاء محطة طاقة شمسية بذات القدرة الإنتاجية للكهرباء. مصدر استراتيجي وقال د.وليد جاب الله " خبير الشئون الاقتصادية" ان المشروع النووي لمصر يعد مصدرا استراتيجيًا مستقبلي للطاقة، حيث يؤمن تزايد الاحتياجات المستقبلية من الطاقة بأسعار تنافسية أقل بكثير مما تتكلفه محطات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة الاخري، فضلا عن ان المشروع يعد حافزاً كبيراً يجذب المستثمرين ويساعد على النمو والتشغيل وخفض معدلات البطالة، الامر الذي يرفع من مستوي معيشة الافراد.. واضاف ان مصر خلال خلال الفترة الاخيرة اتجهت الى التوسع فى إنشاء محطات توليد الكهرباء بالبترول والغاز لتغطية الاحتياجات فى ظل الزيادة السكانية السنوية، بما استنفذ الاحتياطي المصري وتحولت مصر إلى دولة مستوردة للكهرباء بصورة أثقلت العبء على الموازنة العامة، خاصة فى ظل فشل جهود إحياء المشروع النووى قبل يناير 2011 بعد أن تزايدت أطماع المستثمرين فى الأرض المخصصة بالضبعة. لافتاً الى ان الحلم المصري فى امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية بدأ كأحد محاور نموذج التنمية فى الستينيات من القرن الماضي على يد الزعيم جمال عبد الناصر، إلا أن المشروع تعثر طيله السنوات الماضية لاسباب تمويلية وإصرار الولاياتالمتحدهالامريكية الى توقيع مصر على معاهده حظر نشر الاسلحة النووية. مشيراً الى ان الحكومة المصرية بدأت فى وضع الخطوات التنفيذية وتهيئة موقع الضبعه مع تولي الرئيس السيسي زمام الامور خاصة ان المشروع النووى كان ضمن برنامجه الرئاسي، وبالفعل تم عمل الدراسات الفنيه وإجرء المناقصات الدولية للوصول الى افضل العروض. تطور العلاقات بين البلدين ويري المستشار سامي الهلالي "رئيس مجلس إدارة شركة أموال وأعمال للاستشارات الاقتصادية " ان الزيارات المتبادلة بين مصر وروسيا تصب فى صالح البلدين وتدفع نحو مزيد من التعاون الاقتصادي، خاصة ان روسيا ابدت استعدادها لإعادة صيانة المصانع المصرية التي أنشأها الروس فى مصر، وبحث تمويل خطي المترو الجديدين، ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح فى مصر.. واضاف أن العلاقات بين مصر وروسيا تطورت بعد ثورة 30 يونيو، خاصة بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي زمام الأمور، لافتاً الى أن توجه الرئيس السيسي نحو روسيا جاء من منطلق حرصه على الاستفادة من الخبرات الروسية فى بناء المفاعل النووي بالضبعة، وأيضًا للمضي قدمًا فى تنفيذ اتفاقية المنطقة الصناعية الروسية المصرية فى محور قناة السويس، وغيرها من المشروعات المهمة. وأكد الهلالي، أن مصر بمساحتها وموقعها الجغرافى لها ميزات تنافسية فى التبادل التجاري مع روسيا خصوصا فى صادرات الخضراوات والفاكهة والسجاد والسيراميك، فضلا عن أن مصر تستهدف جذب أكثر من مليوني سائح روسي سنويا. نقلة عظيمة وعلى الجانب الآخر، قوبل المشروع النووى لمصر بترحيب عمالي واسع، وقال د. عادل نظمى "رئيس النقابة العامة للمرافق" أن ما يقرب من 175 الف عامل بقطاع الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة رحبوا بتوقيع عقد تنفيذ مشروع الضبعة النووى بين الرئيس السيسى ونظيره الروسي، الامر الذى ينقل مصر نقلة عظيمة ويضعها فى مصاف الدول الكبري على مستوى العالم. واضاف ان النقابة العامة حريصة على اقامة فرع لها داخل المشروع لتوفير الرعاية المتكاملة للعاملين، لافتاً الى انه بصدد تنفيذ بروتوكول التعاون الذى تم توقيعه مع وفد النقابة العامة للطاقة النووية والصناعات الروسية الذى زار مصر نهاية شهر نوفمبر الماضى والذي يقضى بان تقوم النقابة العامة المصرية برعاية العاملين الروس فى المشروع ووضع خطة مشتركة فى مجال تنمية المهارات الفنية والمساهمة فى تدريب العاملين المصريين.. يذكر ان مصر فى مطلع ثمانينات القرن الماضي بدأت إجراءات إقامة اول محطة نووية لإنتاج الكهرباء فى منطقة الضبعة الا أن المشروع تعثر بعد كارثة تشرنوبيل النووية فى عام 1986، ولم تقم منذ ذلك الحين بأي مشروع فى مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وفى 19 نوفمبر 2015 وقعت مصر مع دولة روسيا، إتفاق حكومى بشأن التعاون فى إستخدام التكنولوجيا الروسية وتشغيل أول محطة للطاقة النووية وتم تأجيله بسبب حادث الطائرة الروسية المنكوبة بشرم الشيخ.