تابع العالم العربي ومعه القوي الدولية والإقليمية إندلاع الأزمة العربية – القطرية فى 5 يونيو الماضي بصورة فجائية، وكان المشهد يكاد يتشابه مع مشهد مماثل عاصرناه فى 2013 و2014 خلال حكم الراحل الكبير الملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين السابق. كانت السعودية والإمارات والبحرين قد قررت استدعاء سفرائها من الدوحة، عاصمة قطر، احتجاجا على السياسات القطرية فى التدخل غير المباشر فى الشئون الداخلية لعدة دول عربية مركزية مثل مصر والإمارات، والسعودية كذلك، عن طريق الغطاء الإعلامي لكل قوي المعارضة لهذه الدول، وفى مقدمتها جماعة " الإخوان "، وقوي معارضة أخري. بالإضافة إلى دعم جماعات إرهابية وتكفيرية و" جهادية"،تم استخدامها لقلب أنظمة حكم عربية منذ نشوب ماسمي بال " الربيع العربي "، وعلي الدول العربية الضاربة، وهي العراق، سوريا، مصر، والسعودية، بالإضافة إلى ليبيا. وقعت قطر على إتفاق الرياض الذي تم بموجبه عودة السفراء السعودي والإماراتي والبحريني إلى العاصمة القطرية. وظن الجميع فى العواصم العربية إن دول مجلس التعاون الخليجي ستنتهج سياسة واحدة ومشتركة للتعامل مع التحديات والتهديدات المواجهة للربيع العربي وللأمن القومي والنظام العربي. لكن هيهات. رحل الملك عبد الله إلى رحاب الله فى يناير 2015 بعد أشهر معدودات من اتفاق الرياض، وانتهزت الحكومة القطرية التغيير فى هرم السلطة السعودية وبدأت تناور من جديد وتتملص من التزاماتها بموجب الاتفاق المذكور. ووجدت مصر ذاتها بمفردها تقاوم وتحارب السياسات القطرية على ثلاث جبهات، الجبهة المصرية، الجبهة السورية والجبهة الليبية. وازداد الموقف تعقيداً بانفتاح القوي الخليجية وبتأثير قطري وسعودي واضح على تركيا، التي أصبحت حليفا إستراتيجيا للخليج، وواقع الأمر ان هناك أصواتا خليجية ارتفعت فى هذه الفترة تشكك فى التحالف مع مصر، ودفعت دفعا لإرتماء الخليج فى إحضان تركيا إردوغان، العثمانلي الجديد. كانت قطر ومازالت تلعب على التناقضات العربية – العربية، والعربية -الإقليمية،بحثاً عن توظيف سنوات " الربيع العربي " لصالح أهداف سياستها الخارجية الرامية إلى تمكين " الإخوان" فى الوصول إلى الحكم فى القاهرة وطرابلس الغرب ودمشق كمرحلة أولي، ومرحلة تالية فى أبو ظبي ثم الرياض. وهذا المخطط ليس ببعيد عن مشروع غربي – صهيوني لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط خدمة لتنفيذ المرحلة التاريخية الثالثة فى المشروع الصهيوني. وقطر لن تتخلى عن سياسة اللعب على التناقضات الراهنة فى الخليج وفى الشرق الأوسط، ومهما تعرضت لضغوط من جانب مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فالأزمة العربية – القطرية ماهي إلا أحد وجوه الصراع الدولي والإقليمي على مستقبل الشرق الأوسط. علي الدول العربية التي قررت الدخول فى مواجهة مفتوحة مع قطر، مخلب القط، ان توسع دائرة المواجهة معها لتصبح مواجهة مع المحور القطري – التركي – الإخواني العالمي. علي المستوي التكتيكي، ينبغي التغلب على التناقضات القائمة حالياً فيما بين الأربع دول العربية بالنسبة لمواقف تلك الدول تجاه الصراعات المسلحة فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وتحديدا فى ليبيا. وهذا يتطلب العمل على عودة سوريا لتشغل مقعدها فى جامعة الدول العربية، وهذا يتطلب إلغاء القرار المؤسف للقمة العربية بالدوحة بمنح مقعد سوريا إلى ما يعرف باسم" إئتلاف الدوحة ". لايمكن نجاح المواجهة مع قطر، وهي مواجهة من أجل هزيمة عدة مشاريع إقليمية ودولية، إلا بإنتهاج سياسات قومية واضحة، لا لبس فيها لاستعادة قدرة النظام العربي على الوقوف بصلابة أمام كل الاختراقات الدولية والإقليمية والعربية ( للأسف الشديد) فى الشئون الداخلية للقوي العربية الرئيسية. ولعل مصر تتخذ قراراً تاريخياً بعودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وهي العلاقات التي تم قطعها بمعرفة النظام الإخواني فى القاهرة والذي أزاحته ثورة 30 يونيو. على مصر ان تستعيد وجهها القومي المضئ، فهذا هو حتمية تاريخية. السفير حسين هريدى