عندما أصدر المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 « بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية «ونشر فى الجريدة الرسمية فى 24 نوفمبر 2013، اعترضت الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية على هذا القانون، وقالت إنه قانون لتقييد الحق فى التظاهر وليس لتنظيم هذا الحق، الذي ضمنه الدستور فى المادة 73، ضمن الحقوق والحريات والواجبات العامة. وأطلقت السلطة ووزارة الداخلية صحفييها واعلامييها للدفاع عن القانون وتأكيد أهميته وضرورته واتفاقه مع النص الدستوري، ومهاجمة المعترضين واتهامهم بالسعي لإشاعة الفوضى فى البلاد وخدمة الارهاب ! وخلال الأسابيع القليلة الماضية توالت الوقائع التي تؤكد صحة موقف الرافضين لقانون التظاهر الحالي. ففى يوم السبت 3 ديسمبر الماضي (2016) قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة العاشرة بقانون التظاهر، والتي كانت تمنح وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماعات العامة أو التظاهرات المخطر عنها أو ارجائها. ومنذ أيام (12 يناير 2017) أصدرت وزارة الداخلية قرارا ( رقم 37 لسنة 2017) بتخصيص حرم آمن لا يجوز التظاهر فيه بمحيط جميع المنشآت الحيوية والمرافق العامة بالقاهرة كالمقار الرئاسية والوزارات والمجالس النيابية ومقار المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية والمنشآت العسكرية والحكومية والرقابية والأمنية، ومقار المحاكم والنيابات، والمستشفيات، والمطارات، والمنشآت البترولية، والمتاحف والأماكن الأثرية فى نطاق محافظة القاهرة، وحددت 800 متر كحرم آمن من جميع الاتجاهات المحيطة. وهذا الغلو فى تحديد الحرم الآمن يعني مصادرة لحق التظاهر، فالهدف من التظاهر هو أن يوصل المتظاهرون رأيهم أو احتجاجهم فى قرارات أو ممارسات السلطات المعنية، وهو ما يتطلب أن يكون التظاهر فى مواجهة الجهة المسئولة عن إصدار القرار أو ممارسة سياسات معينة، ويؤكد قانون التظاهر نفسه ذلك، فقد عرف القانون المظاهرة بأنها " كل تجمع ثابت لأفراد أو مسيرة لهم فى مكان أو طريق عام يزيد عددهم على عشرة بقصد التعبير سلميا عن أرائهم أو مطالبهم أو احتجاجاتهم السياسية "، كما نص القانون على ضرورة أن يتضمن الاخطار " مكان أو خط سير الموكب أو المظاهرة ". وكما يقول المحامي " خالد على " فى الدعوى القضائية التي أقامها أمام محكمة القضاء الإداري ضد قرار تحديد الحرم الآمن ب 800 متر، إن المتظاهرين ضد قرار أو سياسة مجلس الوزراء أو مجلس النواب لن يستطيعوا توصيل رأيهم أو احتجاجهم ف " 800 شمال هذه الجهات يكون على كورنيش النيل أمام السفارة البريطانية أو فندق شبرد، وجنوب هذه الجهات يكون بميدان عابدين، وشرق هذه الجهات يكون مستشفى القصر العيني، وغربها يكون ميدان طلعت حرب، إضافة إلى أن كل هذه المواقع ( السفارة البريطانية ميدان عابدين مستشفى القصر العيني " ممنوع التظاهر أو التجمع أمامها طبقا للقانون !. وفى يوم الاربعاء الماضي أيدت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة طلب وزارة الداخلية بتحديد " حديقة الفسطاط " لمن يرغب فى التظاهر، وذلك ردا على طلب بعض الأحزاب تنظيم وقفة احتجاجية ضد قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب، وأصدرت المحكمة هذا الحكم " دون استدعاء مقدمي الاخطار وهم طرف أصيل فى النزاع ودون إخطارهم رسميا بالحكم الصادر عن المحكمة، بأن المكان الأنسب للتظاهر من النواحي الأمنية هو حديقة الفسطاط، ما يتعارض مع رغبتنا فى التظاهر أمام مجلس الوزراء تحديدا، بغرض توجيه رسالة واضحة ومحددة للجهة التي وقعت على اتفاقية التفريط فى التراب الوطني، بل واستمرت فى غيها إلى حد إحالة الاتفاقية إلى البرلمان رغم أحكام القضاء الإداري الواضحة والواجبة الاحترام، كما قال مدحت الزاهد القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وأحد مقدمي الإخطار. وكان محافظ القاهرة قد أصدر فى عام 2013، قرارا تنفيذا للمادة الخامسة عشرة من قانون تنظيم حق التظاهر، حدد فيه مساحة 20 فدانا فى الجانب الجنوبي للتعبير عن الرأي، وتضمن القرار السماح بالدخول للحديقة للغرض السابق دون تحصيل الرسوم المعتادة لزوار حديقة الفسطاط، ومن خلال أبواب مخصصة لذلك، وتحديد البوابة الجنوبية للحديقة ( شارع الفسطاط ) للدخول لمنطقة التظاهر، كما يتم تخصيص سوق السيارات بمنطقة مدينة نصر على مساحة 10 أفدنة للتظاهر عدا يومي السوق. وحقيقة هذه القرارات هو تحديد مكان ثابت للوقفات الاحتجاجية بعيدا عن الجهات المخاطبة بهذه الوقفات، ومنع التظاهر عمليا، حيث يمنع القرار خروج المحتجين من " حديقة الفسطاط " أو " سوق السيارات ". باختصار أكدت هذه الوقائع الثلاث بما لا يحتمل أي شك ان القانون رقم 107 لسنة 2013 " بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية " هو قانون لمصادرة حق التظاهر، ليضاف انتهاك جديد للدستور الذي مازالت مواده مجرد حبر على ورق.