«الحوار هو الحل أرجو أن تتاح فرص للحوار لأن الكلمة أقوي من السيف دائما.. والقرآن بدأ ب «اقرأ» وسنظل نتحاور لكي نوقف نزيف الدم ونصل إلي كلمة».. والإسلام هو دين القول «بالتي هي أحسن». كانت هذه هي آخر كلماته خلال المناظرة الشهيرة التي أقيمت بينه وبين الشيخ محمد الغزالي ومؤمن الهضيبي ومحمد عمارة والتي صنفها البعض بأنها المناظرة التي تسببت في مقتله.. إنه المفكر الكبير د. فرج فودة والذي تمر ذكري وفاته العشرون خلال هذا الشهر.. وفاته التي جاءت بأيد اثنين من الشباب المنتمي إلي الجماعة الإسلامية عندما أطلقا عليه وابلا من الرصاص فأردياه قتيلا بعد أن أفتي بقتله الشيخ عمر عبدالرحمن أمير الجماعة وقتها. وبعد ذلك شهد الشيخ «الغزالي» أنه كان يجب أن يقتله ولي الأمر وليس آحاد الناس. ولأننا هنا لسنا في محل نقاش حول إهدار دم مفكر كل ذنبه أنه يجتهد ويقرأ ويعلن عن آرائه ولكن سنتحدث عن المناظرة ونستشهد ببعض كلمات فودة فيها والتي جاءت متزنة ولبقة وراقية حول «الدولة الدينية والدولة المدنية في مصر» والتي ساق خلالها فودة أدلة وبراهين مقنعة من كتابات وتصريحات الإسلاميين أنفسهم لعلنا ندرك في لحظة فارقة يمر بها الوطن، ما قاله أحد محبيه. مشهد نهار داخلي في قاعة بمعرض الكتاب في 8 يناير 1992 وندوة يترأسها سمير سرحان ويحضرها كل من ممثلي الاتجاه الديني أو الإسلامي «الشيخ محمد الغزالي – الذي صنف وقتها بالمعتدل أو الوسطي – والشيخ مأمول الهضيبي أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين، ود. محمد عمارة وممثلي التيار العلماني أو المدني: د. فرج فودة، د. محمد أحمد خلف الله من حزب التجمع بعد الكثير من الهتافات «الله أكبر ولله الحمد» لآلاف الحاضرين.. وبعد أن تكلم الجميع يتحدث فودة قائلا: «بداية التصفيق أو الهتافات سواء بالتأييد أو الاعتراض قد يحمل معني هو عدم الثقة في فريق من يمثله علي المنصة وهذا في اعتقادي غير وارد.. لا أحد يختلف علي الإسلام والمناظرة اليوم حول الإسلام الدين والإسلام الدولة، الإسلام الدين في أعلي عليين أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي وكيان اجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم». «الحجة الأولي التي أضعها أمام حضراتكم اليوم هي أن من ينادون بالدولة الدينية لا يقدمون برنامجا سياسيا في الحكم – ومازال الحديث علي لسان فودة – في مجلة «لواء الإسلام» بتاريخ 7 فبراير 1987 سئل الأستاذ مأمون الهضيبي «أنتم متهمون بأنكم لا تقدمون برنامجا تفصيليا لحل المشكلات التي تواجهها البلاد وتكتفون بالشعارات الفضفاضة والمبادئ العامة فرد سيادة المستشار الهضيبي قائلا: «انتي أقول لهولاء الذين يطلبون من الإخوان برامج تفصيلية أن تطالبوا السلطات بكف أيديها العنيفة عن الدعاة إلي الإسلام لإتاحة مناخ صالح للدراسات». وتحدث فودة في المناظرة عن دولة «الخلافة» واستشهد بكلام الشيخ محمد الغزالي نفسه واصفا إياه – وهو عزيز لدينا وغال علينا – في جريدة الوفد 2 فبراير 1989 عن دولة الخلافة الراشدة التي قامت علي شوري صحيحة أما دول الخلافة الأخري بقية الألف وثلاثمائة سنة فقدت صفة الرشد وأصبحت خلافة فقط لأن الشوري فيها غائبة أو مشوهة». وطالب فودة في حديثه ل «الإسلاميين» بإعطاء النموذج المثال للدول التي تطبق فكرهم في الجزيرة العربية هل هي إيران؟ أم حركة النميري في السودان؟ أعطونا نموذجا وأفحمونا لو سمحتم.. واستشهد أيضا بكلمات محمد الغزالي في مجلة «صباح الخير 13/4/1989» «الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إلي الحكم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك» ثم قال أعطونا نموذجا لدول دينية تسمح بمثل هذه المناظرة؟ ثم تحدث عن حجة جديدة لرفض الدولة الدينية وهي «وحدة هذا الوطن» وحضارة الإنسان التي تأبي الحكم الديني الآن مهما قلتم في النسب 95%، 90% لا يقبل منا أحد أن ينقسم هذا الوطن وأن يشعر فريق من المواطنين أو أكثر بالخوف من أن يحكم بعقيدة الآخرين ويشعر فريق آخر بالزهو لحكمه وعقيدته «فنحن لا نعرف هوية سوي «المواطنة». أما الحجة التالية فهي أننا نحن الذين ندعو لدولة مدنية تنزه الإسلام من ممارسات السياسة والمزايدات السياسية مؤكدا أن الخلاف ليس خلافا بين أنصار الإسلام وأعدائه إنما «خلاف رؤي»، ورؤي لا تتناقض مع الإسلام والفريق الذي أنتمي إليه لم ير أبدا أن الإسلام دين عنف ولأجل هذا فنحن ندين الإرهاب – مضيفا – التاريخ نقل إلينا في عصر العباسيين حوار أبوحنيفة مع ملحد والتاريخ نقل إلينا كتابات الملحدين داخل الدولة الإسلامية عندما كانت الدولة الإسلامية في قمة حضارتها لم يرتفع السيف وكان الحديث بالحروف لا «الكلاشينكوف» وإلي هنا تنتهي كلمات فودة في مناظرته.. ومن يدري لعله كان ينتبه وقتها أن أجيالا قادمة ستوقره ونتعلم منه الكثير.