رحلة الإسراء والمعراج لا أراها إلا مكافأة عظيمة من الله عز وجل لصاحب الخلق العظيم والمقام الرفيع.. خاتم الأنبياء والمرسلين.. خير خلق الله أجمعين. مكافأة علي ماذا؟.. أقول مكافأة. وليس تطيباً لخاطر ولا تسرية عنه لما حدث له في عام الحزن. كما يرجح أكثر علماء السيرة النبوية بأن حدوث الإسراء والمعراج كان تسرية عن رسول الله قبل الهجرة إلي المدينة بسنة واحدة. أي بعد مرور اثني عشر عاما من البعثة. وهي سنوات ذاق خلالها النبي وصحبه الكرام ألوانًا وأصنافًا من الاضطهاد والعذاب. شملت الجانب النفسي والاجتماعي والاقتصادي. وكان من ذلك أن قريشا استخدمت سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف. والتجويع الجماعي لهم. كفارا ومسلمين. واتفقوا علي ألا يناكحوهم. ولا يزوِجوهم ولا يتزوجوا منهم. ولا يبايعوهم. ولا يجالسوهم. ولا يدخلوا بيوتهم. ولا يكلِموهم. وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطَّلب صلحا أبدا. ولا تأخذهم بهم رأفة حتي يُسْلِموا رسول الله لهم للقتل. وقد بلغ الجهد بهم حتي إنه كانت تسمع أصوات النساء والصبيان وهم يصرخون من شدة الألم والجوع. وحتي اضطروا إلي أكل أوراق الشجر والجلود. وقد ظلَّت تلك المأساة البشريَّة طيلة ثلاثة أعوام كاملة. وما إن انتهت هذه السنون العجاف حتي تلاها عام الحزن. الذي لم يكن تسميته إشفاقًا من أحد. ولكنها تسمية النبي لما حدثت له مصيبتان كبيرتان في هذا العام: موت أبي طالب. عمِ رسول الله والسند الاجتماعي له. ثم وفاة خديجة رضي الله عنها. زوج رسول الله والسند العاطفي والقلبي له. لقد ازداد رسول الله غما علي غم حتي يئس من قريش. وخرج إلي أكبر القبائل بعد قريش وهي قبيلة ثقيف بالطائف. رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو ينصروه علي قومه. فلم يجد مستجيباً. ولم يرَ ناصراً. وهنا قام رسول الله من عندهم وقد يئس منهم. وقال لهم: ¢إِذْ قَدْ فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي¢. إلاَّ إنهم لم يفعلوا. بل تطاولوا عليه. وأَغْرَوْا به سفهاءهم الذين رَمَوْهُ بالحجارة هو ومولاه زيد بن حارثة. حتي دَمِيَتْ قدمه الشريفة. وشُجَّ رأس زيد. ولم يزل به السفهاء حتي دخل مضطراً إلي حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة. وهناك التجأ إلي شجرة وأخذ يدعو بالدعاء المشهور: ¢اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي. وَقِلَّةَ حِيلَتِي. وَهَوَانِي عَلَي النَّاسِ. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي. إِلَي مَنْ تَكِلُنِي. إِلَي بَعِيدي يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلَي عَدُويّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي. إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبى فَلاَ أُبَالِي...¢. هنا نزل ملك الجبال لرسول الله. كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها: ¢.. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ. إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا¢. انظروا كيف قابل رسول الله الإساءة بالحسنة. ولم يشأ أن ينتقم لنفسه حين امتلك قوة خارقة مدمرة. وتأملوا قوله تعالي في أول آية من سورة الإسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". السميع البصير. يعني يا محمد سمعنا دعاءك. ورأينا صبرك. ورأينا محبتك للبشر. هؤلاء الذين تفننوا قي الإساءة إليك.. كذبوك. وسخروا منك. وضربوك. وأعطيتك الخيار في أن تهلكهم. فقلت: لا يا رب. اللهم اهدِ قومي. فإنهم لا يعلمون. لذلك جاءت المنحة أو الجائزة العظيمة والرد الإلهي: إنك سيد الأنبياء والمرسلين. إنك سيد ولد آدم. إنك وصلت إلي سدرة المنتهي. ولم يصل إليها مخلوق في الكون. قمة الإخلاص للدعوة من عبد الله ورسوله. وقمة العطاء الإلهي لحبيبه ومصطفاه صلي الله عليه وسلم. ليت الجماعة الإرهابية تتعلم وتأخذ العبرة والعظة وتقتدي بإمام المرسلين في مقابلة الإساءة بالحسنة.. إن كانت هناك إساءة. والظلم بالعفو عند المقدرة.. إن وقع عليها ظلم. وليتها تنتهي عن نطح الصخر والسعي لإشاعة الفوضي دون جدوي. وقتل الأبرياء بتأويل فاسد وفتاوي ضالة مضلة. واتباع لخطوات الشيطان. وبعد عن هدي الرحمن.