النبي صلي الله عليه وسلم هو المنارة التي يهتدي بها الانسان كلما تعقدت الأمور أو ضلت الآراء, وحياته قبل البعثة كحياته بعدها عظة وعبرة وهداية ومثل أعلي لمن أراد الطريق الأقوم, وإذا كان بعض المسلمين يحتفلون بهذا الحادث علي انه حدث تاريخي مجيد ثم يمرون به علي أنه معجزة وقعت لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فأظهرت ماله من فضل وبينت ماله من مكانة, ولكن أمر الإسراء والمعراج أوسع وأعم من أن يكون حدثا تاريخيا انقضي وانتهي وذلك انه رسم لحياة المسلم وفيه من العظات والعبر مالا يكاد يحيط به الانسان. في البداية يقول الدكتور محمود رفعت المدرس بكلية الدراسات الاسلامية جامعة الازهر بأسوان. أنه في كل عام وفي نفس التوقيت تلوح في الأفق ذكري طيبة عطرة, ذكري الإسراء والمعراج التي قال الله تعالي فيها( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الإسراء الأية1, وتعد معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات الله تعالي التي لا تعد ولا تحصي, ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها, قد أكرم الله تعالي بها نبيه محمد صلي الله عليه وسلم , وأراه فيها عجائب آياته الكبري, ومنحه فيها عطاء روحيا عظيما, وذلك تثبيتا لفؤاده, ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلي النور, ولتكون تمحيصا منه تعالي للمؤمنين, وتمييزا للصادقين من الكاذبين, فيكونون جديرين بصحبة رسوله صلي الله عليه وسلم إلي دار الهجرة لذا يجب أن نسلط الضوء ونركز علي مواطن العبرة والعظة من تلك الرحلة العظيمة, وأن نتخذ منها منهج حياة لنا في واقعنا, فنسري بها من الضلال إلي الهدي, ونعرج بها مما نحن فيه إلي الدرجات العلي من الإيمان الإلهي والحب الرباني. فأول الدروس التي يتحتم علينا أن نتخذها نبراسا لنا في حياتنا, أن فرج الله قريب من عباده المؤمنين, وأن مع العسر يسرا, وأن النصر مع العسر, فلا نيأس ولا نقنط ولا نعجز, بل نصبر ونحتسب وندعو الله ان يفرج عنا ما نحن فيه, فتلك سنة الله في خلقه, قال تعالي( حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يوسف:110, فالنبي صلي الله عليه وسلم قبل إسرائه كانت الدنيا قد ضاقت به وشقت عليه بما لاقي من حصار قومه بنو هاشم في الشعب ومقاطعتهم, ثم موت عمه أبو طالب فزوجه خديجة رضي الله عنها , ثم خروجه إلي ثقيف يدعوهم إلي الإيمان والإسلام فقابله القوم بأن أغووا به أطفالهم وسفهاءهم فضربوه بالحجارة حتي أدموا قدميه الشريفتين, فكان فرج الله تعالي له بأن أكرمه بتلك الرحلة المباركة تسلية وتسرية وترويحا وتأييدا له ومن تلك العبر التي نحن في أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر لتكون منهج حياة لكل عبد مسلم أن يرفق بعضنا ببعض وأن يعذر بعضنا بعضا, فلا نكيل التعنيف والسباب والويل والثبور لمن خالفنا في رأي مهما بلغ, فإنه لا يبلغ درجة المخالفة في الدين التي تعرض لها النبي صلي الله عليه وسلم ولنكن متمثلين بنبينا صلي الله عليه وسلم وما فعله مع أهل ثقيف في مقدمات الإسراء وقد أوسعوه ضربا, فما كان منه صلي الله عليه وسلم أن رفع يديه الشريفتين إلي السماء ودعا ربه قائلا: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني علي الناس, أنت رب المستضعفين وأنت ربي, إلي من تكلني, إلي بعيد يتجهمني أم إلي قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك فأنزل الله تعالي ملك الجبال قائلا: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا. * من تلك العبر والعظات المهمة أيضا التي فقدناها في عالمنا الثبات علي الحق وقوة العقيدة في نفوسنا, فان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة أسري به مر بريح طيبة, فقال يا جبريل ما هذه الريح؟ قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون وأولادها, بينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المدري من يدها فقالت: بسم الله, فقالت بنت فرعون: أبي؟ قالت: بل ربي وربك الله, قالت: وإن لك ربا غير أبي, قالت: نعم الله, قالت: فأخبر بذلك أبي, قالت: نعم, أخبرته فأرسل إليها, فقال: ألك رب غيري, قالت نعم ربي وربك الله, فأمر بنقرة من نحاس فأحميت, فقالت له: إن لي إليك حاجة, قال: نعم, قالت:فجعل يلقي ولدها واحدا واحدا حتي انتهوا إلي ولد لها رضيع فقال: يا أمتاه اثبتي فإنك علي الحق رواه البخاري, فهل بلغنا مثل هذا الثبات الذي تخر معه الجبال الرواسي, فلنقتدي بماشطة بنت فرعون في أحوالنا مادمنا علي الحق. ويضيف الدكتور محمود رفعت من الدروس المستفادة في منهج حياتنا حفظ اللسان من إرسال العبارات بلا روية وإدراك, فمن أشد ما ابتلينا به في الأيام أن أطلق كل واحد منا لسانه شرقا وغربا إثارة للشائعات والكلام الذي يثير الفتن والقلاقل في الوطن, وبلادنا في أمس الحاجة إلي الألفة والمحبة والتجمع والترابط, فالفاعل لهذا مهلك لنفسه مضيع لوطنه, وقد نبهنا لذلك في رحلة الإسراء والمعراج فقد ورد فيما روي( ثم أتي علي جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع) رواه البزار وابن كثير, وقد حذرهم فقال( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالي لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم). بينما يقول الدكتور زكي عثمان استاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر. أن حدث الإسراء والمعراج لم يكن مجرد قصة لها ابطال وسيناريو وحبكة وعقدة بل هو أسمي وأرفع وأرقي من ذلك بكثير لأنه يحمل بين طياته سمات منهج حياة المسلم فمن أهم هذه السمات بعد الزمان والمكان والإنسان والقيم العظيمة والأخلاق الكريمة والإنسان ممثل في رسول ربه عبد وهذا العبد يؤدي كل حقوق ربه من خلال ما أمره الله به ويجتنب عما نهي الله عنه حيث قال ربنا في أول سورة الإسراء( سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير), وحينما يكون الإنسان عبدا لله ملتزما بهذا المنهج الواضح السليم الممثل في قوله تعالي في سورة الأنعام خطاب يوجه إلي النبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين), وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين الآية162 وأما البعد الزماني فهو ممثل في اللحظات التي أسري به صلي الله عليه وسلم من أرض إلي أرض إلي ما بعد سدرة المنتهي في حالتي الإسراء والمعراج وكان الوقت ليلا اذ يقول لنا ربنا سبحان الذي أسري بعبده ليلا) ولماذا الليل لأن له سمات يتميز بها منها النقاء والصفاء والهدوء والسكون وكل إنسان اما أن يخلو بنفسه أو بحبيبه وهنا تأتي اللحظة الفريدة كي يكون اللقاء فيه التكريم والتشريف من الله لحبيبه فعلينا أن ننظر إلي حقيقة الليل بدلا من أن يكون ضجيجا وخوف ولابد وأن يكون ليلنا منيرا بالقيام والتهجد وقراءة القرآن وما أعظم الليل حينما يذكر فيه القرآن بالنسبة للمؤمنين ثم هناك البعد المكاني ولقد كانت رحلة الإسراء من مسجد إلي مسجد وهو انتقال فيه البركة من جميع زواياها سواء من المسجد الحرام أو المسجد الأقصي وهنا من خلال المكان تكون الوحدة التي نحن في احتياج إليها هذه الأيام وما بعدها فوحدة المكان تكون عبقرية عظيمة رائعة فبيت الله الحرام نزل فيه الوحي علي قلب النبي صلي الله عليه وسلم والمسجد الأقصي كان فيه أنبياء الله عز وجل فعبقرية المكان أيضا تبدأ من بيت المقدس في رحلة المعراج إلي ما بعد سدرة المنتهي وهنا يحدث وصال بين الأرض والسماء فعلينا أن نأخذ الدروس والعبر ونستعد استعدادا قويا لاسترداد بيت المقدس بأي وسيلة سلمية إلي الجهاد يوحدنا ويطلب منا أن نكون في قمة الاستعداد العملي والسيكولوجي بعيدا عن الصرخات التي لا تكون إلا في ماء عكر ثم البعد القيمي والخلقي فيتمثل في قوله تعالي( لنريك من آياتنا) طه الاية23, فكم من مشاهد رأها رسول الله صلي الله عليه وسلم تبني النفوس وتؤلف القلوب وتوقظ الضمائر. ويختتم د. زكي عثمان كلامه ان النبي صلي الله عليه وسلم أتي لنا من هذه الرحلة بمنحة وهي معراج للأمة في كل يوم5 مرات ألا وهي الصلاة: الصلاة طهارة موحدة للصفوف ومؤلفة للقلوب وحدث الاسراء والمعراج يعلمنا المصداقية ويعلمنا كيف ننتصر علي شهواتنا ونفوسنا وكيف تكون لنا القدوة الحسنة من رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم.