الفرد هو أساس المجتمع. وعليه تُبني المجتمعات وتقام العناية بالفرد وتنشئته تنشئة صالحة هي عناية بالمجتمع. واتساقه علي أسس سليمة. وعماد قويم. ومن هنا كانت عناية الإسلام بالفرد. والتركيز علي تقويمه الصحيح. ونشأته الصالحة. يكفل له الحرية والاستقامة والكرامة. إذ أنه اللبنة الأولي التي يتعين الاهتمام به ورعايته بالتربية التي نجني من ورائها كل خير. لما كان الإنسان من طاقة جسدية وعقلية وروحية. فإن الإسلام وهو دين الله قد راعي كل طاقة من هذه الطاقات الثلاث. لا يهتم بإحداهن علي حساب الأخرين. وإنما كان الإهتمام بهن جميعا. لا تطغي الطاقة الجسدية علي الطاقة العقلية والروحية ولا إحداهما علي الآخريين.. راعي الإسلام غرائز الانسان الطبيعية الأصيلة. فلم يأمر بإرهاق الجسم وحرمانه من طيبات الحياة علي حساب الروح أو العقل. كما لم يأمر بكبت الغرائز وعدم إروائها بالطريق الحلال الذي لا لوم فيه ولا تثريب. لذلك نراه يعني بصحة الأجسام ووقايتها من الأمراض والأسباب التي تجئ بها. بل إنه ليجعل حفظ الحياة فرضا مقدساً. ومن ثم يجيز دفع الظمأ بشرب شئ من الخمر حال الضرورة كما رخص في الإفطار لمن لم يستطع الصوم إلي غير ذلك من الرخص التي أباحها في العبادات "الإنسان وحاجة الانسانية اليه للدكتور محمد يوسف موسي". أباح الإسلام كل طيب تتمتع به النفس وتشتهيه. واستحب للإنسان ان يتزين ويستطيب ويكون في أحلي صورة وأبهي منظر ما دامت الوسائل طيبة والرزق حلال. وطلب من الإنسان ألا يري إلا في صورة حسنة ومنظر طيب. وخاصة لدي الذهاب إلي المساجد في أيام الجمعة والأعياد وفي صلاة الجماعة.. ليس من التواضع أن يذهب الانسان الي صلاة الجماعة بملابس رثة أو غير نظيفة أو غير لائقة فيؤذي غيره أو يأكل طعاما له رائحة لا يحبها الناس عند ذهابه للقاء الله في المسجد أو لقاء أصحابه. قال تعالي "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" سورة الأعراف الآيتان 31 32 وقال تعالي "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وتري الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" سورة النحل الآية .14 ومن ثم فإن الإسلام أباح للإنسان كل طيب. وحثه علي التمتع بكل زينة لا تخرجه عن انسانيته. وأباح له الزواج وتمتع الرجال بالنساء وتمتع النساء بالرجال في إطار من المشروعية التي نظمها الله سبحانه وتعالي بالزواج نابذا الرهبانية التي لا تعترف بحقوق الجسد مخالفة لطبيعة الانسان. قال الله تعالي "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" سورة الروم الآية 21. وقال صلي الله عليه وسلم "لا رهبانية في الإسلام" وحين أراد أحد المسلمين أن يصوم الدهر كله. والآخر أراد أن يقيم الليل كله. وثالثا أراد ألا يقرب النساء. استنكر عليهم رسول الله ذلك. وقال "انما انا بشر مثلكم. أصوم وأفطر. وأقوم الليل وأنام. وأتزوج النساء. وهذه سنتي. ومن رغب عن سنتي ليس مني" لذلك اراد الاسلام ان يكون الانسان انسانا يعيش الحياة كما نظمها الخالق. يتمتع بما خلقه الله له بقواعد تجعله لا يطغي ولا يتقوقع. كرم الله الانسان بالعقل وهو مناط التكليف.. طلب منه اعماله في شئون حياته دون غرور أو أهمال.. يختار الأفضل فيأتيه. ويدع القبيح قلا يقربه. يستفتي قلبه فيفتيه. حين لا يستطيع ان يصل الي نتيجة اذا أعمل فكره واجتهد.. لا عدوان عليه اذا ما هداه فكره فيما لا يجد فيه نصا. أو حين لم يستطع تأويله. فباب الاجتهاد مفتوح لكل ذي عقل وكل ذي ضمير.. نصح رسول الله صلي الله عليه وسلم أحد الصحابة. وقد سأله عن البر "الخير". قال "البر ما اطمأنت اليه النفس. واطمأن اليه القلب. والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان افتاك الناس وأفتوك وفي ذلك تربية لضمير الفرد وحثه علي الاستقامة باستهداف طريق الخير واختياره والابتعاد عن طريق الشر وهجره. وفي حديث آخر اعتبره مكملا للحديث السابق في بناء شخصية الانسان المسلم. ودفعه إلي التفكير الذي فرضه الاسلام. يقول صلي الله عليه وسلم "لا تكن امعة. تقول ان أحسن الناس أحسنت. وان أظلموا انفسهم أو غيرهم ظلمت. ولكن وطنوا انفسكم ان أحسن الناس أن تحسنوا. وان اساءوا فلا تظلموا". مجد الإسلام العقل. وحث علي التفكير في آيات كثيرة من كتاب الله. ومن لم يستخدم العقل والتفكير في أمور حياته. فقد أضاع نعمة الله عليه. وتكريمه له. إذ أن العقل هو ما يفرق الانسان عن الحيوان.. ولابد ان يكون استعمال العقل فيما أراده الله من خير للانسان وللدنيا كلها. يصلح بها حال نفسه كفرد وبالتالي يصلح حال المجتمع كله. تطبيقا للقاعدة الاسلامية الشهيرة "خير الناس أنفعهم للناس" و"خيركم خيركم لأهله. وأنا خيركم لأهلي" هكذا هتف الرسول صلي الله عليه وسلم في قلوب المسلمين وآذانهم. ونادي القرآن الكريم المسلمين بل البشرية كلها بأن يتفكروا. ويعقلوا. ويتدبروا ووصفهم بأنهم أولو الالباب أي أصحاب العقول. ومن هنا كان الاستاذ العقاد يقول "التفكير فريضة إسلامية" قال تعالي "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها" سورة الحج الآية 46. فكلما كان الانسان يتمتع بعقل سليم وحواس تعمل فإنه مسئول أمام الله فيما يأتيه وفيما يعتنقه. وعليه استعمال ملكاته في أمور حياته قال تعالي: "إن في ذلك لذكري لأولي الألباب" سورة الزمر الآية 21. وقال "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون" سورة البقرة الآية 242 وقال "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" سورة النحل الآية 44 ومن هنا نستطيع ان نقول ان العقل هدية الله للانسان ليعمله في التفريق بين الخير والشر. والهدي والضلال والاستقامة والانحراف وهو الأداة التي من أجلها يحاسب الانسان امام مولاه وهو التكريم الذي أسبغه الله علي عباده ليفرقهم عن الحيوانات. أما عن الروح. فلم يتركها الخالق. وانما طهرها بالعبادات وزكاها بالصلاة حين يلتقي العبد بربه بعد ان يتهيأ لها بالوضوء.. يمتثل لطاعته. ويقبل عليها بعد أن عاهد ربه في وضوئه بألا تمس يده حراما ولا يري منكرا. ولا يسعي الي شر. وتمثل الصلاة في الإسلام حركة جسدية في الركوع والسجود والقيام. وحركة عقلية في تدبر آيات الله التي يقرؤها. وحركة روحية في التسبيح والاستغفار والدعاء في ركوع المصلي وسجوده كما يمثل الصوم والحج امتثالا لاوامر المولي سبحانه وتعالي والانصياع إلي طاعته والخضوع له ومن ثم فإن الإسلام يري الانسان الفرد باعتباره نواة المجتمع مراعيا فيه كل نوازعه الجسدية والمادية والامكانات العقلية التي يعرف بها الانسان بها ربه. ويصقل عنده الناحية الروحية ليكون انسانا بناء يملأ الخير جوانبه. وتتحرك فيه دفعات التقدم والرقي الذي يجعله لائقا بأن يكون خليفة كما اراد الله في قوله تعالي "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" سورة البقرة الآية .30