أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي رقم 137 لسنة 2010 بحيث تنص علي اعتبار أطفال الشوارع ومجهولي الهوية "أيتام". كما قرر الرئيس تخصيص 100 مليون جنيه لحماية أطفال الشوارع وأصدر أمرا بسرعة حصر أعدادهم علي مستوي كافة محافظات الجمهورية.. القرار أثار جدلا كبيرا فبينما اعتبره البعض خطوة لإعادة هؤلاء الأطفال لنسيج المجتمع. رفضه البعض الآخر باعتباره يعمق الفجوة بين أطفال الشوارع وأسرهم رغم أن بعض الحالات لا يلزمها سوي علاج بسيط لبعض المشكلات حتي يعود الأبناء لأحضان أسرهم.. أبدت ابتسام أبو رحاب. عضو الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة. تعجبها من قرار اعتبار أطفال الشوارع ومجهولي الهوية من الأيتام قائلة: لست أدري ما هي المزايا الإضافية التي يتمتع بها اليتيم ويفتقدها طفل الشارع حتي يمكننا أن نعتبر تعديل أحكام قانون الضمان الاجتماعي مكسبا لأطفال الشوارع . أضافت: إن أطفال الشوارع يمثلون خطورة شديدة علي المجتمع. وهذا سبب نبذهم وتخلي الكثيرين عن دمجهم بالمجتمع لأن نزعة العنف والجريمة متأصلة لديهم . وهم معذورون لأنهم لا يعرفون لغة غير هذه . ولم يجدوا من يوجههم للطريق السليم لذلك فهؤلاء الأطفال لابد من احتوائهم لأنهم يمثلون مصدرا لمشكلات لا حصر لها فأي جرائم عنف أو بلطجة يتم استخدامهم لتنفيذها بأرخص الأسعار. أكدت أبو رحاب. أن هناك خيارين لا ثالث لهما بالنسبة لأطفال الشوارع : إما أن يكونوا جزءا من كيان المجتمع عن طريق دمجهم وتأهيلهم. أو أن يتم التخلص منهم بقتلهم مثلما تفعل كوبا وغيرها من الدول التي تضرب أطفال الشوارع بالرصاص كالكلاب الضالة لأنهم يمثلون كارثة وعبئا كبيرا علي المجتمع. استكملت قائلة: نحن كمسلمين نرفض خيار القتل بالطبع. لكن لابد للدولة أن تبحث عن خطة أخري لتأهيل أطفال الشوارع بخلاف اعتبارهم أيتاما لأن هذا القرار وحده لن يحل مشكلة هؤلاء الأطفال. بل تلزمه إجراءات أخري تصب أساسا في صالح هؤلاء الأطفال وتقدم لهم حلولا عملية تخلق منهم مواطنين صالحين مثل تخصيص دور رعاية خاصة بهم تفصل صغارهم عن كبارهم لأن لكل منهم متطلباته واحتياجاته. ولاشك أن هذه الإجراءات تتطلب مجهودا كبيرا فهي ليست بالأمر الهين. فشل إداري أبدت سعاد محمد يوسف. رئيس جمعية مصر لحماية الأسرة والبيئة. اعتراضها علي قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتبار أطفال الشوارع من الأيتام قائلة: هناك الكثير من أطفال الشوارع يعرفون أهلهم جيدا ولا يريدون العودة إليهم نتيجة ظروف أسرية متعددة مثل انفصال الأب عن الأم وزواج كل منهما ليصبح الطفل هو الضحية فلا زوجة الأب تتحمله ولا زوج الأم يقبل تربيته. أو وفاة الوالدين وتعهد أحد الأقارب بتربيته ليكون الشارع مصيره. أضافت قائلة: كنت قد اقترحت أن ننشئ كيانا كبيرا ليصبح مدينة تضم كل أطفال الشوارع علي أن يخصص كل مبني لمرحلة سنية معينة فمثلا أطفال من سن الولادة وحتي ست سنوات يتم وضعهم في مبني. وأطفال مرحلة بدء دخول المدارس يتم تخصيص مبني لهم وهكذا لنبدأ بعد ذلك مرحلة الإعداد التربوي لهؤلاء الأطفال. مع أخذ عناوين آبائهم للتواصل معهم وإخبارهم أن أبناءهم موجودون لدينا. مع إعطائهم حرية الاختيار في أخذ أبنائهم بعد انتهاء مرحلة التأهيل. أو تركهم في المؤسسة المزمع إنشاؤها. فإن اختاروا أخذ الأبناء فإننا نتابع بأنفسنا مدي التزام الآباء بالمعاملة السوية لأبنائهم وإلا يتم استعادتهم مرة أخري ليكونوا تحت إشرافنا لأن معظم أطفال الشوارع يفتقدون العطف الأبوي. استكملت سعاد يوسف قائلة: تقدمت باقتراحي هذا لوزيرة السكان السابقة مشيرة خطاب. لكنه لم يعجبها. كما طلبت من محافظ القاهرة إعطائي أرضا علي أن أقوم بتنفيذ المشروع بالتعاون مع مجموعة من رجال الأعمال الذين تجاوبوا مع الفكرة لكنه قابل الأمر بالسخرية والتهكم. شددت علي أن المسائل التي تتعلق بالتعامل مع النفس البشرية يصعب معها اتخاذ قرارات نظرية لصعوبة تعميمها مؤكدة الدور الخطير الذي يقوم به الإعلام في تزيين حياة الشارع لهؤلاء الأطفال بتصويرها كأنها جنة ينعم مرتادوها بالحرية والانطلاق لذلك لابد أن يقوم الإعلام بدوره في توصيل الصورة الحقيقية لحياة أطفال الشوارع وتنفير الناس منها وليس العكس. ناشدت سعاد يوسف. الرئيس السيسي الاستعانة بخبرات المتمرسين في العمل الاجتماعي للاستفادة بتجاربهم بعيدا عن أساتذة الجامعة والأكاديميين الذين يستقون كل خططهم من الكتب بعيدا عن الاحتكاك المباشر بالفقراء علي أرض الواقع. أشارت إلي أن هذا الأمر هو سبب الفشل الإداري الذي تعانيه مصر في معظم المجالات حيث الإصرار علي إسناد الأمر إلي رؤساء جامعات أو أساتذة قد يقدمون حلولا لا يمكن تنفيذها علي أرض الواقع. أضافت قائلة: من واقع خبرتي التي تمتد لما يقرب من ثلاثين عاما في ممارسة العمل الاجتماعي التطوعي أري أن قرار معاملة أطفال الشوارع معاملة الأيتام لن يفيد أطفال الشوارع لأن كثيرا منهم لديهم أسر. لكنهم يعانون مشاكل معهم . لو تمكننا من حل هذه المشاكل نستطيع المساهمة في عودة هؤلاء الأطفال لأسرهم والتي ستظل الأكثر حنانا عليهم مهما حدث ولن يتمكن هؤلاء الأطفال من تعويضها بسهولة. خطوة علي الطريق اعتبرت الدكتورة سهير سند. أستاذ الاجتماع بمركز البحوث الجنائية. القراربمثابة خطوة جيدة علي طريق الحل عن طريق محاولة الوصول لمنابع المشكلة لأن أطفال الشوارع دائما ما يكونون نتاج أسر فقيرة لا تستطيع أن ترعي أبناءها أو تعاني الجهل والفقر وبالتالي فإن وضعهم مع أسر بديلة ترعاهم وتكفلهم وتنفق عليهم يعد مساهمة في التصدي للظاهرة بطريقة عملية. شددت علي أن رعاية أطفال الشوارع لا تكون بالدعم المادي فقط. بل بالرعاية الثقافية والدينية أيضا لأن هؤلاء الأطفال يتم استغلالهم استغلالا سيئا من المتطرفين أو المنحرفين باللعب علي وتر عوزهم المادي وانعدام الفكر والثقافة لديهم. أكدت أن قرار الرئيس بمعاملة أطفال الشوارع معاملة الأيتام سيكون مجديا بالنسبة للأطفال المعروف أسرهم حيث يمكن دعم هذه الأسر ماليا من خلال الضمان الاجتماعي لمنع أبنائهم من الانضمام لقائمة أطفال الشوارع. لكن هناك جزءا من أطفال الشوارع معدوم الهوية. فكيف سيتم التعامل معهم؟ مسئولية وجوبية رحب الشيخ صبري عبادة وكيل وزارة الأوقاف بالقرار قائلا: لاشك أن طفل الشوارع هذا قطعة من المجتمع وفصيل منه لا ذنب له إن كان قد أتي إلي الحياة بطريق شرعي أو غير شرعي نتيجة انتسابه لأبوين لا يقدران قيمة الإنسانية وحقوق الإنسان. وبالتالي يجب علي الدولة والمؤسسات الاجتماعية وأصحاب القلوب الرحيمة أن يتبنوا هؤلاء الأطفال ويدخلوهم تحت مظلة دور الأيتام والمصحات لتغيير وجهة نظر المجتمع لهم علي أنهم أطفال غير أسوياء. لأن بإمكاننا إصلاحهم وتهيئتهم ليكونوا عناصر فعالة في المجتمع. أكد الشيخ عبادة. أن الحكم علي هؤلاء الأطفال من خلال نظرة عامة هو حكم خاطئ فلابد من التعامل مع كل طفل من هؤلاء الأطفال علي أنه حالة منفردة وفقا لأفعاله مع ضرورة احتوائهم بدلا من أن يتحولوا لعناصر فاسدة. وربما يؤدي هذا الاحتواء إلي أن يخرج منهم نوابغ تفيد المجتمع وتصلحه. أضاف: إن اليتيم في الإسلام هو من فقد أباه أو أمه أو كليهما. والفقد لا يقتصر علي الموت فقط بل قد يتمثل الفقد في طفل ضل الطريق أو تاه في المجتمع دون أن يعرف أباه أو أمه هو في هذه الحالة يتيم أيضا يستوي بمن مات والده في المنزلة. لأن الإسلام لم يعط اليتيم هذه المكانة إلا لأنه فقد والديه أو أحدهما. ولم يفرق الإسلام بين من فقد والده بالموت وبين من لا يعرف والده لأنه ابن غير شرعي. وبالتالي فرعاية أطفال الشوارع وكفالة المجتمع لهم مسئولية وجوبية إلي أن يتحقق الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي وتختفي هذه الظاهرة تماما. واستبعد إمكانية أن تتخذ هذه الرعاية ذريعة لإلقاء الآباء أبنائهم بالشوارع فلا يوجد أب أو أم أسوياء يقذفون بأبنائهم للخطر والمجهول من أجل أن يتلقوا الرعاية. اتجاه إيجابي أكد الدكتور محمد يونس. أستاذ القانون العام وعميد كلية حقوق حلوان سابقا . أن معاملة أطفال الشوارع معاملة الأيتام اتجاه إيجابي ومطلوب لأن هؤلاء الأطفال يمثلون مشكلة خطيرة قد تؤدي لدمار المجتمع مشيرا إلي أنه لا توجد أدني مشكلة قانونية في هذا الأمر. صحيح أن اليتيم قد يرث وابن الشارع لا يرث نظرا لعدم معرفة أبيه أو أمه. لكن القرار الجديد بصدد معاملة طفل الشارع معاملة اليتيم وليس اعتباره يتيما وهناك فرق كبير.. هذه المعاملة ستكفل له الرعاية وتوفير المأوي والتعليم وغيرها مما يتمتع به الطفل اليتيم في الملاجئ. ولا مانع من ضم أطفال الشوارع مع الأيتام في أماكن واحدة طالما توافرت الرقابة.