إِنّ مُصطلح تجديد الخطابِ الدّيني منَ النَّاحيةِ اللُّغويَّة حديث جدًّا. أمّا من ناحيَة المضمُون فهو دعوةى قديمةى جدًّا. قِدَم الرسالات. لأنَّ التجديد بمفهومنَا هو عودةى للمنابعِ والأصُول. عودةى كاملةى صافيةى. وترك التقليد الفاسد القائم علي الاتّباع والمحاكاة علي غير بصيرةي. فهو عملية إصلاحيّة محافظة. وليس عمليّة تخريبيّة متفلتة. إذن التجديد المشروع هو إعادةُ الدين إلي النّحو الذي كان عليه زمن النبي - صلي الله عليه وسلم - وإعادة الناس إليه علي النحو الذي مضي عليه أهل القرون الثَّلاثة المفضلة. فيُنفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وغلو المتنطعين وتفلّت الفاسقين. ويعود إليه بالقبول والتلقي. والانقياد والتسليم. والتصديق والاتباع. والتوقير والتقديم والفهم والالتزام والتطبيق. مع مواكبة العصر الذي نعيش فيه. فالإسلام كالثَّوب الفضفاض صالح لكلّ زماني ومكاني. وفي عصرنَا هذا نجدُ الواقع يلحّ علي ضرورةِ التَّجديد. خاصة أنّ كثيرًا من العامّة بَعُد عهدهم بالعربية الفُصحي مما أوجد حاجزًا بينهم والفهم الصَّحيح لكثير من الأمورِ الواردةِ في النُّصوصِ. وكذا ظهور كثير من المعاملاتِ والتَّصرفاتِ التي لم تكن موجودة زمن نزول الوحي أو زمن الأئمّةِ الأعلام. مما يحتاجُ إلي بيانِ الوجه الشرعيّ الصحيح بإزائها. عن طريق القياس. أو الاجتهاد. وبهذا يتَّضحُ لنا أنَّ الهدف الأسمي من التَّجديد هو نقل الدّين من قرني إلي قرن ومن جيلي إلي جيل. وهو محاطى بالحفظِ والصّيانة » بحيثُ لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه. ولا يُحال بينه وبين قيادة الحياة الدنيا وتوجيهها. والتي جاء لإصلاحها لتكون معبرًا آمنًا للحياة الآخرة. بيْد أنَّهُ لا بدّ من ضوابط للتجديد وهذَا هو المأمول من علمَاءِ الأمَّة » وإلا فهو بناءى منهارى في نهايةِ أمره. وإنْ تَطاولَ إلي عنَانِ السَّماءِ. وللأسف الشديد فَهم كثيرى منَّا مفهوم التجديد بأنهُ تخْريب. وتغريب للأمّةِ. وإملاء من الخَارج لهدم ثَوابت الدين. وهذا واقعى أليمى. لا يُؤيده عاقل. ولا يقُول به إلا جَاهل. وهذا الفهم كان سائدًا في بداية القرن العشرين خاصة مع ظهور الثورات العلمية. حتي فهم النّاس ضرورة التجديد ليتعاملوا مع التطورات العلمية بسلاسة ويسر. فنجدهم حرّموا القهوة في بدايتها. والمياه الغازية. والصنبور حال الوضوء... إلخ. لأنهم لم يدركوا مفهوم التجديد جيّدا » ولإزالة هذا اللّبس يمكننا أن نتلمّس ضوابط للتجديد. والأُطر التي تحيط بعمليّة التجديد التي تناسب الزّمان والمكان دون المساس بثوابت الدين. ومنها: - صفات يجب توافرها في المجدّد: فيجب أن يكون المتصدي للتجديد من أهلِ الدين. والمؤمنين حقًّا. وأن يكون من المتفقهين فيه المتمسكين به في أقوالهم وأفعالهم. لا يظهر منه تهاون فيه أو خروج عليه. أو تساهل وتفريط فيما دلّ عليه. - ولا بدّ وأن يكون عارفًا بأحوال الأمّة. متلمسًا موضع الدَّاء. محيطًا بأحداثِ العالم المحيط. لكي يبذل جهدهُ بعد ذلك في نفعِ الأنَام. قال شمس الحقّ - شارح سنن أبي داود -: ¢ المجدّد لا يكون إلا من كان عالمًا بالعلوم الدينيّة. ومع ذلك من كان عزمهُ وهمّته آناء الليل والنّهار إحياء السنن ونشرها ونصر صَاحبها. وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان. أو تصنيف الكتب والتدريس. ومن لا يكون كذلك لا يكون مجددًا البتّة. وإن كان عالما بالعلوم مشهورًا بين الناس مرجعًا لهم ¢. وهذه الأوصاف لا شكّ أنَّها تخرج العلمانيين والزنادقة والملاحدة والمبتدعة. والأدعياء الذين يريدون تسلق هذه القمة العالية - التي لا يرقاها إلا أفاضل المؤمنين - بغير عدّة ولا استعداد فيخرج من ذلك أهل البدع » إذ كيف يجددون الدين وهم ساعون في خرابه؟ وكيف يحيون السنة وهم عاملون علي إماتتها؟ وكيف يمحون البدع وهم جادون في نشرها وترويجها؟ وبالطبع يخرج من باب أولي المرتدون عن هذا الدين. - ولا بدّ أنْ ينطلقَ التّجديدُ من الكتابِ والسُّنّة ففيهما بيان كلّ شئ. ولو انطلق التّجديد من غيرهما كان مذمومًا. قال تعالي: ¢ فإن تنازعتم في شئ فردّوه إلي الله والرَّسول ¢ " النساء / 59 ". أي إذا حدَث اختلاف أو تنازع وجب الردّ إلي الكتاب والسنّة. ويفهم منْ ذلك أنَّه لو لم يكن فيهما جواب وبيان لكلّ شئ لم يكن في الرّدّ إليهما حسْم للنزاعِ. قال أبوإسحاق الشّاطبي ت 790ه في في سفره القيّم ¢ الاعتصام ¢: ¢ إنّ الله تعالي أنزل الشريعة علي رسوله- صلي الله عليه وسلم - فيها تبيان كلّ شيء يَحتاج إليه الخَلق في تكاليفهم التي أُمروا بهَا. وتعبداتهم التي طوّقوها في أعناقِهم. ولم يَمُتْ رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حتَّي كمل الدين بشهادة الله تعالي بذلك » حيث قال تعالي: ¢ اليومَ أكملتُ لكُم دينكُم وأتممتُ عليكُم نعمتِي ورضيتُ لكُم الإسلامِ دينًا ¢ " المائدة / 3". فكلُّ من زعمَ أنَّه بقي في الدينِ شيء لم يكمل فقد كُذِّب بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم¢.