الحداثة: مصطلح علماني يعني التمرد علي كل ما هو قديم. والإعراض عن كل القيم المتوارثة» يقصد "الدين والعقائد والعادات والأخلاق والشعر واللغة .... وغير ذلك". ولن أسهب في سيرة "شارل بودلير الفرنسي 1821م / 1867م" الذي يعتبر عند العلمانيين المبشر الأول للحداثة في العالم. لكن لا بأس أن أقول بأن "شارل بودلير" هذا دعا بكل قوة إلي التسيب الخلقي والتمرد الكلي علي كل قديم. والانقلاب علي كل ما هو تاريخي من دين وقيم وأخلاق وأنماط حياة وشعر وأدب ولغة. ودعا لفوضي جنسية. ونشر الإباحية. والشذوذ الجنسي. وتعاطي الخمور والمخدرات. واستغلال المرأة في أنوثتها وجمالها لتكديس الأموال علي حسابها. ونادي بمعاقرة كل رذيلة بتلذذ ورضا. وكذلك لن أتعرض "لغوستاف فلوبير1821م/1880م" الذي لا يفرق عن "شارل بودلير" كثير بل هما وجهان لرذيلة واحدة. ولن أسهب في ذكري مساوئ رأس الحداثيين العرب المدعو "أدونيس". واسمه "علي أحمد سعيد" السوري النصيري - والنصيريون يعبدون علي بن أبي طالب من دون الله - ويعد المروج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية. وليعلم الجميع أن هذا الرجل المدعو "أدونيس" والذي يسبح بحمده كثير من العلمانيين بمصر والدول العربية» أنه دعا إلي محاربة الله تعالي علناً وجاهر بها في رسالة الدكتوراه التي تقدم بها لجامعة القديس يوسف في لبنان بعنوان: "الثابت والمتحول"؟! وفي بلادنا من يعشق هذا الرجل ويقوم بنشر فكره بكل ما أوتي من قوة. وجعلوا لأنفسهم رابطة وأطلقوا علي أنفسهم المثقفين. وراحوا يهزون ويصرخون بما يجرح مشاعر العامة قبل الخاصة من غير خجل ولا وجل. حتي إذا قال لهم قائل اتقوا الله رموه بالنفاق الاجتماعي. والإرهاب الفكري. والتخلف والجمود والرجعية. وأشياء أخري كثيرة. كما يظن بعض المروجين لها أنها بحبوحة السعادة وواحة الرقي والتقدم والازدهار وعنوان التنوير والإبداع والتحرر من قيود الاستعباد والإرهاب الفكري. وهم يقصدون بكل هذا "الإسلام وعلماء الإسلام والمسلمين" وللأسف كثير من الناس يرددون كلمة حداثة في حوارهم وخطبهم بعلم وبغير علم. وأنا أعتقد أن كثير منهم لا يقصدون محاربة الله تعالي ولا محاربة دينه الإسلام. بل يحافظون علي صلواتهم ويؤدون واجباتهم الدينية بكل اعتزاز وافتخار. ولا يدور في خلدهم طرفة عين أنهم يحاربون الله ورسوله وليس هذا دفاعاً عنهم بل هي الحقيقة. فمعظمهم مقلدون لنعرات الحداثة التي لا يفهمونها علي طريقة أدونيس أو شارل بودلير. غير أن هناك من بني جلدتنا من يدعو إلي الحداثة كما دعا إليها المتفسخون قديماً وحديثاً مثل حداثة: محمد أركون الجزائري. والشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي. والشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كان عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي أثناء إقامته بفلسطين المحتلة. والدكتور نصر أبو زيد المصري الذي حكم علماء الأزهر بمروقه من الملة وغيرهم كثير وأسماؤهم ساطعة في سماء مصر العريقة". لقد دعوا للحداثة بمفهوم: جحدها للإسلام. وتنكرها للديانات السماوية. والانقلاب علي القيم الإنسانية فلفظهم الناس فما كان إلا أن فروا إلي القنوات الفضائية حيث يستقبل العلمانيون استقبال الأبطال الفاتحين ليتكلموا بلا علم ولا تخصص في كل شيء متعلق بالدين ويثيرون الشبهات حول القرآن والسنة والفقه والأئمة ورموز العلم الشرعي قديماً وحديثاً تحت باب ما يسميه وزير الثقافة د.جابر عصفور "حرية الإبداع وحرية التعبير ونقد ثقافة التخلف وكلها مصطلحات مفرغة من معناها ومعبأة بالديناميت الخاص بالعلمانيين لتنفجر في وجه الدين والقيم الإنسانية "أليس هذا نوعا من التطرف الفكري؟ والانشغال بالرد عليهم إهدار للوقت والجهد والمال. ويشكك الناس في الثوابت الدينية فيلجأون للتطرف بنوعيه التطرف الديني والتطرف العلماني. وكما قال الدكتور مصطفي هدارة رحمه الله عميد كلية آداب طنطا الحداثة هي: نظرية علمانية تنادي بالقطيعة الكاملة مع تراث الماضي والتمرد علي الحاضر بكل أشكاله ليس فقط في النواحي الأدبية بل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأيضاً الإلحاد الكامل وعدم الاعتراف بوجود إله. وكذلك عدم الخضوع للمنطق بأي صورة من الصور والاعتماد علي الخواطر الباطنية للإنسان في التعبير عن رؤيته. وفي الأدب لا يعترف بوجود قاعدة أياً كانت بل الغموض عنصر أساسي فيه والأهداف من نشرها: الدعوي إلي التفسخ الخلقي ونشر الإباحية والدعوة إلي الفوضي الجنسية وتزيين الرذيلة والتعاطي للخمور والمخدرات باعتبارها داعماً قوياً لكل إباحية وشذوذ. وحتي لو تكلم منهم الكثير عن الحداثة في السياسة والحكم. الاقتصاد. والزراعة والتجارة والتعليم. وحتي لو تكلم غيرهم في الحداثة من الجانب المؤسسي والتنظيمي في الإدارة والحكم. وفي الجانب العلمي التجريبي ولا سيما في مجالات استعمال الآلات والتقنيات والتكنولوجيا. ومن المعلوم أن اليساريين في العالم العربي والإسلامي عموماً جروا مجري اليساريين الأوربيين الذين استطاعوا محاصرة الديانات في دور العبادة ولا تبرحها. فهؤلاء يرفعون راية الحداثة أكثر من غيرهم. حتي إنهم ليجعلوا منها برنامجهم الانتخابي ومرجعيتهم الفكرية. وأنها رمز الدولة العصرية. وأنها ترمي إلي التعددية. والانفتاح علي العالم. واحترام الرأي المخالف. وحرية المرأة... الخ. ولا يتطرقوا للتفاصيل التي تضعهم في مواجهة مع المصريين غير المستعدين للتخلي عن تاريخهم وتقاليدهم فضلاً عن دينهم وأخلاقهم وقيمهم ولغتهم. مهما نعتهم المخالف بالنعوت الجارحة. ولن يزيدهم ذلك إلا تشبثاً بدينهم واعتصاماً بهويتهم وتمسكاً بلغتهم العربية وصوناً لأعراضهم وإصراراً علي كرماتهم. والجدير بالذكر أن الحداثة فيما يرجع إلي عمقها الفلسفي والتاريخي وإلي الأهداف الحقيقية المتوخاة من اعتناقها ونشرها تبقي سجينة النخبة الضيقة. ولا سبيل إلي تعميم ذلك بين أفراد المجتمع الذي له من الحصانة الدينية والإيمانية ما يجعل الحداثي المنحل يفكر ألف مرة قبل أن يعرض تصوره الفلسفي والتاريخي عرضاً واضحاً علي الناس. وإن كان للأسف قد تسرب إلي بعضنا من مظاهر الإباحية والمعصية ما قد تسرب بعد ما جيش العلمانيون الجيوش لنشر مذهبهم الإلحادي تارة والإباحي تارة والتشكيك في الثوابت الدينية تارة والحرب علي كل رموز الإسلام تارة وتمجيد من علي شاكلتهم تارة. وهذا أساس اعتناق مذهب "شارل بودلير أو أدونيس" أو غيرهما. ومن دعواتهم المغلوطة أنهم يقرءون النص النبوي بشكل مقلوب. فمثلاً الحديث النبوي: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه" فيقلبونه إلي: "إن اليسر دين" واليسر عندهم ما يحقق هواهم ويطابق مصلحتهم سواء وافق الشرع أو خالفه. وقد وبخهم الله تعالي في قوله: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَي عِلْمي وَخَتَمَ عَلَي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" الجاثية:23. ويقلبون القاعدة الفقهية التي تقول "إن الدين ما شرع إلا لمصلحة البلاد والعباد". فيجعلونها: إن مصلحة العباد دين ونسوا قصور العقل البشري. ووقتية فكره. وكم من قرار يظن متخذ القرار هو المصلحة ويتضح فيما بعد خلافة. كما حدث مع النظام الاشتراكي ثم الرأسمالي. أما النظام الإسلامي الذي جاء من عند الله لا يحابي أحد علي أحد لا الغني علي الفقير ولا المستأجر علي المؤجر ولا الزوج علي الزوجة ولا المسلم علي غير المسلم فالكل في حق الحياة الكريمة سواء. فقال تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَي أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَي بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَي أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" النساء: 13. فهؤلاء العلمانيون تناسوا أن الدين شرع لتحقيق مصلحة العباد وأول مصلحة لهم إظهار العبودية لله بامتثال ما أمر به واجتناب ما نهي عنه. عقله من عقل. وخسر من غفل عنه. وظن أنه يبتكر» حتي شرع في تغيير دينه إرضاء لعقله الذي لم يتمكن من فهم الحكمة من التشريع. أو أنه فهم ويكابر ويعاند وهذا مصيبته أعظم من الأولي. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.