الأستاذ السيد عبدالرءوف رحمه الله شخصية أقف عندها طويلاً. أقف أمامها كما يقف غيري مبهوراً بكل مكنونها. ومكوناتها المهنية والخلقية والاجتماعية. ما إن تقع عيناك علي محياه.. تأخذك الهيبة المغلفة بالطمأنينة. تلمس فيه صرامة الأب مع قلبه الحنون. له هيبة ربانية في تعاملاته وعزوبة في كلامه. وتواضع في أدائه. حينما أسند إليه الأستاذ سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق رئاسة تحرير أول صحيفة إسلامية تصدر عن مؤسسة صحفية قومية. ذهبت إليه بمفردي دونما أي واسطة. ولم يقدمني له أحد. وكان في استطاعتي وقتها أن استغل معرفتي بحرمه الدكتورة سعاد صالح عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر سابقاً والتي كانت مصدراً صحفياً لكثير من شباب جيلي. التقيته في مكتبه. قدمت له نفسي وكان رحمه الله يتمتع بفراسة نادرة.. ربانية. فلم أمكث معه غير بضع دقائق كان قد فحصني تماماً. فكلفني بأعمال صحفية مع وجوب تسليمها إليه علي الفور. وبالفعل صدر العدد "زيرو" وحمل بعض ما قدمته إليه من أعمال. بعدها شجعني علي المضي في العمل بإقدام. وأسند إلي في الأسابيع الأولي تحرير صفحات الفتاوي بالاضافة إلي متابعة نشاط الأزهر بكامل هيئاته. الشيء المبهر في شخصيته رحمه الله. أنه طرح علينا بعضاً من ظلال ومكنون تكوينه. فهو رئيس تحرير صارم. وأب يحمل كل معاني الأبوة بما فيها من حنان وعطاء. ولذلك كان دائماً يصنع الولائم الثرية في المناسبات السعيدة في منزله لكل من يعمل معه. بل كان يسعد حينما أصعد معه في سيارته ليوصلني لمنزلي. حيث كنت أسكن في منزل قريب من منزله بحلمية الزيتون. تكالبت عليَّ المؤامرات.. تحركت نحوي الأحقاد. وانشغلت بي النفوس الضعيفة. انتهت المؤامرات والأحقاد إلي العمل علي إخراجي من هذه الصحيفة وبلا رجعة. وحيكت المؤامرة بدقة. لكنه رحمه الله تخلي عن رئاسة التحرير وتحلي بروح الأبوة. وصدَّ عني ما يحاك ضدي. وثبتني وبشدة بل سعي لإنهاء إجراءات تعييني الذي كان أمنية حياتي بعد سنوات تغشاها الضباب. وخيم عليها الظلام. كان رحمه الله مجاملاً إلي أقصي درجة وكأن الواجب خلق للأستاذ السيد عبدالرءوف. وخلق السيد عبدالرءوف للواجب. حينما يشعر مجرد شعور أن أحدنا في فاقة. فتندفع يده وتندس في جيب هذا الزميل لتلقي فيها ما ينقذه من عسرته. ما مناسبة سعيدة تمر إلا ويضفي علينا طلته. وبهجته. حينما تزوجت كان هو وزوجته أول من توج فرحتي. حينما أنجبت كانا أول من داعبا وليدي. حينما انتقلت لمسكن جديد كانا أول من أناره وأضفا عليه من نورهما وعطاياهما لم يترك رحمه الله لحظة فرح إلا ويكون أول من يشاركنا فيها سواء المشاركة المادية أو المعنوية. كلماتي عنه لا تكشف من غطاء شخصيته غير قشرة صغيرة. فالكلام عنه يطول ويطول. لكنه تركنا.. اختاره الله لينعم بجواره. تركنا بعد أن وفر لنا رصيداً من الحب والاحترام. تركنا بعد أن خلق منا صناعاً في مهنتنا. فهل ننسي رجلاً يمثل هذه القيم والمشاعر؟!