ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الفتاوي التي تخالف صحيح الدين بعضها من أناس لا صلة لهم بالعلم الشرعي وبعضها من أهل العلم اجتهاداً منهم لأسباب مختلفة وهم في الجملة - بشر يصيبون ويخطئون فنأخذ منهم الصحيح ونترك غيره كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالي: كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذه الروضة - صلي الله عليه وسلم. ونحن في مثل هذه الحالات نحتكم إلي الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم وصحيح السنة وهو أمر واضح يعرفه العامة قبل الخاصة لكن المشكلة في التطبيق حتي أن بعض أهل العلم يحاولون تأويل النصوص الشرعية تأويلا يخالف المعني المقصود لأغراض مختلفة وأهداف لا يعلمها إلا الله. وقد نص العلماء علي أن الاحكام الشرعية علي نوعين: نوع قطعي في ثبوته ومعناه لا يتغير بتغير الزمان أو المكان. وهذا لا مجال فيه للاجتهاد.. ونوع ظني إما في ثبوته وإما في معناه وهذا يدخل تحت دائرة الاجتهاد لمن هو أهل لذلك. ولما كان هذا النوع من الأحكام قد يفسر تفسيراً يخالف روح الشريعة ومقاصدها العامة فقد أرشد النبي - صلي الله عليه وسلم - أصحابه رضي الله عنهم بأن تعالج هذه الأحكام باجتهاد جماعي يشترك فيه المتخصصون في الموضوع المطروح. وحذر من الافتاء فيه من فرد واحد مع علو مكانتهم ومنزلتهم في الدين. فعن أبن المسيب عن عليَّ رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه القرآن ولم تمض فيه منك سنة؟ قال: "اجمعوا له العالمين - أو قال: العابدين - من المؤمنين فاجعلوه شوري بينكم ولا تقضوا فيه رأي واحد". وفي رواية للطبراني: "تجعلونه شوري بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين ولا تقض فيه برأيك". وبهذا جمعت الشريعة بين ما هو ثابت لا يتغير بتغير الزمان أو المكان. وبين ما هو متغير حسب ظروف الناس وأحوالهم توسعة عليهم وتحقيقا لمصالحهم التي تختلف من حين لآخر. ومنذ عدة سنوات تنبهت رابطة العالم الإسلامي إلي هذه الظاهرة الخطيرة فنظمت المؤتمر العالمي للفتوي وضوابطها لمعالجة هذه الظاهرة وغلق باب الفتوي علي هؤلاء الأدعياء وحصرت الفتوي في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية مجتمعين أو متفرقين. وشاركت فيه ببحث عنوانه: الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر. وأري أن الحل بالنسبة لنا يتطلب من الجهات المنوط بها الفتوي كمجمع البحوث الإسلامية ودار الافتاء: الدعوة إلي عقد مؤتمرت يدعي إليها كبار العلماء من كافة الدول الإسلامية لوضع الضوابط الشرعية للفتاوي والتوصية بعقوبات رادعة لمن تسول له نفسه تشويه صورة الإسلام المشرقة والوسطية التي تجمع ولا تفرق وتحقق المصالح العامة والخاصة لكل فئات المجتمع وبالله التوفيق.