تحكي خولة بنت ثعلبة حكايتها مع زوجها أوس بن الصامت فتقول: دخل عليّ ذات يوم وكلمني بشيء وأراد معاشرتي لكني رددته فغضب وقال: أنت عليّ كظهر أمي ثم خرج في قومه حيث منتداهم.. ثم رجع بعد أن هدأت نفسه وراودني مجدداً فامتنعت وشادني وشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف فقلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إليّ حتي يحكم الله تعالي فيّ وفيك بحكمه. وقد روت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حكاية خولة فقالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي عليَّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وتقول: يا رسول الله أبلي شبابي ونشرت له بطني حتي إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك وهكذا تختلف الروايات في أسباب الظهار.. لكنها تتفق علي نتائجها وما جاء بشأنها. ولو دققنا في الأمر.. لوجدنا أن مسألة قلة الطعام غير مقبولة مع رجل من سادة الخزرج.. والأرجح أن يكون منفلت الأعصاب ربما لكبر سنه ومرضه.. وهذا أيضاً ما يبعد فكرة الاشتهاء لزوجته علي هذا النحو الحار خاصة وقد جاء علي لسانها أنه ضاق بها لكبر سنها. والمهم أن النبي صلي الله عليه وسلم عندما استمع إلي شكواه ظل صامتاً ولم يجب عنها بشيء.. حتي نزل وحي الله سبحانه وتعالي وقوله الكريم في حق خولة من فوق سبع سموات.. وأمرها صلي الله عليه وسلم قائلاً: كشرط لمراجعة زوجها والعودة إليه: مُريه فليعتق رقبة. قالت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق! فقال: فليصم شهرين متتابعين! قالت: إنه والله لشيخ كبير ما به طاقة! قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقا من تمر. قالت: يا نبي الله ماذاك عنده! فقال: أنا سأعينك بعذق من تمر فقالت: وأنا سأعينه بعذق آخر. فقال صلي الله عليه وسلم : "فقد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً". ففعلت خولة. وهذا الحوار الموثق الذي ورد في أكثر كتب السير والأحاديث.. أن الرجل كان بالفعل كبيراً وفقيراً وكانت هي أحسن حالاً منه.. بدليل انها ساهمت في الصدقة عنه وساهم النبي صلي الله عليه وسلم بنصفها. وهكذا كانت خولة سبباً في إنهاء الظهار لأن رباط الزواج المقدس أقوي من مجرد كلمات تُقال.. ولأن الطلاق يضع الحدود والحواجز التي تجعل المرء يراجع أحواله قبل إعلان انفصاله. ويأتي المشهد الأخير برجوع خولة وسردها لما جري مع رسول الله صلي الله عليه وسلم وكيف نزل بشأنها قرآن يُتلي إلي يوم القيامة وهنا اهتز قلب "أوس".. وعاشر امرأته بالمعروف حتي رحل عن الدنيا قبلها بسنوات ولحقت به وهي راضية بقول الله سبحانه وتعالي في حقها.. وحق كل امرأة تعيش مع زوجها علي السراء والضراء فلا تجد منه إلا ما يكدر صفوها ويهين كرامتها.. حتي يقضي الله أمرها ويقلب القلوب وسبحان الذي يغير ولا يتغير.