مراقبة الحق سبحانه من أهم صفات أهل الايمان ويدركون أن الله معهم اينما كانوا ولذلك أعمالهم كلها ابتغاء وجه الله يستوي في ذلك الذكر والأنثي. انفاق المال في الصدقات ابتغاء مرضاة الله. العلاقة بين الرجل وامراته تخضع لهذه الرقابة كلا الزوجين الصالحين يدقق في أقواله ويعرف أين تمضي كلماته خاصة الأيمان التي تمس صميم العلاقة المقدسة بينهما. وحرص كل منهما علي أن تمضي حياتهما في هذا الاطار. وإذا حدث خروج أو تجاوز يسرع كل من الزوجين إلي أهل العلم للاستفسار ومعرفة حكم الله في هذا التصرف. وعلي هذا الأساس تمضي حياة أهل الايمان سواء الرجال أو النساء. ولذلك أسرعت خولة بنت ثعلبة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما أقسم عليها زوجها أوس بن الصامت يمين الظهار حيث قال لها: أنت علي كظهر أمي. وقد شاركها زوجها هذه المعاناة. وحين عرفت خولة حكم الله في مثل هذه اليمين حيث قال لها رسول الله: "مريه فليعتق رقبة" وقالت: ما عنده ما يعتق به. قال: فليصم شهرين متتابعين. قالت: والله انه لشيخ كبير لا يقدر علي الصيام قال: فليطعم ستين مسكيناً وسقا من تمر. فقالت: والله ما عنده فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: سنعينه بفرق من تمر. قالت خولة: وأنا سأعينه بفرق آخر قال رسول الله: قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به. ثم استوصي بابن عمك خيراً. والمعروف عند العرب في هذا الوقت أن الوسق وعاء كبير والفرق أقل منه بكثير ولذلك عندما تبرع لها الرسول بفرق قدمت هي الأخري فرقاً. تلك حقيقة المرأة التي استحقت أن ينزل الله فيها قرآنا يتضمن حكم الله في يمين الظهار. ومجادلة خولة لرسول الله صلي الله عليه وسلم تكشف لكل ذي عقل رشيد أن الايمان الذي استقر في وجدان هذه المرأة جعلها تتوقف أمام هذه اليمين التي تفوه بها زوجها. ولم تدع الكلمات تمضي دون تدقيق وانما اخذت تتفحص هذه الكلمات الغريبة وعلي مسامعها ثم حرصت علي الفراق بينها وبين زوجها ومنعته بكل قوة من المعاشرة الزوجية ومزيداً في الحرص علي حياة زوجية نظيفةپمن الغش والخداع اسرعت تستوضح الأمر ونور الإيمان يملأ وجدانها حيث لم يمنعها حياء الانثي من الافصاح لرسول الله صلي الله عليه وسلم عن الاسرار الدقيقة التي اكتنفت هذا الخلاف بينهما. إذ قالت خولة بكل صراحة: إن أوس كان يريدني عن نفسي. قلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتي يحكم الله ورسوله فينا بحكمة" أرأيتم كيف كانت مراقبة الله تعتمل في صدور هذه المرأة المؤمنة. وحول هذه اليمين وتلك القصة قال ابن عباس رضي الله عنه: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت. وذلك في فجر الدعوة المحمدية وقد كان وسيظل هذا الحكم سارياً علي كل مؤمن يقع في مثل هذه اليمين. كما أن أوس بن الصامت قد شارك زوجته في هذه الرقابة لكن الحياء منعه من الذهاب إلي رسول الله وحث زوجته علي أن تتجه للرسول مستقرة ولم ينس أن يخبرها بأن هذه اليمين كانت تعتبر طلاقاً في زمن الجاهلية. كلا الزوجين يريد أن تكون حياتهما دائما علي الطهر وعلي أساس من منهج الله وشرعه حقيقة انه نور الايمان واستحقت هذه المرأة ان ينزل فيها قرآن من رب العالمين. بعد هذه الواقعة وتنفيذ حكم الله باطعام ستين مسكينا ومضت حياة خويلة وابن عمها هنية والسعادة ترفرف علي منزل هذين الزوجين العجوزين. وقد شاءت ارادة الله أن يرحل الزوج عن الدنيا. وقد ظلت خولة بعد وفاة ابن العم متمسكة بالعمل الصالح. ولم تنس اللحظات الفارقة في حياتها مع زوجها. واثناء استعراض شريط الذكريات تنطلق كلماتها ترحماً علي الزوج ثم تسأل الله أن يتجاوز عن سيئاته. تلك هي سمات الزوجة الصالحة. انها تستحق بجدارة لقب أهل الايمان. وقد شاءت الاقدار أن يمتد العمر بخولة حتي خلافة أمير المؤمنين أبوحفص عمر وقد مضت سنوات علي حكاية الظهار لكن خولة ظلت حاضرةپالذهن رغم أن النسيان قد غلف تفاصيل الواقعة. وبينما مر عليها عمر بن الخطاب وهي تمضي في نفس الطريق فسلم عليها عمر وردت عليه السلام ولم تترك هذا اللقاء أن تقول لعمر كلمات كانت تتفاعل في صدرها وبكل اهتمام انصت إليها عمر: قالت خولة: عرفتك وأنت تسمي عميراً في سوق عكاظ ترعي الضأن بعصاك ثم سميت ثم آلت إليك الخلافة فانت أمير المؤمنين: استمع إلي هذه الكلمات: اتق الله في الرعية واعلم أن من خاف الوعيد قرب عليه البعيد. ومن خاف الموت خشي عليه الفوت. وهنا ضجرالجارود العبدي الذي كان يرافقه وقال: ما هذه المرأة التي كنت تنصت اليها باهتمام فقال له: الا تعرفها. انها خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات. فكيف لا ينصت إليها ابن الخطاب ويستمع لكلماتها ووصيتها بكل اهتمام. تلك أنوار الايمان تظلل حياة الزوجين وتمتد إلي علاقة الحاكم بأفراد الرعية هؤلاء قوم ملأوا الدنيا رحمة وعدلاً وسجل التاريخ مواقفهم لكل الأجيال.