* في سؤال من إحدي الجمعيات الخيرية تقول فيه: نقوم بجمع التبرعات النقدية ونصرفها علي أوجه مختلفة لتنمية المجتمع وللفقراء ومحدودي الدخل والأيتام وغيرهم. فهل الأموال التي يتبرع بها المسلم للجمعية تعتبر صدقة جارية أم زكاة؟ ** يجيب د.نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق: الزكاة المفروضة ركن من أركان الإسلام وهي حق الله في المال الذي يبلغ النصاب المقرر شرعاً لقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم......" ثم ملكها الله سبحانه وتعالي للأصناف الذين عينهم في سورة التوبة بقوله تعالي: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" "التوبة 60" لهذا فالزكاة تمليك من الغني لله عز وجل معني أخذاً من قوله تعالي: "من ذا الذي يقرض الله فرضاً حسنا فيضاعفه له" "البقرة 245". وقوله صلي الله عليه وسلم: "إن الصدقة تقع بين الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل" وهي تمليك للفقراء صورة يقبضها نيابة عن الله عز وجل. بإثباتها بقوله تعالي: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" "التوبة 60". ويقتضي هذا أن يكون الممتلك للزكاة أهلاً للقبض. بأن يكون بالغاً عاقلاً. إلا أن الفقهاء أجازوا دفعها للفقراء من الصغار والأيتام الذين لا يصح لهم قبض. وإنما يقبضها لهم الولي. أو الوصي أو الأجنبي الذي يقره عليهم "كدور الأيتام أو مؤسسات اللقطاء أو دور ضيافة مرضي الأورام مثلاً" لأن هؤلاء اجتمع عليهم اليتم والفقر. فكانوا أحق بالزكاة لقوله صلي الله عليه وسلم: "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه". وقد نص فقهاء الحنفية علي جواز دفع الزكاة للصغير واليتيم عن أن يقبضها لهما الولي أو الكافل. فسأل الكاسائي: من دفع الزكاة إلي صبي فقير وقبض له وليه. أو الأجنبي المتكفل به كعياله جاز ذلك. وأضاف: ومن عال يتيماً فجعل يكسوه ويوفر له الطعام وينوي به عن زكاة ماله جاز له ذلك. فإن كان اليتيم عاقلاً مميزاً يدفع إليه وإن كان صبياً غير مميز يقبض له كفيله كنائب عنه ثم يكسوه هو ويطعمه. لأن قبض الولي عنه كقبضه" بدائع الضائع ج2 ص39. وكذا لو كان رضيعاً واحتاج إلي أجرة رضاعة وكسوة وسائر مؤنته جاز دفع الزكاة إليه لدخوله في عموم النص: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" ويقبضها عنه من يكفله ويعتني بأمره. فقد سئل الإمام أحمد: يعطي غلام يتيم من الزكاة؟ قال: نعم. قيل: أخاف أن يضيعه؟. قال: تدفع إلي من يقوم بأمره. لما رواه الدارقطني عن أبي جحشة. قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم فينا ساعياً "عاملاً" نأخذ الصدقة من أغنيائنا فردها علي فقرائها. وكنت غلاماً يتيماً لا مال لي. فأعطاني للرضا "النوق الصغير" من الإبل. وبناء علي ما سبق وفي واقعة السؤال: فدفع الزكاة المفروضة أو جزءاً منها لدور أيتام أو دور أيتام معوقين أو دور ضيافة مرضي الأورام جائز شرعاً. ويقبضها القائمون علي الدار أو الجمعية. علي أن يستوثق صاحب الزكاة من شرعية الدار أو الجمعية وأمانة القائمين عليها. وعلي القائمين علي هذه الجمعية عند تلقي التبرعات أن يستوضحوا نية المتبرع عما إذا كان ينوي الصدقة الجارية أو زكاة ماله حتي يمكن صرف المال المتبرع به في الجهة التي يريدها المتبرع وينويها فإذا كان تبرع بقصد الزكاة فإنه يجوز صرفها في كل البنود الواردة في الطلب فيما عدا البند الخاص بتجهيز العرائس محدودي الدخل. وإن كان المتبرع يقصد الصدقة الجارية فلا يصح استعمال المال في البنود المشار إليها بالطلب فيما عدا بناء المستشفيات لخدمة الفقراء المحتاجين وبناء دور الأيتام وبناء دور لضيافة المرضي وبناء دور للمعوقين. وجميع الأعمال التي لها صفة الاستمرار وتعود علي المسلمين بالنفع العام فتعتبر صدقة جارية لقوله صلي الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوي". وإن كانت نية المتبرع غير واضحة للقائمين علي الجمعية عند تلقي الأموال المتبرع بها فإنه يجوز للقائمين علي الجمعية استعمالها في جميع أوجه الخير التي تعود علي المسلمين بالنفع العام.