الأزهر الشريف كان ولا يزال معبد الأنوار المنيف: حيث إنه للعلوم مشيدا وللشريعة ركنا وطيدا. وللوسطية والاعتدال منهجا فريدا. إذ شرف كل مكان بما يحتويه. وكل إنهاء ينضح بما فيه. والجامع الأزهر له السبق في شرف العلم والحق. فهو الجامع بين النقل والعقل والبيان. وهو من ضربت من أجل أكباد الإبل والركبان. فهو كعبة العلوم ومنهل الفنون. تخرج فيه النبغاء وانتشر في العالم من أبنائه العلماء والأدباء. وبرز منه رجال عظماد وفقهاء. انتهت إليهم الأستاذية في جميع العلوم الشرعية والعربية. فستنار من علمه الأمصار. وشرفت به مصر علي جميع الأقطار. ؟؟؟؟ وهو قلعة العلم والإيمان وحصن للشخصية الأزهرية المعتدلة السوية المتميزة بالفهم الصحيح لمعني الوسطية. فليس كل من تخرج في الأزهر يحمل هذه الصفة السائدة للأزهريين المتمثلة في الفهم الصحيح للإسلام. فكل من يحاول تشويه الأزهريين يقوم بتسليط الضوء علي بعض الشخصيات الذين لا يحملون من الأزهر إلا اسمه. ولم يتأدبوا بآدابه وأهله. ولم يستفيدوا من علم علماده وشيخه. وهذه حالات فردية. ولكل قاعدة شواذ. فمن يذكر العيوب ويترك المحاسن فقد ظلم. ومن يكتفي بذكر الخلل ولا يرشدنا لطرق العلاج فليس هذا بمصلح ولا يبغي الإصلاح بل يبغي الشوشرة. فالأزهر وضع الركائز الأساسية للإصلاح العام والتي صنعت الشخصية الأزهرية المتميزة بالوسطية والاعتدال في المناهج الدراسية والتربوية "خاصة" وفي الخطاب الديني بوجه "عام" وتتمثل فيما يلي: أولاً: تدريس عقيدة أهل السنة "عقيدة السلف الصالح": وهي العقيدة الصافية التي قال عنها "صلي الله عليه وسلم": "ما أنا عليه وأصحابي". وهي التي لم يدخلها شوائب ولا تشويش الشيعة أو المعتزلة أو القدرية أو المعطلة والمشبهة وغيرهم من الفرق المخطئة فكريا وعقائديا. العقيدة التي لم يصبها إفراط ولا تفريط. فلا تغالي في المعتقد فترفعه عن قدره ولا تتهاون به فتبخسه حقه. إن عقيدة أهل السنة قعد لها الأئمة في التصنيف والتأليف كالعقيدة الوسطية لابن تيمية. والأشعرية لأبي الحسن الأشعري. والطحاوية لأبي جعفر الطحاوي. وهم من أئمة أهل السنة في عصرهم وإن اختلفوا مع غيرهم من الأئمة في بعض الفروع أو تأويل بعض الصفات. وهي تدرس بالأزهر الشريف وتأثر بها الطلاب والعوام سواء. ومعلوم أن بدأ تدريس العقيدة السنية في الأزهر علي يد الناصر صلاح الدين الأيوبي عندما أغلق الأزهر لمدة سبع سنوات لوقف نشر وتدريس العقيدة الإمامية في الديار المصرية. وقام ببناء سبع حجرات بجوار الجامع الأزهر لتدريس العقيدة السنية واستجلب علماء أهل السنة من الديار الشامية للتدريس بالأزهر وألف كتاباً في عقيدة أهل السنة ليدرس للطلاب. ثم فتح الجامع الأزهر بعد ذلك عندما رسخ لتدريس عقيدة أهل السنة ومذهبهم. وكل من درس بالأزهر لا ينسي أبدا القصيدة المعروفة بقصيدة "العقيدة الصلاحية" التي نظمها صلاح الدين الأيوبي "رحمه الله" والتي كانت تقرأ في الأسواق وفي المساجد وفي الجامع الأزهر علي الطلاب والحضور. وما في هذه القصيدة الصلاحية هو ما يحتويه مناهج العقيدة السنية التي تدرس لطلاب الأزهر الشريف من يومها حتي الآن. وهو ما يقرب من تسعمائة عام وسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. ثانيا: تدريس فقه أهل السنة "المذاهب الفقهية الأربعة": الأزهر الشريف له السبق في تدريس الفقه علي المذاهب الأربعة "أبوحنيفة ومالك والشافعي والحنبلي" فجمع بين مذهب أهل الرأي والعقل والنص والمناظرة والاجتهاد والتأويل الذي لا تخالف أصل في الدين أو فعل لأصحاب سيد المرسلين. وهم من أكابر أئمة أهل السنة والجماعة عقيدة وفقها وفتوي. إن تبني تدريس هذه المذاهب الفقهية السنية الأربعة بالأزهر والاعتماد عليها دليل قطعي علي أن الأزهر سني العقيدة والهوي وأنه يتبع منهج أهل السنة في الأصول والفروع. كما أنه أسس دار الإفتاء علي مذهب أهل السنة والجماعة. وأن الفتوي منوطة بكبار العلماء العاملين بدار الإفتاء. ولذا لم تتعرض البلاد لفوضي الإفتاء الذي نشاهده الآن. لأن المرجعية كانت ثابتة عند علماء الفتوي. وهي مدارس أهل السنة الفقهية وليست التوجهات الفكرية والعصبية والحزبية والمذهبية. ثالثا: التربية الروحية "الزهد": ونعني بالتربية الروحية هنا بتزكية النفس وتنقية الروح والترقي بها من الجانب المادي إلي الجانب الروحي. أي تهذيب النفس من شره الدنيا والجمع لها بين الحسنيين كما قال الله تعالي: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" "القصص:77". منهج الوسطية والاعتدال كما قال علي بن أبي طالب: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا. وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا". ولقد كان رسول الله "صلي الله عليه وسلم" يقول في حياته: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا وحشرني في زمرة المساكين" "الترمذي". علما بأن الله تعالي عرض عليه إذا أراد أن يجعل له أحد جبلي مكة ذهبا والآخر فضة رفض. وقال: "أجوع يوما فأحمد وأشبع يوما فأشكر". فما ظنك بعبد واقع بين الحمد والشكر؟ ونفسه معلقة بين الخوف والرجاء. وهذا معني الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه ألا يكفيك أنه يراك؟ وهذا من أركان الكيان الإسلامي السليم. هذه الركائز الثلاث هي التي كونت الشخصية الأزهرية الصحيحة والتي تصح أن تنتسب إلي الأزهر الشريف نسبة حقيقية منهجية وتربوية. أما من كان من خريجي الأزهر الشريف ولكن هواه حزبي أو له توجهات مخالفة لمنهج الوسطية والاعتدال فلا يعبر عن الأزهر بأي حال من الأحوال وكان ممن يرتدي اللباس الأزهري أو حتي يعمل بالأزهر. وإننا نتعشم في شيخنا الطيب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن يعمل علي توحيد صف الأزهر أفرادا وفكرا وتنقية المناهج الدراسية مما علق بها من بعض الشوائب. وتقويم بعض نقاط الضعف التي علقه بها. لمواجهة من يقولون إن الأزهر علي منهج غير رشيد في العقائد والأحكام والسلوك والتربية. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.