تابعت تصريحات الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بشأن دراسة المذاهب الفقهية للأزهر والتي قال فيها إنه سيعيد دراسة الفقه علي المذاهب الأربعة في المرحلتين الإعدادية والثانوية ، كما تابعت قرار المجلس الأعلي للأزهر بإلغاء اختصاصات كانت ممنوحة لشيخ الأزهر مثل افتتاح وإنشاء المعاهد الأزهرية وجمع التبرعات لها ، وأن هذا جاء بناء علي طلب شيخ الأزهر . وهذا وتر حساس جدا يضع الشيخ الجديد يده عليه برفق ألا وهو عودة دراسة مذاهب الفقه إلي الأزهر ، وكان الشيخ طنطاوي قد خاض معركة شرسة مع زملائه في الأزهر بسبب إلغائه دراسة المذاهب الفقهية في الأزهر . المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة عند أهل السنة هي طرق في فهم الشريعة ، وهذه المذاهب تكون لكل منها مناهجه ومصطلحاته وطبقاته ومشايخه ، وأروقته ، وكانت تلك المذاهب قائمة حية في الممارسة والعمل والتدريس في الأزهر حتي قبل تطويره عام 1961 ، وكان شيخ الأزهر يختاره أئمة كل مذهب من المذاهب فمرة يكون شافعيا ومرة يكون مالكيا ومرة يكون حنفيا أ و حنبليا . وقد قرأت كتاب الدكتور محمد بلتاجي عن " مناهج التشريع الإسلامي " وهي عمدة تجمع بين البساطة والمتانة والعمق ، وحين قرأتها وقفت إجلالا واحتراما للطرق والمناهج التي وضعها علماء المذاهب في فهم الشريعة . وهذه المذاهب الفقهية كان يختار الطلاب من بينها ليتعلموا في المستويات العليا في جامعة الأزهر وبعدها يحصلون علي العالمية التي تساوي الدكتوراه اليوم ، وهي مثل المناهج في العلوم الاجتماعية التي يختار الطلاب من بينها في الدراسات العليا . والأزهر في النهاية جامعة وجامع هدفه الأصلي تخريج متخصص في علوم الشريعة وهذا العلوم منها المذاهب الفقهية ، وأصول تلك المذاهب ، والفقه نفسه واللغة بالطبع وفي اللغة مذاهب وطرق هي الأخري ، فذلك من التنوع والسعة التي اتسمت بها علوم الإسلام . وتطويره يعني إعادة الاعتبار لعلوم الشريعة فيه وخاصة الفقه علي المذاهب الأربعة ، وهي أشبه ما تكون بلغة القانون له مصطلحاتها وتقنياتها لا يعرفها سوي المتخصصين ، وحين يأتي وقت يتخرج المتخصص من الجامعة الأزهرية دون أن يكون ملما وعارفا ومتمكنا من مصطلحات المذاهب ومناهجها كطرق لفهم الشريعة فإن ذلك معناه إيذان بخراب العمران والعالم . لعل كثيرين لا يعرفون أنني متحمس جدا للدليل الشرعي ، كما أنني ضد التمذهب كأساس للانقسام فالقرآن والسنة تكفينا ، ولكن حين نطالع علم الأصول وتفريعاته المختلفة حول السبر والتقسيم والعلة وتحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه والقياس وأدواته وغيرها من علوم الإسلام التي أسسها العلماء لكي تساعدنا في الفهم والاستنباط وعندك مثلا كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي وكتاب خلاف مالك قرأته له علي هامش كتابه الأم وكتاب الموطأ للإمام مالك وهو شيخ الشافعي ، والقرافي له كتاب اسمه " الفروق " والموافقات للشاطبي لم يكن معروفا عندنا في مصر إلا بعد أن نبه إليه الشيخ محمد عبده وهناك المستصفي للإمام الغزالي ، وغير ذلك كثير ، كل هذه العلوم من أجل تيسير الشريعة وتبسيطها والإحاطة بمقصود الله سبحانه وتعالي من أحكامه . هناك علوم ضخمة جدا في كل العلوم قام عليها وخدمها علماء أجلاء ولا يمكن أن آتي اليوم وأقول إن هذا الجهد يمكنني القفز عليه والتواصل مباشرة مع النص لاستخراج الحكم والتعامل مع الدليل . إنني لا أقيم حاجز بين الناس والدليل ، ولكن التمكن العلمي مهم حتي لا نقفز لاستنتاجات وانطباعات قد تكون ممكنة في علوم التفسير مثلا ولكنها غير جائزة في علم الفقه والفتاوي وتسيير حاجات الناس والواقع . إن الإسلاميين عليهم الانتباه لأهمية مناهج التعليم في الأزهر ، ومؤسسة الأزهر هي مؤسسة للأمة والجماعات الإسلامية وفعلها هو فعل للأمة ، وياليت يكون هناك جسر بين جسارة وحماسة الإسلاميين وبين تقليد ومناهج الأزهريين . علي الأزهر أن يتقدم لنكون من ورائه ندعمه ونحميه وندافع عنه ، وعليه أن يكون هو الآخر ساحة للأمة جميعا يتحرر من قيود السلطة والسلطان ويتسع للإسلاميين ، فشيخ الأزهر هو موقع عن رب العالمين وهو من يقف في وجه السلطة والسلطان لا يبرر لها . حسنا فعل شيخ الأزهر بتصريحه عن عودة تدريس المذاهب الفقهية وننتظر أن يتحول ذلك لفعل ، كما ننتظر أن يتطور الأزهر إلي الأمام دائما .