إن الاعتدال والوسطية أعظم العوامل التي ساعدت علي انتشار الإسلام في جميع الأقطار. فأحبوه ودخلوا فيه أفواجاً. فالوسطية معناها لغة: ما بين طرفي الشيء. وأن أفضل الشيء أوسطه. كوسط المرعي. وكوسط الدابة. وكوسط القلادة أي أنفسها. ويقال فلان من أوسط قومه - أي من خيارهم وأعدلهم. ومنه الحديث: "خيار الأمور أوسطها". كما أن كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان. فالسخاء وسط بين البخل والإسراف. إذن التوسط هو ما بين الغالي والتالي. ولذا قال علي بن أبي طالب: "خير الناس هذا النمط الأوسط. يلحق بهم التالي. ويرجع إليهم الغالي". وقال الأعرابي للحسن البصري: "علمني ديناً وسوطاً. لا ذاهباً فروطاً. ولا ساقطاً سقوطاً". عندما سأل هرقل أبوسفيان بن حرب عن نسب النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "إنه من أوسط قومه". أي من أشرفهم وأحسبهم. فالوسطية: هي التوازن والتعاون بين الطرفين بحيث لا يطغي طرف علي آخر. فلا إفراط ولا تفريط. ولا غلو ولا تقصير. وإنما اتباع الأجود والأكمل والأعدل والأفضل قال تعالي: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" "البقرة: 143". "من أوسط ما تطعمون أهليكم" "المائدة: 89" أي من أفضل وأجود ما تأكلون. وقال تعالي: "قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون" "القلم: 28" أي قال أعدلهم وأصلحهم. لذا لما أنعم الله تعالي علي هذه الأمة - المحمدية - بنعمة الوسطية والاعتدال. فلما عملوا بها ورضيها لهم ديناً. جعلهم خير أمة أخرجت للناس. وخصها بأكمل الشرائع وأوضحها وأيسرها وأعدلها وأوضحها منهجاً وتكليفاً. وقال لهم: "هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج" "الحج: 78". وكان النبي يوجه المسلمين إلي منهج الوسطية والاعتدال في كل وقت وأن يحثهم عليه. ويحذرهم من التجمد والتنطع والتشدد. فقال "صلي الله عليه وسلم": "دعوني ما تركتكم. إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم. فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" "متفق عليه". وحذر "صلي الله عليه وسلم" من التشدد فقال: "هلك المتنطعون قالها ثلاث مرات" "مسلم". أي المتشددون في غير موضعه. وأخبر "صلي الله عليه وسلم" بأن الدين يسر وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما: فقال "صلي الله عليه وسلم": "ان الدين يسر. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. فسددوا. وقاربوا. وابشروا. واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة" "البخاري". الاعتدال والوسطية في العبادة: كان إذا علم أن أحدا من الناس يتشدد في العبادة ينهاه عن ذلك. ووضح له أن أحب الأعمال إلي الله أدوامها وإن قلت. فقال "صلي الله عليه وسلم": "عليكم بما تطيقون. فوالله لا يمل الله حتي تملوا. وكان أحب الدين إليه ما دوم عليه صاحبه" "متفق عليه".