منذ أيام قلائل أعلن السيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية أمرا جللا...وهو اتفاق مجلس جامعة الدول العربية علي تفعيل مقتضيات اتفاقية الدفاع العربي المشترك... كنتيجة أعمال للدورة 241 لمجلس الجامعة العربية الوزاري.... وما يقتضيه ذلك من تعاون في كافة المجالات. وعلي رأسها. التعاون في مواجهة الارهاب وأخطار العصف بمقتضيات الأمن القومي العربي المشترك.... وهنا لابد لنا من وقفة...فالتحديات الراهنة التي تواجه العرب ليست مسبوقة بحال من الأحوال.... حيث انها تنذر بردة حضارية سحيقة. تأخذ المنطقة بكاملها لجحيم القبلية والنزاعات العقائدية المقيتة. التي لن تبقي ولن تذر..ما لم يستفق العرب..ويدركوا أن الأمر قد شارف حد اللا عودة..وأن السقوط المريع لدول كبري مثل العراقوسوريا وليبيا واليمن في فخ الفتنة والاقتتال الداخلي..هو في جوهره مقدمة لسقوط دول أخري..دورها قادم والأمر مسألة وقت ليس إلا.... ولأن الوقفة يجب فيها الصراحة...مع النفس أولا قبل أن تكون مع باقي أسرتنا العربية الكبيرة..فلابد أن يكون هناك نقطة نظام في سبيل هذا التوجه الجديد نحو التجبه العربي... والوقفة ليست للتشكيك في التوجه نحو الاحتشاد في المواجهة. ولكن لكي يكون المنطلق نحو هذا السبيل خالصا من الغيوم. واضح الهدف. وليس موقوتا بخطر بعينه مثل داعش أو غيرها.... وفي سبيل هذه الوقفة. أول ما ينبغي طرحه. هو أننا في المنطقة العربية. لا نتعلم بسهولة من دروس التاريخ. ومن أنباء السقوط والانهيارات وشلالات الدماء للأبرياء... التي حدثت وستحدث في المستقبل..لكل دولة أو مجتمع. لا يري أمامه. ومنكفئ فقط علي نفسه. وناظر إلي خلفه. أو تحت قدميه. ويغيب عنه الفكر المستقبلي وتدبر مآل الحال عما قريب.... وعلينا أن ندرك. في منطقة العرب. أننا لن نقدر علي مواجهة تحديات المستقبل بمنطق العمل العربي التقليدي. الذي سبق وفشل عشرات المرات. في تلمس مسارا قادرا علي الاستمرار حتي لبعض الوقت. وأن الخطر الداهم الذي يواجهنا اليوم يحتم تغييرا محوريا في مسار العمل العربي المشترك.... أول هذه التغييرات..يبدأ من إعادة تعريف حتميات العمل العربي المنظم. لتعكس ليس فقط طموحا للنجاة من خطر داعش أو غيرها. ولكن لتعكس هدفا مستمرا. تشعر به الشعوب. لكنه لم يشكل ركيزة في العمل الرسمي العربي. وهو احتياج الشعوب العربي لبعضها البعض. وهو أمر لا تحده حدود وقتيه. لأنه مستمر بطبيعته... أما الأمر الثاني. هو أن حاجة الأمن العربي المشترك لا تحتم التعامل لمجرد استشعار الخطر في المجال الأمني فقط. واختزالها في ذلك ينذر بتكرار تجربة مصر وسوريا في الستينيات. لأننا أحيانا ينقصنا إدراك أن الأهداف غير الدائمة يستحيل أن ترتب تعاونا دائما أو عملا مطردا مستقرا.. وربما هذا الأمر هو فيصل التفرقة بيننا بين أوروبا....ودولها التي تصارعت علي مدار عشرات القرون. أدركت أن حاجتها للتعاون ليست مرتبطة بخطر ولكنها مرتبطة بتواجد قوي وحضور إيجابي. يعظم القيمة الجمعية. في الوقت الذي يفيد وبشدة كل المصالح الفردية... وهذا جوهر ما نحتاج إدراكه اليوم في منطقة العرب... أن ما أعلنه الأمين العام للجماعة العربية لن يكون ذا جدوي حقيقية. ما لم يقترن برغبة رسمية حقيقية لتعاون غير نمطي. ولا يرتبط بنماذج التعاون الفاشلة العربية العربية..بل يرتبط أكثر بحاجة العرب..كل العرب للعيش للمستقبل وليس للماضي أولا. ولأن يكونوا جميعا في قارب للتطور والعيش الهانئ. يقوي بجمعهم ويفشل بتفتتهم..... وثاني التغييرات التي يتوجب مراعاتها. أننا في أطار تلمسنا التعاون العربي الإيجابي لا يجب أن نسعي لطمس أي خصوصية لأي دولة عربية. بل ان نعظم قيمة المشتركات بيننا. وما أكثرها. بدلا من التشبث بالخلافات. فقد تجاوز المجتمع البشري المنظم مرحلة القبول بفكرة الانصهار الكامل. واستعاض عنها بفكرة العمل المشترك لتحقيق غايات مشتركة..مع احتفاظ كل كيان بأساس تميزه وخصوصيته.... حتي لا يتحول حلم العمل الواحد إلي كابوس الدفاع عن مصالح ذاتية. فيتكرر ألم الوحدة العربية في عهد ناصر... ثم ان هناك حاجة ماسة. لكي ينجح هذا التعاون. أن تدرك الدول العربية. التي مازالت دولا حتي تاريخه. أنه ليست هناك دولة عربية بمنأي عن المخاطر. وأن عليها أن تكرس كل غال ونفيس لديها للدفاع عن نفسها وعن الدول العربية الأخري بجوارها.... وهذا يسري علي البحرين. في نفس سريانه علي المغرب وموريتانيا...فجميع الدول العربية تحت التهديد المهلك...والأمر لا يعدو كونه وباء انتشاريا سريعا.... مفككا للدولة العربية. يسير واثقا في سبيله..اليوم في العراق وغدا في سوريا وبعدها في ليبيا..واليمن تنتظر دورها وبعدها السودان.. والحبل علي الجرار..وكأننا فقدنا أي منطق للتحليل وأي رغبة حقيقية في إدراك أن المخاطر لا تضرب مسمي معينا لدولة ما. لكنها تضرب الكيان العربي كله. في هجمة بربرية غير مسبوقة. وفي ظل غيبة حقيقية للإدراك العربي المشترك للخطورة ومؤشرات الفناء التي تحدق بنا من كل حدب وصوب.... ولذلك..وحتي نكون أمناء مع أنفسنا... لن يفلح لنا تعاون. ما لم يدرك الساسة فيما تبقي من دول المنطقة...أن التعاون أصبح واجبا.. وأنه أصبح ملزما وإجباريا.. وأنه يقتضي حشدا متنوعا..ماليا وعسكريا واقتصاديا وتعليميا وثقافيا... ولم يعد مجرد ضرورة..وأن مقتضياته الأولي تلزمهم..كل علي حده. كما تلزمهم مجتمعين. أن يسموا جميعا علي نوازع الماضي. وألا يقعوا في فخ تصور أن بعضهم أأمن من الآخر.. فالجميع في منطقة العرب... في برميل الخطر الساخن.