[email protected] أمر هام أن تنعقد القمة العربية الاقتصادية علي وقع الأحداث الخطيرة التي شهدتها الشقيقة تونس،وعلي وقع احتجاجات اجتماعية شهدتها أكثر من دولة عربية في الفترة الأخيرة علي خلفية ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة ومعاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة . وإذا كان العديد من الدول العربية قد التقطت الإشارات الصادرة من هذه الأحداث وحاولت التعامل معها بإصدار بعض القرارات للتخفيف من أعباء المعيشة علي غالبية المواطنين، فإن ما نرجوه أن يكون الأمر قد انعكس بصورة أكبر في القمة الاقتصادية العربية وفي العمل العربي المشترك بصفة عامة، لمواجهة الموقف بوعي ومسئولية . إن احدي الإشارات المهمة من أحداث تونس هي أن المواطن العربي من المحيط إلي الخليج كان يتابع تحرك الشعب التونسي الشقيق في إدراك عميق بأنه رغم كل الادعاءات والخلافات والاختلافات فإن المصير واحد والمصلحة مشتركة،وإذا كانت القمة الاقتصادية قد انعقدت في أعقاب هذه الأحداث التي سيطرت علي أجوائها، فإن الأمل أن تنتقل مشاعر الناس إلي كل صانعي القرار، وأن يدرك الجميع أن انفجار الأوضاع في أي قطر عربي سيترك آثاره علي الكل، وأن يكون ما حدث مصدر دعم للجهد العربي من أجل التكامل، وأن يقضي علي التردد الذي عطل مسيرة هذا التكامل اقتصادياً لسنوات طويلة لأن البعض كان ما يزال يراهن علي نجاح مشروعه الخاص بعيداً عن محيطة العربي، ولأن البعض كان يخشي من أشقائه العرب بأكثر مما يخشي من الآخرين!! ولأن البعض يتمسك بمصلحة خاصة في الأجل القصير علي حساب المستقبل، ولأن البعض لا يدرك أن علي الكل أن يقدموا التضحيات لكي يتشارك الجميع في النهاية في المكاسب . الآن يدرك الجميع (أو هذا ما نرجوه) أن بقاء قنبلة البطالة التي تهدد كل الأقطار العربية الغنية والفقيرة، هي الخطر الأكبر، وأن التركيز علي هذه القضية أمر واجب، وأن ذلك يقتضي تغييراً في الأولويات وتعديلاً في أسلوب التنمية الذي يتم تطبيقه ليكون التركيز علي الصناعة والزراعة، وعلي المشروعات كثيفة العمالة، وليس علي العقارات وتجارة الأراضي !! والآن يدرك الجميع ( أو هذا ما نرجوه ) أن بقاء ما يقرب من ثلاثين مليون مواطن عربي بلا عمل نصفهم علي الأقل من الشباب هو كارثة حقيقية إذا كنا نملك الإمكانيات المادية لخلق الوظائف ولا نفعل، أو حين نفتح الأبواب للعمالة الأجنبية لكي تشغل وظائف كانت تكفي لتشغيل ثلاثة أرباع العاطلين العرب !! وهكذا نري في الخليج العربي أكثر من خمسة عشر مليوناً من العمال الآسيويين .. بكل ما يمثله ذلك من تهديد لعروبة هذا الجزء العزيز من الوطن العربي ومن مخاطر علي الأمن القومي . وهكذا نري حتي في دولة مثل مصر من يسمح باستيراد العمالة الأجنبية بدعوي أنها الارحض !! والآن يدرك الجميع (أو هذا ما نرجوه) أي خطر يمثله أن يظل العالم العربي يستورد معظم غذائه، وأي خطيئة أن يتحقق هذا الوضع الكارثي في الوقت الذي نملك فيه كل المقومات التي تكفل أن ننتج غذاءنا ونضمن أمننا الغذائي .. الأرض موجودة بملايين الأفدنة في السودان وغيره من الدول العربية، والأيدي العاملة متوافرة وتعاني البطالة، والأموال يفضل البعض حتي الآن إيداعها في البنوك الأوربية والأمريكية أو يستثمرونها في مشروعات بالخارج، دون أن يتعلموا من دروس الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي خسروا فيها ما لو تم استثماره داخل الوطن العربي لكان الآن في غني عن البحث عن رغيف الخبز في أسواق العالم !! والآن يدرك الجميع (أو هذا ما نرجوه) أن محاربة الفساد قد أصبحت فريضة وطنية وواجباً قومياً، وانه لا تنمية حقيقية في دولنا العربية، ولا تكامل اقتصادي بين هذه الدول في ظل هذا الفساد الذي استفحل والذي يقف عائقاً أمام كل إصلاح حقيقي، والذي يبدد ثمار كل جهد يبذل، ويخلق مناخاً لا يساعد علي الإنجاز ولا يحقق التقدم . والآن يدرك الجميع (أو هذا ما نرجوه) أن إبقاء 20 ٪ من المواطنين في العالم العربي في دائرة الفقر ليس فقط وصمة عار في وجه النظام العربي، بل هو العامل الأهم الذي قد يقود لانفجار الأوضاع إذا لم يتم التعامل معه بحسم وبجدية، والآن يدرك الجميع ( أو هذا ما نرجوه) أن الملايين في العالم العربي لم تعد تقبل الأحاديث الوردية عن انجازات لا تصل إليها، ولا عن تقدم لا تلمس نتائجه بأيديها . إنها تعرف فقط أنه كانت هناك خطة لتحقيق الأمن الغذائي العربي أعدها المجلس الاقتصادي العربي بتكلفة تدور حول العشرة مليارات دولار سنويا ولم تنفذ !!وتعرف أن هناك مشروعاً مماثلاً للتعامل مع البطالة كانت القيادات العربية حتي الآن لا تتعامل معه بالجدية المماثلة، وتعرف أنه لم يعد هناك عذر للتأخر في تنفيذ هذه المشروعات وغيرها من المشروعات التي تضع الدول العربية علي طريق الوحدة الاقتصادية الحقيقية التي أصبحت ضرورة أمن وطني واستقرار داخلي لكل دولة عربية ( غنية أو فقيرة ) واختياراً لا بديل له في عالم لا مكان إلا للكيانات الكبيرة، ولا مستقبل إلا لمن يوفر بنفسه غذاءه، ولا قيمة إلا لمن يصنع - بالعلم والعمل - مكانته في العالم، ولا أمن ولا استقرار ولا تقدم إلا بالتنمية الحقيقية التي يملك الوطن العربي كل مقوماتها ولا تنتظر إلا الإرادة السياسية التي نرجو ان تكون قد توافرت بعد أن أدرك الجميع عواقب غيابها، وبعد أن تأكد للجميع أن الطريق للمستقبل لابد أن يمر عبر تنمية شاملة مع ضمان للعدل الاجتماعي وتأكيد علي الديموقراطية والإصلاح السياسي .. فهل تأتي قرارات القمة الاقتصادية لتكون نقطة الانطلاق لتحقيق هذه التطلعات ؟.. فلنأمل في ذلك، لأن البديل خطير بما لا يتصوره الكثيرون!! آخر كلام تعليمات الرئيس مبارك بعدم تحميل الفقراء أعباء جديدة وضمان توزيع ثمار التنمية لتصل إلي محدودي الدخل .. وضعها الحزب الوطني علي موقعه الالكتروني . الأهم هو تنظيم دروس خصوصية لبعض الوزراء حتي يستوعبوا الرسالة ويلتزموا بالتعليمات !! ارفعوا أيديكم عن المستشفيات الحكومية . الخلط بين العلاج المجاني والاستثماري معناه ان تتوجه الخدمة الصحية لمن يملك، وأن يتحول الفقراء إلي ضيوف غير مرغوب فيهم في مستشفيات الدولة !! نفس الشئ حدث في بعض الجامعات الحكومية حين افتتحت أقساماً بمصروفات للقادرين، والنتيجة ليست فقط اهتمام الأساتذة بهذه الأقسام وحدها، ولكنها أيضاً امتهان لكرامة طلاب متميزين دخلوا هذه الكليات الجامعية بتفوقهم ليجدوا أنفسهم طلاب درجة ثالثة لأنهم لا يملكون ان يدفعوا لكي يجلسوا في مدرجات مكيفة ولكي يعاملهم الأساتذة كما يعاملون أبناء الأكابر الذين يدفعون !! إنها مأساة نرجو أن تتوقف .