** يسأل عادل أمين من الدقهلية: نري بعض المتدينين يحرصون علي تقصير ملابسهم بشكل لافت للنظر يخالف ما درج عليه الناس. ويزعمون أن من لا يقصر مثلهم فقد عصي الله. فهل هذا صحيح؟ ** يجيب الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الأسبق: نبهنا أكثر من مرة علي وجوب التفقه في الدين والتفرقة بين الواجب والمندوب وبين الحرام والمكروه. حتي لا يكون في التطبيق تطرف يضر بصاحبه ويضر غيره ويسيء إلي الدين نفسه. لقد روي البخاري تعليقاً أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطائك اثنتان. سرف ومخيلة. يدل هذا علي أن الممنوع هو ما كان فيه إسراف وما قصد به الخيلاء وإذا انتفي هذان الأمران فلا حرج. وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار" رواه البخاري وغيره والإزار هو ما يستر أسفل البدن. ومنه البنطلون والجلباب. "من جر إزاره بطراً لم ينظرالله إليه يوم القيامة" رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" رواه البخاري ومسلم وغيرهما . والخيلاء هو الكبر والعجب. والمخيلة من الاختيال وهو الكبر واستحقار الناس. وفي رواية لمسلم وغيره عن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم انهم هم المسبل إزاره والمنَّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. والمسبل هو الذي يطوِّل ثوبه ويرسله إلي الأرض كأنه يفعل ذلك تجبراً واختيالا. كما فسره الحافظ المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب". وحديث "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" ليس عاماً للرجال والنساء. فقد فهمت أم سلمة رضي الله عنها انه عام وقالت للنبي صلي الله عليه وسلم: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: "يرخين شبراً" فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن. قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" أخرجه النسائي والترمذي وصححه. والذراع شبران بشبر اليد المعتدلة. والخلاصة ان للرجال حالين. حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار علي نصف الساق. وحال جواز وهو إلي الكعبين. وكذلك للنساء حالان. حال استحباب وهو ما يزيد علي ما هو جائز للرجال بقدر الشبر. وحال جواز بقدر ذراع. وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمَّر ثوبه. ومن قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه. مستحضراً لها شاكراً عليها غير محتقر لمن ليس له مثله لا يضره ما لبس من المباحات ولو كان في غاية النفاسة. ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يجب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسن. فقال: "إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس". والغمط معناه الاحتقار. والحديث الذي أخرجه الطبري "إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه" محمول علي من أحب ذلك ليتعظم به علي صاحبه. لا من أحب ذلك ابتهاجاً بنعمة الله. فقد أخرج الترمذي وحسَّنه "إن الله يحب أن يري أثر نعمته علي عبده" وأخرج النسائي وأبو داود وصححه الحاكم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لرجل رآه رث الثياب: "إذا أتاك الله مالاً فلير أثره عليك" أي بأن يلبس ثياباً تليق بحاله من النفاسة والنظافة ليعرفه المحتاجون إلي الطلب منه. مع مراعاة القصد وترك الإسراف. هذا. وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد علي العادة وعلي المعتاد في اللباس من الطول والسعة. والثوب الطويل الذي ليس فيه خيلاء يكره إذا لم يأمن لالبسه من تعلق النجاسة به. فقد أخرج الترمذي عن عبيد بن خالد انه قال: كنت أمشي وعليَّ بُرد أجره. فقال لي رجل: "ارفع ثوبك فإنه أنقي وأبقي" فنظرت فإذا هو النبي صلي الله عليه وسلم. فقلت: إنما هي بردة ملحاء أي فيها خطوط سود وبيض فقال: "أما لك فيَّ أسوة"؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلي أنصاف ساقيه "فتح الباري ج 10 ص 264 275".