كثيرة هي تلك الأقوال المأثورة في التراث الإسلامي التي نرددها ونحفظها عن ظهر قلب لكن كثيرا من تفاصيل تلك القصص التي كان من نتاجها هذه الاقوال المأثورة تغيب عن كثيرين منا .. نقف في هذا الباب عند قصص لأقوال مأثورة واليوم نقف عند "علامَ نرضي الدَّنيَّة في ديننا؟". عَنْ أَبي وَائِلي. قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفي يَوْمَ صِفِّينَ. فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ. لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبيَةِ وَلَوْ نَرَي قِتَالاً لَقَاتَلْنَا. وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ. فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَتَي رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَسْنَا عَلَي حَقّي وَهُمْ عَلَي بَاطِلي؟! قَالَ صلي الله عليه وسلم: " بَلَي ". قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟! قَالَ صلي الله عليه وسلم: "بَلَي". قَالَ فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا. وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ النبي صلي الله عليه وسلم: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ. وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا ". قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ. فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا. فَأَتَي أَبَا بَكْري فَقَالَ يَا أَبَا بَكْري: أَلَسْنَا عَلَي حَقّي وَهُمْ عَلَي بَاطِلي؟ قَالَ: بَلَي. قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَي. قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا. قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَي رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بالْفَتْحِ. فَأَرْسَلَ إلَي عُمَرَ. فَأَقْرَأَهُ إيَّاهُ. فَقَالَ عمر رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحى هُوَ؟ قَالَ صلي الله عليه وسلم: " نَعَمْ ". فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. يقول الداعية الاسلامي الدكتور محمد داود : هذا موقف يظهر فيه التدبير الإلهي لنبيه صلي الله عليه وسلم» حيث وضع الله فيه سر النجاح والنصر والفتح المبين. ومن هذا الموقف يُدْرَكُ الفرق بين تدبير النبوة وتدبير الفكر البشري. بين من يعمل بعقله فقط. ومن أرشده الله إلي الحق وحيًا وإلهامًا. مع ما أولاه الله من نعمة العقل والتدبير والبصر والبصيرة. أضاف : فبحكم الأسباب وحدود العقل البشري دُهش المسلمون من شروط صلح الحديبية. ودهشوا أكثر مما رأوه من رسول الله صلي الله عليه وسلم من التساهل والموافقة علي كل شروط المشركين في الصلح: أن يرجع المسلمون دون زيارة البيت الحرام. وأن يرد الرسول صلي الله عليه وسلم علي المشركين من يأتيه منهم. أما من جاء من المسلمين إليهم فلا يردونه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.. مشيرا الي أن نظر العقل المجرد إلي هذه الشروط هو الذي استفزّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحماسه للدين ولعزة هذا الدين» فتوجه إلي النبيِّ صلي الله عليه وسلم. ثُمَّ إلي أبي بكر رضي الله عنه بأسئلته اللاهبة: ألسنا علي الحق وهم علي الباطل؟! أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟! فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!. بين أن حكمة رسول الله صلي الله عليه وسلم أتت لمعالجة الأمر» حيث بين صلي الله عليه وسلم أن الأمر له بُعْد أعمق. وأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يتصرف بعقله المجرد فقط ولا ببشريته المطلقة. ولكنه يتصرف من موقع النبوة المؤيدة بالوحي من الله تعالي. وأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يعصي ربه. وأن الله لن يضيعه. وعندئذ هدأت نفس سيدنا عمر رضي الله عنه بعد بيان رسول الله صلي الله عليه وسلم لحقيقة الأمر. وما هو إلا وقت يسير حتي نزلت سورة الفتح علي رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا""الفتح 1" وهكذا تأكد المسلمون أن صلح الحديبية كان مقدمة لنصر مبين وفتح عظيم. وفي هذا يقول الله تعالي: "لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا" "الفتح 27" أضاف : لقد كان صلح الحديبية هدنة مَكَّنَت للمسلمين» حيث اختلطوا بالكفار ونادَوْهُم بالدعوة. وأسمعوهم القرآن. وناظروهم علي الإسلام جَهْرةً آمنين. وظهر مَنْ كان مستخفيًا بالإسلام. حتي دخل في الإسلام أثناء فترة المعاهدة بعد صلح الحديبية مثل مَنْ كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر . ومن دلالات الموقف العظيمة: أن الله تبارك وتعالي أراد أن يجعل فتح مكة لنبيه فتح مرحمة وسِلْم. لا فتح ملحمة وقتال. فتحًا يدخل الناس فيه في دين الله أفواجًا. فكان صلح الحديبية تمهيدًا لذلك. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.