وزير التعليم يبحث مع مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج تعزيز التعاون التربوي    جامعة حلوان تستقبل وفد «مستقبل الأرض بأفريقيا» و«البحوث الوطنية» (تفاصيل)    محافظ قنا يبحث مع نواب مجلسي الشيوخ والنواب ملفات التنمية وتعزيز التعاون المشترك    التعليم العالي:مصر والجزائر تتعاونان في الأبحاث البترولية والتنمية المستدامة    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    أخبار الكويت اليوم.. وزير الدفاع: تدشين الاستراتيجية الدفاعية 2025 - 2030    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    أوكرانيا تتهم موسكو بانتهاك الهدنة الروسية أكثر من 700 مرة    تقرير: ضغوط أمريكية على المنظمات الإنسانية لدعم خطة المساعدات الإسرائيلية بشأن غزة    قائد نيوكاسل يطالب بالدعم الجماهيري أمام تشيلسي    بيسيرو يخرج عن صمته: "الزمالك رقم 6 في مصر"    رغم اهتمام الهلال السعودي.. ماركو سيلفا سعيد في فولهام    نيوم يدخل على خط المنافسة لضم سعود عبد الحميد.. والاتحاد يتصدر السباق    السجن 13 عاما لمتهم بترويع شاب بكلاب شرسة والتعدي عليه في الإسكندرية    إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية للهروب من ارتفاع درجات الحرارة الشديدة    موعد بداية ذي الحجة 1446.. متى تحل وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر؟    سهير رمزي تتصدر "التريند".. ما علاقة ياسمين صبري؟    لكل عريس وعروسة.. 10 نصائح من سماح عبد الفتاح تجعل حياتكم الزوجية سعيدة    «لو صاحبك من الأبراج دي أوعى تحكيله سرك».. أبراج لا تعرف كتم الاسرار    "محمد الفاتح".. دراما تاريخية تُعيد أمجاد الفتوحات على الشاشة التركية    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرصيف    وزارة الصحة تنظم مؤتمرا عالميا لتشخيص وعلاج الربو الشعبى ومكافحة التدخين    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    16 أستاذ جامعيا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    أزعجتهم خلال علاقة محرمة.. سيدة وعشيقها يقتلان رضيعة في الهرم    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام
نشر في الفجر يوم 14 - 01 - 2014

الإسلام دينً عظيم بنى عقيدته علي أساس العقل السليم والمنطق القويم في دراسة الأمور والبعد عن التردد الذي هو أول درجات الفشل, وقبل ذلك كله وبعده لابد من تفوض الأمر لله رب العالمين, فالمسلم العاقل هو من يأخذ بأسباب الأمور ثم يترك نتائجها إلي الله تعالي الذي له الأمر من قبل ومن بعد.
ومن هنا فقد ربى الإسلام أتباعه علي التفاؤل والأمل والبعد عن التطير والتشاؤم, ولقد ذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين بدعاوي الأنبياء فقال سبحانه: \" قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) سورة يس .
كما نهى الرسول صلي الله عليه وسلم عن الطيرة , عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :لاَ طِيَرَةَ ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ ، قَالُوا : وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ.أخرجه \"أحمد\" 2/266(7607) و\"البُخاري\" 7/174(5754) و\"مسلم\" 5853 .
ولقد كانت العرب قديماً إذا أردت سفراً نفرت أول طائر تلقاه, فإن طار يمنة سارت وتفاءلت وإن طار يسرة رجعت وتشاءمت, حكى عكرمة فقال: كنا جلوساُ عند ابن عباس رضي الله عنهما فمر طائر يصيح فقال رجل من القوم خير. فقال ابن عباس لا خير ولا شر, وأنشد قول الشاعر لبيد:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى * * * ولا زاجرات الطير ما الله صانع
فهذا المسلك الشائن من العرب قديماً قد نبذه الإسلام الحكيم , وشدد عليه ,عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْداللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، وَمَامِنَّا إِلاَّ ، وَلَكِنِ اللَّهُ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ. أخرجه أحمد( 1/389(3687) والبُخاري في الأدب المفرد(909 ).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالْحَسَنِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:مَنْ أَتَى كَاهِنًا ، أَوْ عَرَّافًا ، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ. أخرجه أحمد 2/429(9532).
وفي حديث مسلم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما , في صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال صلى الله عليه وسلم :\" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ لا يَرْقُونَ ، وَلا يَسْتَرْقُونَ ، وَلا يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ \".أخرجه مسلم ( 7 / 18 - 19 ) و أحمد ( 3 / 382 ).
ومن هنا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس صحابته رضوان الله عليهم روح التفاؤل والجد والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدها وأقساها , عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه \"أحمد\" 5/109(21371) و\"البُخَارِي\" 4/244(3612) و\"النَّسائي\" 8/204 .
وفي الغار والأخطار محدقة به صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبي بكر الصديق , فيقول أبو بكر لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، قَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا. « يَا أَبَا بَكْرٍ ! { لا تَحْزَنْ إِنَّ الله معنا }.
وفي صلح الحديبية وبعد قبوله صلى الله عليه وسلم بشروط الصلح المجحفة واعتراض بعض الصحابة عليها , حتى قال عمر رضي الله عنه : نعطي الدنية عَنْ أَبِى وَائِلٍ , قَالَ : قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ , يَوْمَ صِفِّينَ , فَقَالَ:أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِى الصُّلْحِ الذي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَفِيمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إني رَسُولُ الله وَلَنْ يضيعني الله أَبَدًا قَالَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا. قَالَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. أخرجه أحمد 3/485(16071) و\"البُخَارِي\" 4/125(3182) و\"مسلم\" 5/175(4656) و\"النَّسَائي\" في \"الكبرى\" 1440, سيرة ابن هشام 4/284.
وفي غزوة الخندق حينما اعترضت صخرة عظيمة طريق المسلمين , أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول وضرب به ثلاث ضربات , وفتح باب الأمل للصحابة في انتصار الإسلام , قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ ، أَنّهُ قَالَ ضَرَبْت فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبٌ مِنّي ؛ فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ الْمَكَانِ عَلَيّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى ؛ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الثّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى . قَالَ قُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ ؟ قَالَ أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ قَالَ أَمّا الْأُولَى فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْيَمَنَ ؛ وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ وَالْمَغْرِبَ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَاَلّذِي نَفْسِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ . سيرة ابن هشام 2/219.
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ.أخرجه أحمد 4/103(17082) \"السلسلة الصحيحة\" 1 / 7 .
وعَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ اللهَ زوي لِيَ الأَرْضَ ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ. أخرجه أحمد 5/278(22752) و\"مسلم\" 8/171 و\"أبو داود\" 4252.
فهو صلى الله عليه وسلم من تلك المواقف كلها يريد أن يبعد عن نفوس أصحابه ؛ بل عن نفوس المسلمين جميعهم روح التشاؤم والاستسلام والخنوع , واستبدال تلك الروح بروح المتفائل الواثق بنصر الله تعالى .

ولقد سلك الإسلام كل سبيل ففي غرس هذه الروح في المجتمع المسلم فأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع في المجتمع روح التفاؤل والأمل , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ.أخرجه أحمد 3/344(14766) و\"البُخَارِي\"، في (الأدب المفرد) 304 والتِّرْمِذِيّ\" 1970 .
كما أمرنا بإفشاء السلام بيننا حتى تسود المحبة والألفة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ.أخرجه \"أحمد\" 2/391(9073) و\"مسلم\" 104 و\"ابن حِبَّان\" 236.
وأمرنا – كذلك – بمجالسة الجليس الصالح الذي يشبه حامل المسك حتى نتلمس من مصاحبته روح الصلاح والخير .
كما أمرنا – أيضاً – بتحسن أسمائنا وأسماء أبنائنا لأن في تحسينها مدعاة للتفاؤل والاستبشار ,عن بريدة رضي الله عنها قال : ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في سبعين من قومه من بني سهم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (من أنت) ؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: (برد أمرنا وصلح).ثم قال: (ممن) ؟ قال: من أسلم.فقال لأبي بكر: (سلمنا).ثم قال: (من بني من) ؟ قال: من بني سهم.قال: (خرج سهمك (يا أبا بكر)).فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت ؟ قال: (أنا محمد بن عبد الله رسول الله).فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا.قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين، فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء).فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة) .أخرجه البيهقي في الدلائل 2 / 221.
وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد متطيراً من كثرة همومه وديونه , أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى استبدال الرسائل السلبية في حياته برسائل ايجابية , وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله تعالى , عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَ بَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى.أخرجه أبو داود (1555).
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ ، قَالَ:ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ ، وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ ، فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ.أخرجه أبو داود 3919.
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الإدعاء بأن الناس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من الناس , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ. أخرجه أحمد 5/299 (22919).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْخَيْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.أخرجه \"أحمد\" 2/238(7244) و\"البُخاري\" 4826 و\"مسلم\" 5925 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ : هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ.
- وفي رواية : إِذَا سَمِعَْتُمْ رَجُلاً يَقُولُ : قَدْ هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ، يَقُولُ اللهُ : إِنَّهُ هُوَ هَالِكٌ.
- وفي رواية : إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. أخرجه \"أحمد\" 2/272(7671) و\"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 759 و\"مسلم\" 6776.
ولله در من قال :
نعيبُ زماننا والعيبُ فينا *** وما لزمانِنا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا
وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضُنا بعضًا عيانا
وفي نهاية المطاف علينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس , فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ , فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل , وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب , فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس , قال الشاعر في ذلك :
أَيُّهَذَا الشَّاكِي! وَمَا بِكَ دَاءٌ * * * كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلا!
إِنَّ شَرَّ الْجُنَاةِ فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ * * * تَتَوَخَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلا
وَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى أ* * * َنْ تَرَى فَوْقَهَا النَّدَى إِكْلِيلا
وَالّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ لَا* * * يَرَى فِي الْحَيَاةِ شَيْئاً جَمِيلا
وعلينا في النهاية أن نضع نصب أعيننا, وأن يكون شعارنا قول الله عز وجل : \" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.