يحرص كل حاكم ملكاً أو رئيساً أو أميراً علي أن يترك أثراً طيباً عبر مر التاريخ. يخلد به عهده ويذكره به شعبه. فعلي سبيل المثال تركت أسرة محمد علي التي حكمت مصر حتي عام 1952 آثاراً طيبة لم تستطع ثورة 23 يوليو محوها رغم محاولاتها المستميتة. منها حفر قناة السويس وشق الترع والرياحات المائية. وتشييد القناطر الخيرية. وبناء الجامعات ومد السكك الحديدية. ورصف الطرق. فمحمد علي وأسرته بحق مؤسس نهضة مصر الحديثة. والرئيس جمال عبدالناصر رغم تفريطه في الوحدة بين مصر والسودان والهزيمة المنكرة التي منيت بها مصر في عهده علي يد إسرائيل يذكر الشعب له بالخير تأميم قناة السويس وانحيازه لجانب الفقراء بتمكينهم من الأراضي الزراعية التي استولي عليها الأمراء. وبناء السد العالي وما ترتب عليه من تطوير قطاع الزراعة وتوليد الكهرباء. ويذكر الشعب للرئيس السادات الانتصار العظيم الخالد الذي حققه في حرب أكتوبر 1973 ومحو العار الذي لحق بالمصريين مع هزيمة 67. وبناء المدن الجديدة كالعاشر من رمضان. و6 أكتوبر. والعبور. والسادات. وبدر. و15 مايو وغيرها من القلاع الصناعية رغم الفترة الوجيزة التي قضاها في الحكم مقارنة بمن قبله ومن بعده. وبالنسبة للرئيس مبارك فيا حسرتاه لن يذكره التاريخ ولن ولن أو الشعب إلا ب "المخلوع" الذي مكث ثلاثين عاماً في الحكم ولم ينجز مشروعاً قوميا خالد النفع أو العطاء. بل ستظل تطارده لعنات حسين سالم وأحمد عز وانتشار العشوائيات وتفاقم الفقر واحتدام الأزمات. أما الرئيس مرسي سيذكره الناس بالرئيس المعزول الذي جعل مرجعية حكمه مكتب الإرشاد ومرشد الإخوان المسلمين محمد بديع ومجموعة المستشارين كثيري الكلام عديمي الخبرة الذين انفضوا من حوله عندما بدأت السفينة تغرق. ولكن قد يجد به البعض عذراً بأنه لم يمكث في الحكم غير عام. مما لا شك فيه ان الرئيس السيسي يضع هذه الاعتبارات والحقائق التاريخية في ذهنه وهو لايزال في بداية حكمه. ولابد انه قد عزم علي أن يخلد في سجل الوطن سيرته ويكتب بأحرف من النور سيرته ولن يكون ذلك إلا بتحقيق انجازات قابلة للخلود. وأولي هذه الانجازات تحقيق العدالة الاجتماعية التي لم لم تعرف طريقها إلي الشعب المصري يوماً. فقد أثبتت التجارب والمحن انه لا تنمية بدون عدالة اجتماعية والانتقال بها من مجرد شعار إلي برامج عمل تحظر التمييز. وتوفر تكافؤ الفرص. وتكفل التوزيع العادل للموارد والأعباء. وتوفر الحماية والضمان الاجتماعي. والسلع والخدمات للفئات التي تحتاجها. ومن معايير العدالة الاجتماعية اتاحة فرص الوظائف المرموقة في القضاء والنيابة والتدريس بالجامعات والسلك الدبلوماسي وغيرها للحاصلين علي أعلي الدرجات في نفس التخصصات. وإلغاء ما يسمي "اجتياز المقابلات" لأنها أصل الداء. والعائق أمام النابغين من أبناء البسطاء. ولتكن شروط الحصول علي هذه الوظائف "الأعلي شهادة فالأعلي تقديراً فالأكثر سناً فالأقدم تخرجاً" حتي تتخلص من آفة تفصيل الشروط علي ابن فلان أو علان ونبرأ من توريث هذه الوظائف. ولابد للرئيس السيسي أن ينجز عدداً من المشاريع العملاقة التي لا يتوقف عطاؤها يوماً ما مثل مشروع تنمية محور قناة السويس. علي أن يكون خالصاً للمصريين أولا وأخيرا حتي لا تجد أجيالنا القادمة نفسها "خداماً أو إجراء" في أوطانهم عند الغرباء. لابد من تخصيص نصيب لكل فرد للشعب في هذا المشروع من خلال تضمينه آلافاً بل ملايين المشاريع الصغيرة. ومن صميم العدالة الاجتماعية إنصاف أصحاب المعاشات الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن. فليس من الإنسانية في شيء الا يجد الواحد منهم في نهاية المطاف إلا نكرانا للجميل وتحويله إلي مواطن ذليل لا يجد به ما يجابهه مشاكل الشيخوخة وأمراض العصر والله المستعان. قال الشاعر أحمد الصديق: فلا تركع لغير الله يوماً فخلق الله أصلهم سواء ولا تجزع في الشدائد أو تداهن وكن جلداً ولو غلب العياء لئن ترضخ مهانا خوف بطش فنفس الحر يجرحها انحناء وبطش الله ليس له مرد وبطش العبد أقصاه امتلاء وحكم الظلم ليس له دوام وحكم الحق شيمته البقاء